عبد الحسين شعبان لموقع مونيتور :
حين يغيب المشروع العربي تتصدر المنطقة
ثلاث مشاريع هي: الصهيوني والإيراني والتركي
س1 – بالنظر إلى اللقاءات والقمم المتكرّرة بين قيادات ومسئولي الأردن ومصر والعراق.. هل يمكن أن نقول إن تحالفا صاعداً بين الأردن ومصر والعراق في الشرق الأوسط؟
ج1- من السابق لأوانه القول أن ثمة تحالف جديد ينشأ حالياً أو حتى في طريقه إلى التأسيس بين مصر والأردن والعراق، والأمر لا يتعدّى لقاءات بين مسؤولين من البلدان الثلاثة، حتى وإن كانت على مستوى القمة كما جرى في عمّان ؛ ولعلّ الشيء الجديد في هذه الاجتماعات هو إعلان رغبة في التعاون مصحوبة بحسن نوايا، وقد يحتاج الأمر إلى خطط وبرامج واتفاقيات، فضلاً عن الجوانب العملانية والفنية مع فحص دقيق لإمكانات التطبيق ووضع ما هو رغبة على أرض الواقع.
وأستطيع القول إن أي تقارب هو أمر إيجابي، ولكنه سيبقى دون مستوى الطموح في تحالف استراتيجي بعيد المدى، وهذا الأخير يحتاج إلى بناء جسور الثقة ووضع أسس وقواعد مشتركة تتفق عليها البلدان الثلاث، إضافة إلى تراكم قد يأخذ وقتاً غير قصير، إذا أريد له الرسوخ والاستمرارية، وبالطبع فإن فائدته ستنعكس على شعوب البلدان الثلاث، خصوصاً وعلى العمل العربي المشترك عموماً، ولعلّ ما يحتاجه العرب هو تفعيل اتفاقيات العمل العربي المشترك وجعلها أكثر راهنية استجابة للتطورات الحاصلة في المنطقة والعالم.
س2 – هل نشهد نسخة جديدة من مجلس التعاون الذي تم تشكيله عام 1989 بين مصر والعراق والأردن واليمن بمبادرة من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين؟ إلى أي مدى يمكن أن ينجح هذا الحلف بالنظر إلى التكامل الاقتصادي بين البلدان الثلاث، سواء تصدير النفط من العراق عبر الأردن أم الكهرباء من مصر إلى البلدين الإثنين أو مشاركة شركات إعمار مصرية في العراق؟
ج2- إن ظروف تأسيس “مجلس التعاون العربي” العام 1989 تختلف عن الظروف الحالية، فقد أقيم عقب انتهاء الحرب العراقية- الإيرانية (1980-1988) وفي ظل شعور عربي عام بأن إيران لم تستطع تحقيق مشروعها الحربي والسياسي، وأن ثمة توازن جديد بينها وبين العرب أقيم في المنطقة، كما أن مجلس التعاون العربي، أنشئ والانتفاضة الفلسطينية الأولى في ذروتها، وكانت قد بدأت في أواخر العام 1987، وأن النظام الرسمي العربي لم يتصدّع، بل ويتشظى مثلما حصل إثر غزو الكويت في 2 آب (أغسطس) العام 1990، وما أعقبه من حرب قوات التحالف ضد العراق في 17 يناير (كانون الثاني) 1991 ومن ثم فرض حصار دولي جائر عليه استمر لغاية احتلاله في العام 2003.
دون تشاؤم محبط أو تفاؤل مفرط، فإن النسخة الجديدة من التعاون الثلاثي تأتي والعالم العربي يعاني من انقسامات حادة دينية وطائفية ومذهبية وإثنية، فضلاً عن نزاعات مسلحة وحروب أهلية وصراعات إقليمية ودولية على أرضه، كما هو الحال في اليمن وسوريا وليبيا، وما يزال العراق يئن بسبب ما قام به تنظيم داعش الإرهابي بعد احتلاله للموصل ونحو ثلث الأراضي العراقية، ناهيك عن تخبّط سياساته بعد الاحتلال الأمريكي العام 2003 ولحد الآن، ولبنان هو الآخر ينزف دون توقف وأزمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية تنفجر على نحو ليس له مثيل.
قد تبدو رغبة أو أمنية خيّرة حين يتم في هذه الأجواء الحديث عن إعمار وتكامل اقتصادي وتبادل تجاري وإقامة حلف، لأن ذلك يحتاج إلى مقدمات وأسس وبيئة صالحة وأوضاع سلمية ومدنية لتحقيق التنمية المنشودة؛ إذ لا تنمية حقيقية في ظل انتشار السلاح خارج نطاق الدولة وفي ظل تصاعد دور الميليشيات، ناهيك عن تفشي الفساد المالي والإداري واستمرار نظام المحاصصة الطائفي- الإثني الذي يقوم على الزبائنية السياسية والحصول على المغانم، وهذا في العراق، أما الأردن ومصر فهما يعانيان من أزمة اقتصادية حادة بزيادة منسوب الفقر وارتفاع حجم البطالة، فضلاً عما تركته جائحة كورونا على البلدان الثلاث من تأثيرات سلبية على جميع الصعد.
س 3- الدول الثلاث تتحدث عن رؤية مشتركة واحدة في مواجهة الأطماع التركية والإيرانية.. ما تقييمك لهذه الرؤية وفق التصريحات الرسمية؟ وهل الحلف قادر على مواجهة ذلك؟
ج3- لكي تتحول الرغبات والأماني والتطلعات إلى واقع، فإنها لا بدّ من أن تتحول إلى خطط ومشاريع واقعية، في ظل حد أدنى من التوافق العربي، وللأسف أقول أن هناك ثلاث مشاريع نشطة في المنطقة في حين يغيب المشروع العربي وإن بحدّه الأدنى .
المشروع الأول – الصهيوني التوسعي الاستيطاني الإجلائي.
المشروع الثاني – الإيراني الآيديولوجي ” الفارسي”.
المشروع الثالث- التركي الآيديولوجي ” العثماني”.
والمشروعان الأخيران حتى وإن تغلّفا ببرقع مذهبي أو ديني، فإنهما مشروعان قوميان للهيمنة وفرض الاستتباع، أما المشروع الصهيوني ، فإنه يريد التمدد على حساب العرب، ومنذ العام 1982 كشف إيغال آلون عن أهداف ” إسرائيل” بعد عدوان الخامس من يونيو (حزيران) العام 1967 بدعوته إلى تقسيم العالم العربي والتوسع على حسابه بقوله: واجبنا استيطان “إسرائيل” الكبرى، ولعل مصادقة الكنيست على مشروع “الدولة اليهودية” النقية سيؤدي إلى حرمان أكثر من 20% من عرب فلسطين الذي يعيشون في حدود الـ 48 من أبسط حقوقهم، ناهيك عن التوسع بضم القدس والجولان خلافاً لقرارات الأمم المتحدة، ومحاولتها لضم غور الأردن وشمال البحر الميت، كجزء من صفقة القرن.
مقابل ذلك هناك فراغ حقيقي لمشروع عربي يواجه المشاريع الثلاثة، علماً بأنه لدى العالم العربي كل ما يؤهله ليكون قوة إقليمية كبرى مؤثرة في التوازنات الدولية، من إمكانات بشرية وطاقة حيوية وموارد طبيعية وأنهار ومساحة جغرافية، ناهيك عن أهداف مشتركة قامت على أساس تاريخ ولغة وأديان وأمزجة مشتركة، يمكن توظيفها في بلورة مشروع موحد أساسه التنمية والنهضة والحداثة.
س4 – البعض تساءل عن الصمت الخليجي عن التحالف الجديد.. هل يعبر عن عدم رضا خليجي (في مقدمتهم الإمارات والسعودية) عن الحلف الصاعد؟ وهل يعبّر أيضا عن عدم رضا للدول الثلاث عن الطموح القيادي الذي تظهره الدول الخليجية في المنطقة؟
ج4- لا أعتقد ذلك، وعلى افتراض جرى تحالف بين البلدان الثلاث، فلا أتصوّر أنه سيتحول إلى محور يقابل مجلس التعاون الخليجي مثلاً، فلمصر علاقات وثيقة مع دول الخليج، ولاسيّما مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك للأردن علاقات جيدة مع دول الخليج عموماً ومع الرياض وأبو ظبي، والعراق يحاول تحسين علاقاته مع دول الخليج ويدعوها لتفهّم وضعه الخاص، فهو ساحة صراع إيراني- أمريكي،
أعتقد شخصياً أن أي تحالف عربي محدود أو واسع سيسعى لتعزيز علاقته مع مجلس التعاون الخليجي ، وخصوصاً مع المملكة العربية السعودية لدورها المحوري على المستوى الإقليمي، فضلاً عن دورها في مجموعة الدولة العشرين G-20، وهي تضم الدول الكبرى وذات الإمكانات الاقتصادية الضخمة في العالم، حيث ستعقد هذه المجموعة اجتماعها لأول مرة في العالم العربي، الشهر القادم (نوفمبر) في المملكة العربية السعودية.
لقد أثبتت سياسة المحاور فشلها واستنزافها للدول المنخرطة فيها، وما يحتاجه العالم العربي هو ردم الهوّة وتعزيز اللحمة وتقوية الجوامع وتقليص الفوارق بينها من خلال جسور يتم مدّها بين اتحاد المغرب العربي مع مجلس التعاون الخليجي، يضاف إليها أي تحالف عربي جديد سيقام أو حتى نواة لتحالف أو تعاون أو تنسيق أو تحت أي مسمّى ينشأ مع دول عربية تريد التقارب فيما بينها، وستكون فائدة ذلك على الجميع.
وأقول بهذا الصدد استناداً إلى التجربة التاريخية وقراءة في المشهد السياسي المستقبلي: إن أي تحالف عربي ينبغي أن تكون نواته الأساسية: مصر والسعودية والعراق وسوريا في ظل أوضاع طبيعية، وذلك على مستوى المشرق الذي سيجد فرصة للتواصل مع المغرب العربي كاتحاد أو دول منفردة، وهذا ما سيعطي للعالم العربي ثقله الحقيقي ومكانته الجيوسياسية وموقعه الحيوي كقوة اقتصادية وبشرية مؤثرة.
نص الحوار الذي أجراه الصحافي المصري محمد مجدي لموقع مونيتور الأمريكي، بخصوص التعاون المصري، الأردني ، العراقي ، على هامش اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث في القاهرة مؤخراً.