نعم للانفتاح على التجارب الشعرية العالمية!
شاعر البحرين قاسم حداد كتب كلمة في «القدس العربي» توقفت أمامها طويلاً، وفيها يقول: «إننا في ما نعرف تفاصيل كثيرة عن الشعر في أمريكا اللاتينية، لا نكاد ندرك التطور العميق في تجربة الشعر الإيراني الحديث، لماذا؟» ويضيف قاسم حداد أن باحثاً إيرانياً اتصل به راغباً في دراسة تجربته الشعرية مقارنة بشاعر إيراني يقترحه عليه، واقترح قاسم حداد تجربة الشاعر الإيراني أحمد شاملو. ويضيف قاسم: «كم أننا نخسر كثيراً لعدم معرفتنا بتجربة الشعر الإيراني الحديث نحن الذين نقرأ أدب الشعوب البعيدة، فيما هذا الأدب ساطع على مقربة منا ونقصر في معرفته.
جسر أبجدي بلا سياسة
بعض المثقفين الإيرانيين مدوا طرف الجسر نحو أدبنا العربي.. وهكذا ترجم الأستاذ الجامعي الدكتور عبد الحسين فرزاد خمسة كتب شعرية لي، وصدرت كلها عن «منشورات جشمة/تهران» وبعضها في «طبعة ثالثة» وقد أحبها القارئ الإيراني، كما صدرت منذ عام ونيف ترجمة لروايتي «بيروت 75» والمترجمة هي الأستاذة الجامعية سمية أقاجاني، كما صدر أيضاً كتاب نقدي يقارن بين تجربتي الشعرية وتجربة شاعرة إيران فروغ فرخزاد، ولذا أحرض على أن يقوم الناقد والمترجم الإيراني يوسف عزيزي بإنجاز كتابه في الأدب المقارن بين الشاعر البحريني قاسم حداد والإيراني أحمد شاملو.
والترجمات مفيدة للأدب العربي وتوسع آفاقه، بحيث لا تقتصر معرفتنا على أدب أمريكا اللاتينية. ولذا، نشرت عن «دار الطليعة» كتاب الإيراني د. «يد الله ميلوري» وعنوانه «الرواية السياسية بين الفارسية والعربية».
الأطفال البيض الشقر في التلفزيون الغربي والعربي!
نتحدث طويلاً عن التمييز العنصري بين أصحاب البشرة البيضاء والسوداء في كوكبنا.. ونثرثر حول المساواة بينهما، طبعاً وفي نظري، لا فرق بين صاحب البشرة البيضاء أو السوداء، أما على أرض الواقع اليوم فقلما يتبنى كثيرون ذلك.. عملياً.
وأذكر «الإعلانات المتلفزة» كمثال.. ففي أي إعلان في فرنسا عن طعام الأطفال أو (حفاضاتهم) نشاهد دائماً طفلاً جميلاً أبيض البشرة، وما من مرة أسود البشرة. وحتى في البرامج التلفزيونية، كبرنامج الفرنسي لوران روكية، نجد (في شعار البرنامج) طفلاً جميلاً أبيض البشرة يتسلق جهاز التلفزيون، ولكنه ليس أسود البشرة، هذا كما في الإعلانات المتلفزة كلها. وأظن أن (تطبيع) العلاقات بين البشرة البيضاء والسوداء للبشر قد حان، بعيداً عن (المحاضرات الفكرية) حول ذلك؛ أي على أرض الممارسة والواقع.
نريد أن نرى مذيعاً للأخبار في التلفزيون الفرنسي وتلفزيونات العالم كله أسود البشرة، ليس لأنه كذلك، بل لقدرته الإعلامية، وذلك لا ينقص أصحاب البشرة السوداء.. فرنسا مثلاً ترفض التمييز العنصري وفقاً للون البشرة، لكنني قلما أرى انعكاس ذلك في الإعلانات والبرامج الناجحة.
لا لتبييض البشرة!
بعد اختناق المواطن الأمريكي جورج فلويد تحت ركبة شرطي أبيض البشرة، وموته، انفجرت في U.S.A حركة «حياة السود مهمة» وهي بالتأكيد كذلك قبل قتل المسكين فلويد وبعده.
بالمقابل، من المؤسف «هوس» تبييض البشرة الذي ينتشر بين الآسيويات والإفريقيات (السودان مثلاً) للتخلص حتى من البشرة داكنة اللون.. حيث يقمن بشراء مستحضرات لتبييض البشرة تبين فيما بعد أنها تسبب مرض سرطان الجلد.
ولكن التظاهرات المضادة للعنصرية وجهت ضربة قاضية (في محلها) للشركات التي تبيع هذه المستحضرات (والكريمات) لتبييض البشرة.
لماذا يحدث ذلك؟ ولماذا لم نسمع مرة عن مستحضر لتسويد بشرة البيض؟ لأن الناس يفوزون بالوظائف ويتلقون المزيد من طلبات الزواج حين تكون بشرتهم أكثر بياضاً. وتلك حقيقة حتى في دمشق حين كنت صبية صغيرة. وأشعر بالنفور وبالدهشة حين أقرأ عن شركات منتجات تفتيح البشرة التي لا تعلن عن عدد ضحاياها لاحتوائها على درجة كبيرة من (الزئبق) الذي يسبب السرطان، ولكن شهوة البشرة البيضاء ما تزال الأكثر مبيعاً في سوق مستحضرات التجميل التي تمثل ملايين الدولارات كأرباح.
العيون الزرق للجميع عن قريب؟
يقول الباحثون إن لأصحاب البشرة الفاتحة الحظ الأكبر في الحصول على عمل، وتعكس بالمنظور الاجتماعي «شخصية محببة» لأصحابها. أما العيون الزرق فهي حلم الكثيرات، ولي جارة لبنانية الأصل في باريس رافقتها إلى بائعة النظارات لإخبارها على شراء عدسات زرقاء تلصق بالعين بحيث تبدو زرقاء العيون، وحاولت عبثاً إقناعها بأن لا حاجة لتكون زرقاء العينين! ولعل هوس تبييض البشرة السمراء هو نمط من أنماط الإذعان للعنصرية، ناهيك عن الأذى الجسدي الذي يلحقه بالبعض.. فهذه المساحيق تسبب مشكلات صحية خطيرة وتدل على شعور بالنقص ربما أمام (المستعمر الأوروبي) الأكثر قوة، حيث يعشق المقهور ملامح الأقوى ويحب التشبه به.
في زمان هتلر قلد الكثيرون شاربه، وفي عالمنا العربي قلد الكثيرون شارب صدام حسين أيام حكمه، والوقت قد حان ليكون كل إنسان هو نفسه كما قد يحلو له حقاً وليس تقليداً لأصحاب اللحى لأن (موضة اليوم اللحى) هي السائدة حالياً.
إهانة لأصحاب البشرة السوداء
مجلة (فالور أكتويل) الباريسية رسمت، في كاريكاتــير لها، السياسية دانييل اوبونو سوداء البشرة بشكل واحدة من العبيد، وحول عنقها سلسلة حديدية مع بقية موكب العبيد القادمين من إفريقيا السوداء!
رسم مهين احتجت عليه السيدة السياسية التي ستقيم الدعوى لطلب التعويض المادي على الأقل من تلك الإهانة، هذا على الرغم من اعتذار المجلة منها كما الرسام، متنصلين من سوء النية، لكن رئيس الوزراء الفرنسي كما رئيس الجمهورية اعترضا على تلك الإهانة التي تطال كل فرنسي أسود البشرة في فرنسا. ونحن كعرب، لا نستطيع التنصل من العنصرية تلك، ولا أظن أن الكثير من الرجال العرب يرضون بتزويج بناتهن حتى من أستاذ جامعي أسود البشرة.
وباختصار، ما زالت العنصرية متأصلة في النفوس حتى عندنا كعرب، واسأل نفسك إن كنت أباً: هل ستتحمس لزواج ابنتك من طبيب أو أستاذ جامعي إذا كان أسود البشرة؟