هل يتوجب علينا الاهتمام بمصير الرئيس ترامب ؟
حتى أقل الناس اهتماما بالسياسة، وأكثرهم عزلة وابتعادا عن اجهزة الإعلام، سمع او شاهد أو قرأ خبر اصابة الرئيس الامريكي دونالد ترامب والسيدة زوجته بفايروس كورونا. فقد تصدر الخبر مواقع التواصل الاجتماعي وتسلل الى المكالمات الهاتفية، ناهيك عن اجهزة الإعلام، ليتم فرز كل حركة أو اشارة صدرت عن الرئيس، منذ اعلان اصابته، بالاضافة الى تدوير تصريحاته عما نطق به حول كيفية الوقاية من الاصابة بالفايروس، مثل شرب الكلورين، ونصائحه عن ارتداء او عدم ارتداء الكمامة، التي باتت تضاهي في شهرتها، الآن، المقولة الشكسبيرية « أن تكون أو لا تكون» .
حققت متابعة تفاصيل علاج الرئيس ترامب، نجاحها أو انتكاستها، نجاحا مليونيا ، في أعداد المتابعين يتجاوز أكثر افلام هوليوود ومسلسلات نفلكس نجاحا، وأكثر من المسلسلات التركية التي احتلت مكان السورية، في العالم العربي، بعد تراجع انتاج الاخيرة. تحيط التغطية الإعلامية ، الممتدة على مدار الساعة، الكرة الارضية، في ذات الوقت الذي تُمرر فيه مئات آلاف الاصابات والوفيات، في جميع انحاء العالم، كارقام واحصائيات وخطوط بيانية، تُبث أو توضع على المواقع ، بألوان مختلفة، توحي للناظر بانها تمثل الفرق بين الحياة والموت، بين فترة ما قبل الكورونا وخلالها. الاحصائيات والخطوط البيانية، غالبا، لا تعني شيئا للقارئ. انها مجرد أرقام. من السهل على الناظر أن يدير وجهه جانبا لئلا يراها او يختار الا يعرف لأنه وصل حد الاشباع في التعامل مع الارقام ومحو الانسان، الا اذا كان وزيرا أو نجما او رئيس دولة. حينئذ تطالعنا تفاصيل حياة المصاب اليومية، ومسار العلاج والفحوصات التي تجرى عليه بادق التفاصيل، وسيرورة تعافيه وانتصاره على الفايروس، الذي يحصد حياة الفرد العادي الذي قلما تتاح له فرصة الرعاية والعلاج. تبدت هذه المفارقة بوضوح حين أصيب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بالفايروس . وها هي أصابة دونالد ترامب لتدحض، مرة اخرى، حقيقة المساواة بين البشر ورعاية الحياة الانسانية. الحقيقة هي « كل الحيوانات متساوية لكن بعض الحيوانات متساوية اكثر من غيرها» كما كتب جورج اوريل في مزرعة الحيوان، وهو ما يأخذنا الى انتقائية تطبيق القوانين الدولية من قبل الدول الكبرى مقابل الشعوب المستضعفة ، والتي تماثل الفروق بين القبو المظلم والطابق العلوي بشرفاته، وان كان المبنى واحدا.
السياسة الخارجية ، مهما كان الحزب الحاكم ، جمهوريا أو ديمقراطيا، تكاد تكون واحدة مع بعض التغييرات الطفيفة الناتجة عن شخصية الرئيس
بعيدا عن نظرة اللامساواة السوداوية، التي تبلورت بأوضح صورها في عام الكورونا، يبدو الاهتمام الإعلامي والشعبي، بمتابعة صحة الرئيس ترامب، مبررا. فهو، من الناحية الدولية، رئيس اقوى دولة عسكرية في العالم ، قد يصفه البعض بانه شرطي العالم، الا ان هذا غير مهم بالنسبة للحكومات، المرتبطة مع أمريكا، بمعاهدات واتفاقيات عسكرية وأمنية واقتصادية، تتحكم بدرجات متفاوتة، بشعوب تلك الدول. وهو رئيس الدولة المانحة والداعمة لآلاف المؤسسات والمنظمات المحلية والدولية، الممتدة كاذرع الاخطبوط، في طول وعرض الكرة الارضية. أما في داخل أمريكا، فتتمحور درجة الاهتمام بصحة الرئيس ، بيمينها العنصري الابيض وحركات الحقوق المدنية واليسار المتظاهر الغاضب، حول العد التنازلي لاقتراب يوم الانتخابات الرئاسية، ومحاولة الحزب الجمهوري المستميتة ، المتمثلة بمرشحه ترامب، للفوز بدورة ثانية.
عربيا، تشكل سياسة ادارة ترامب من فلسطين والعراق وإيران والسعودية، أحد أسباب الاهتمام الحكومي والشعبي بمتابعة صحة الرئيس. حكوميا، لأن معظم الحكومات العربية بحاجة الى الحماية الأمريكية بأي شكل من الاشكال. وتخلخل الوضع داخل أمريكا سيؤدي الى انعكاسات غير مرغوب بها. أما سبب الاهتمام الشعبي، وهو أقل من الحكومي، فيغلب عليه عدم التصديق واعتبار مرض ترامب جزءا من عرض مهيأ لالهاء الناس عن جرائم أمريكا وسياستها، خاصة في فلسطين. هناك ، ايضا، جانب السخرية المريرة، والشماتة، وتبادل النكات عن الرئيس الذي أوصل الفضائح الجنسية والسياسية وتزوير الانتخابات مستوى فاز فيه على الرئيس الديمقراطي السابق بيل كلينتون ، المشهوربعلاقته الجنسية مع المتدربة في البيت الابيض مونيكا لوينسكي. وقد صرح، أخيرا ، في فيلم وثائقي جديد، يتناول حياة زوجته هيلاري المرشحة الرئاسية لعام 2016 ، قائلا إنّ علاقته بمونيكا كانت وسيلة للتغلب على مخاوفه وقلقه. وسجل ترامب فوزا ساحقا على الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون، صاحب فضيحة « ووترغيت» الذي استقال بعد ان حوكم وسحبت الثقة منه، بتهم عرقلة عمل العدالة، وسوء استخدام السلطة، وازدراء الكونغرس.
هذه الممارسات « الرئاسية» منحت ترامب الاحساس بنوع من الحصانة المعجونة بعنجهيته الشخصية كرجل أعمال يعمل بقوة من اجل الرجل الابيض. وكونه قد حقق كل الوعود، تقريبا، التي أطلقها اثناء حملته الانتخابية مهما كانت قسوتها وتحريضها على العنصرية والعنف. فقد نجح في رفع المستوى الاقتصادي، ومنع دخول المزيد من المهاجرين الى امريكا، والعمل على سحب القوات العسكرية من البلدان المتواجدة فيها، كافغانستان والعراق، واجراء المباحثات مع طالبان. وجعل وجود القوات، لحماية الحكام المحليين، مشروطا بدفع تكاليفها، كما فرض على السعودية. فالحماية العسكرية الامريكية ضرورة اساسية لحكام يخشون شعوبهم. وكان لنجاحه في تحقيق الوعد للكيان الصهيوني بجعل القدس عاصمة للمحتل، والجمع بين المحتل الصهيوني العنصري والمستخذين من ممثلي دول عربية، تأثير غطى على جرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، وضحايا القصف، بحجة محاربة الارهاب، في العراق وسوريا واليمن.
« الأيام القليلة المقبلة ستكون الاختبار الحقيقي» غرّد ترامب بعدما دخل المستشفى. وهي تغريدة نادرة في صدقها. فما الذي ستحمله نتيجة الاختبار الحقيقي الايام المقبلة لأمريكا وبقية العالم ؟ لا شيء مغاير تماما. فالسياسة الخارجية ، مهما كان الحزب الحاكم ، جمهوريا أو ديمقراطيا، تكاد تكون واحدة مع بعض التغييرات الطفيفة الناتجة عن شخصية الرئيس . وهو ما تلخصه عضوة الكونغرس الشابة الاشتراكية الديمقراطية ألكساندريا أوكاسيو- كورتيز ، بقولها: « بامكانه البقاء ، بامكانه الذهاب. يمكن عزله، أو التصويت لصالحه في عام 2020 ، لكن إزالة ترامب لن تؤدي إلى إزالة البنية التحتية لحزب أحتضنه؛ والأموال السوداء التي مّولته ، والتطرف عبر الإنترنت الذي طّبل له جيشه ، ولا العنصرية التي قام بتضخيمها وإعادة إحيائها» . لتجيب عند سؤالها عن احتمالات تغيير الواقع الحالي الذي تتحكم فيه الرأسمالية « «الرأسمالية لم تكن موجودة دائمًا في العالم ولن توجد دائمًا في العالم.»
كاتبة من العراق