رشيد خيون .
ركزت الصحافة العراقية، غير الطائفية، على توجيه رئاسة الوزراء (9/9/2020) بإلغاء التَّصنيف بالطَّائفة، في دوائر الدولة. جاء هذا التَّوجيه بعد فضح قوائم القبول في الكليَّة العسكرية (الدَّوَرة 111)، جاء في التَّوجيه: «وجّه رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، أمس الأربعاء، بإلغاء التصنيف المذهبي المُتبع للطلبة المقبولين في الكلية العسكرية. ووجّه أيضاً بأن يلغى هذا التَّصنيف أينما ورد في كل مؤسسات الدَّولة، واعتماد التَّوزيع الجغرافي حصرًا في المعلومات المسجلة عن موظفي الدَّولة”(المدى والعراق نت).
ربَّما هناك مَن يرى في عبارة «أبناء الوطن الواحد» ما يشبه النُّكتة؛ مِن حقَّ الذين يرون ذلك، فقد تشظي الوطن بدأ مِن زمن المعارضة العِراقية السَّابقة، وقبلها هتكه النِّظام، عندما رمى شعبه بالسِّلاح الكيمياوي، المحرم بين الدُّول الأعداء! وأباح ما كان محرماً قطعاً، حتى في عهده، قبل 1991، أن تُثلب طائفة كاملة مِن شعبه، هذا ما جاء على صفحات جريدة حزبه الرَّسميّة «الثَّورة«(5/4/1991)، وعلى صفحات جريدة نجل الرَّئيس «بابل»(10-13/ 2002)، فهل رأيتم نظاما يرجم شعبه بغاز الخردل، ويشتم ويهتك عرضه، وعلى صفحات جرائده، مثلما حصل مع العراقيين؟! إنها الدِّكتاتوريَّة، لا تعمل إلا بما يوحي لها معناها! لكنّ ما عُذر الدِّيمقراطيين؟! أن يكرسوا الطَّائفية بهذا الشّكل القبيح؟! حتى صارت الطَّائفة الأُخرى هي النَّظام السّابق كافة، والمسؤولة عن كلِّ موبقات الدّيكتاتوريَّة، دون رؤية قبور أبنائها مِن الذين أبادهم النِّظام نفسه؟!
أُخذ العراقيون بردة الفعل، فاتهمت طائفة بكاملها، بجريرة الأحزاب الدينية، والآن تُتهم طائفة كاملة بردة الفعل نفسها. تأسس بعد(2003) مفهوم آخر للطائفية، يُغذى عبر روايات أربعة عشر قرناً، ملايين المواطنين صاروا مأخوذين بفحيح تلك الرّوايات. أقول: مَن كان سُنياً، ومَن كان شيعياً آنذاك، حتى يتم فرز الماضي على أساس مصالح الحاضر؟!
لذا، عندما وصلت المعارضة السَّابقة، خلف الأميركان بعد أن عجزت مِن الوصول خلف الإيرانيين، رفعت الثُّلاثي: «شيعي»، «سني»، «كردي»، وقد تحقق لها ذلك. أخذت دوائر الدَّولة تصنف طائفياً، حتى صار الحديث عن عراق مختلق أطروحة تتداول وتعمم عبر الإعلام؛ وتبرر المواقف بها، صار جهل البريطاني هنري فوستر مصدراً: «برزت كلمة العراق، التّي طبقت حديثاً في الاستعمال، من لب التّشكيل والتّأليف الذّي أعقب الحرب العالمية الأولى»(نشأة العراق الحديث). جهلَ فوستر أنَّ العثمانيين سموا والي بغداد بوزير العراق(العزاوي، العراق بين احتلالين)، ويجهل تنظيم مدحت باشا(السنة 1896) العراق إدارياً إلى عشرة ألوية(النَّجار، الإدارة العثمانيَّة) وهي التي ظهرت(1920).
ففي عراق يعتبرونه مختلقاً، لا يُشار إلى أهله بمدنهم ووطنهم، لأن هذا الانتماء لا يوفر الجذب المطلوب لرؤساء المذاهب والقوميات، وهل حقيقّة ما يحصل غير ما نبه المعري (ت449هجرية) إليه: «إنما هذه المذاهب أسبابٌ لجذب الدُّنيا إلى الرُّؤساءِ”(اللزوميات)!
نعم، مِن حقّك أيها الكردي الالتحام أو الانفصال، ونحن معك في جرائم ما ارتكبته السِّياسة، لكنَّ لا تغالط التَّاريخ.
أيها الشِّيعي لا تحول تاريخ هذا الوطن إلى نزاع طائفي، فالسُّنَّة لم يقتلوا الحُسين، وهل مَن قُتل مع الحسين كانوا يرسلون أيديهم في الصَّلاة أم يضمونها؟! وهل آذانهم كان مختلفاً عن أذان الذين قتلوهم؟! وأنَّ الأئمة لم يُقتلوا جميعاً(المفيد، تصحيح الاعتقاد)، لتغدو مناسبة وفاة كلّ إمام تجديد للشَّحن الطَّائفي، فلا تجعل ذلك غذاءً للمظلوميّة، التي لا يُريد الطفيليون عليها، نهاية لها، والكلام لـ(أصحاب المنابر)، وليس للشيعة عامةً. ويا وجهاء السُّنّة النَّظام الظَّالم لا يُدافع عنه، فلا يشعر بقسوته إلا مَن الخنجر في جسده.
نتفهم أن العثمانيَّة والصَّفويَّة، جعلا المذهب راية، فحط مِن مكانة جعفر الصَّادق(ت148هـ) بخلق تشيع لا يشبه الأصل، وجعل أبا حنيفة(ت150هـ) شعار استقواء. لكنْ لماذا العراق الدِّيمقراطي، اعتمد ذلك النَّهج المنبوذ، ليصبح معمم لبناني، يُفصل في شأن العِراق وباسم المذهب؟! إن إلغاء السِّجل الطَّائفي خطوة نحو الوطن! هذا، مع أنَّ الطائفيين لا يرضيهم القرار، وليكن، وأعود للمعري: “فانفرد ما استطعتَ فالقائل الصَّادقُ يُضحي ثقلاً على الجلساء”.