-أمتاز الحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه عام 1934بكثرة المفكرين بصفوفه حتى أصبح الشعب العراقي يطلق عليه حزب المثقفين والمفكرين. السبب يعود الى الأجواء الفكرية التي تسود حياة الحزب وأهتمامه بهذه القضية الحيوية لأن الفكر وتطوره المستمر لمواكبة كل مرحلة والتنبؤ بالمستقبل نتيجة هذه الأفكار والتحليلات ،جعلت منه حزبأ مميزأ بين كل الأحزاب العراقية بقدرة التحليل الصحيح للأحداث السياسية التي عصفت بالبلد .هذه الأجواء شجعت الكثير من المثقفين للعمل داخل صفوف الحزب أو التقرب منه مما جعله يملك خزينأ جيدأ من المثقفين والمفكرين.
القضية الأخرى والمهمة هي أستناد كل فكره ومنهج عمله على النظرية الماركسية العلمية التي لا يمكن لها أن تكون مقدسة وجامدة النصوص كمثل النصوص الدينية التي بقيت متزمته بفكر مضى على وجوده مئات السنين دون أي تغيير بمنهجه ونصوصه مما جعله لا يواكب العصر الحديث ومتطلباته،كل هذا جعل المفكرين يجدون خامة جيدة للتوغل بداخلها ومحاولة الأستفادة منها في وضع بلدنا .
*لكن ما يمكن ملاحظته في العشرين سنة الأخيرة هو قلة هؤلاء المفكرين وأبتعاد العديد منهم عن الحزب حتى أصبحنا نفتقد الى تلك النقاشات الفكرية الحيوية التي كانت تسود صفوف الحزب أو في صحافته العلنية وحتى نتاجات مثقفي ومفكري الحزب باتت قليلة جدأ والخاصة بالشأن السياسي (هنالك بعض النتاجات في الجانب الأقتصادي وهي كذلك قليلة جدأ أذا ما قورنت بالماضي) .
*وهنا يطرح السؤال المهم لماذا هذا النضوب أو النقص؟
-فترة ما بعد سقوط الصنم يمكن القول عنها بأنها فرصة جيدة لهؤلاء المفكرين لطرح نتاجاتاتهم وطبعها وتوزيعها بسبب حالة الأنفتاح وعدم التضييق على الفكر .بمعنى أن لا حجة للخوف من السلطة على الكتابات .هل الخوف من المليشيات ؟لا أعتقد ذلك لأن المفكر يمكن أن يجد عدة طرق لتجنب مضايقات هذه المليشيات.
-ما أعتقده أن القضية هي أكبر من الخوف وهي تتعلق بصلب عمل الحزب الداخلي وطريقة أهتمامه بالمفكرين وعموم الأفكار التي تطرح ،كيف ؟
*شهدت السنوات الأخيرة سيطرة كاملة لمجموعة من الرفاق على سلطة القرار الحزبي بكل أبعاده ،الفكرية والتنظيمية مما جعل هؤلاء يقربون من يتماشى مع أفكارهم ومنهج عملهم الحزبي وبالعكس جعلهم يضيقون الخناق على كل أصحاب الأفكار التي لا تتماشى مع قناعاتهم .
-معلوم أن المفكر حتى بداخل أطار الحزب يريد مساحة من الحرية لأفكاره لطرحها ونقاشها ومن ثم الوصول الى نتاج حول جودتها أم عدمها .لكن هذا المفكر عندما يجد هذا التضييق وبطرق متعددة ولأنه لا يقوى على الصراع التنظيمي والذي بيده مفاتيح نشر أو تحجيم هذه الأفكار تجده بنهاية الأمر ينسحب من العمل الحزبي أو الصلة بالحزب ليصبح حرأ دون تضييق أحد في نشر أفكاره ونقاشها العلني خاصة في ظل عالم الأنترنيت ووسائل التواصل الأجتماعي.
-نتيجة هذا العمل الذي يستمر منذ سنين طويلة هو ما نجده اليوم في قلة وجود هؤلاء المفكرين حتى أصبح الحزب اليوم شحيح النتاج الفكري وبوصلته الفكرية تتلاطم بها أمواج عاتية لها أول وليس لها أخر بسبب غياب الفكر الحر بداخله بل أصبح الفكر حكرأ على مجموعة قيادية قليلة غير متمكنة وهي من تحدد بوصلته الفكرية والسياسية ولا غرابة بالتالي أن تجد اليوم موقع الحزب في الساحة السياسية ضعيفأ جدأ نتيجة لمواقفه السياسية التي لا تستند لفكر ناضج وواعي ،
بل وأحيانأ كثيرة نابعة من أفكار تغلب عليها المصالح الشخصية .
-عام 1980 أيام كنا في كردستان كانت تجري نقاشات حادة على طبيعة وضع الحزب الحالي وفشل تجربة التحالف مع البعث وطبعأ للأغلبية من قادة الحزب كانت لهم أفكار تتقاطع بشكل كبير مع العديد من الرفاق والذين يتلمس المرء بهم بوادر النضج الفكري والوعي الذي يسبق لأعمارهم ولكن للأسف كان للقيادة موقفأ أخر حولهم حيث التضييق والتشكيك بافكارهم مما جعل العديد منهم يترك الساحة بعد فترة من الزمن لعدم قدرته على تحمل تلك الممارسات مما جعلنا نخسر مفكرين قادمين للمستقبل .
-نفس القضية هذه تجددت بعد سقوط الصنم وحين عاد الكثير من الرفاق للعمل من جديد وبظروف جديدة كانوا يتأملون تغيير الحال حول هذه القضية المهمة (التعامل مع المفكرين والأفكار الجديدة)لكن للأسف بقيت قيادةالحزب مصرة على نفس النهج السابق بهذا الخصوص حيث تقرب من يتماشى مع رغباتها وتبعد من يتقاطع مع هذه الرغبات.
-المصيبة الأكبر هي في الجيل الجديد من المفكرين والذين كانوا يتأملون كمثل سنوات القرن العشرين بأنهم سيجدون بحضن الحزب الأناء الكبير الذي يتسع لأفكارهم ،لكنهم للأسف وجدوا أنفسهم مع أناس يقزمون الأشخاص الذين لديهم أفكارلا تنسجم مع فكر القيادة وبالتالي أتخذ العديد منهم خيار الأبتعاد عن الحزب وهم مصدومين من تناقض ما هم قد سمعوه عن الحزب وأحتضانه للمفكرين وما هو سائد بعمله اليومي .
*أذا كان الشيوعيون يلومون المتدينيين على جمود أفكارهم وعدم تطورها مع العالم الجديد فحري بهم أن ينفتحوا أكثر على كل الأفكار التي تخص نظريتهم العلمية وعملهم اليومي القريب أو البعيد بتطبيقه من هذه النظرية لأن النظرية تبقى جامدة ومتخلفة أذا لم تواكب متطلبات المرحلة الحالية والقادمة(خير مثال تجربة الدول الأشتراكية سابقأ ومصيرها الحزين) وهذا لا يأتي من السماء كهبة وأنما ينتجه مفكري الحزب وأصدقاءه سواء من أتفق أو لا يتفق مع أفكار قادة الحزب.
*وجود الرفيق في قيادة الحزب لا يمنحه درجة من الوعي والذكاء أكبر من قبل تلك التي كان يحملها في عمله السابق وانما منصبه الجديد يمنحه فرصة أكبر للأطلاع على معلومات أكثر من الرفيق في الهيئات السفلى وصلاحية أكبر بالعمل الحزبي ،بمعنى وعيه لا يتحدد بمركزه الحزبي .
-يبقى السؤال الأهم هل هنالك رغبة للحزب لدراسة هذه الظاهرة وتغييرها (قلة المفكرين)لأجل تطور عمل وحياة الحزب ؟ أم تبقى الأمور على ما هي عليه لنجد التراجع بالعمل الفكري ونتائجه التي تنعكس في سياسة الحزب البائسة منذ سنين حتى يصبح الحزب رقمأ منسيأ في خارطة العراق السياسية؟.