سألت حبيبي في قبلة
رباح آل جعفر
كان يهودذا الأسخريوطي تلميذ السيد المسيح عليه السلام وقد اتفق معه الرومان مقابل ثلاثين قطعة من فضة على أن يقوم بتقبيل المسيح لكي يقبضوا عليه تمهيداً لإعدامه وحدث أن فعل، فكانت أشهر قبلة للخيانة في التاريخ!.
والقبلات لعنة أصابتنا وموروث سيئ وطبيعة سخيفة لا معنى لها ولا أعرف من أين جاءت وكيف توارثناها. فما الذي يدعوك أن تعطي شفتيك لكل عابر سبيل يطبع عليها آثامه وسكائره ورائحته الكريهة؟!.
وفي الحديث النبوي الشريف قالَ رجلٌ: يا رسولَ اللَّهِ، الرجل منَّا يَلقى أخاهُ أو صديقه أينحَني لَهُ؟ قالَ: لا، قالَ: فيَلتزمُهُ ويقبّلُه؟ قالَ: لا، قال: فيأخذُ بِيدِهِ ويصافحه؟ قالَ: نعَم.
والعرب يفطرون قبلات، ويتغدون قبلات، ويتعشّون قبلات، ثلاث مرات في اليوم، وأفلامهم تبدأ دائماً بقبلة وتنتهي بجريمة، ودواوين أشعارهم ملأى غزلاً بالقبلات العميقة في الشفاه حتى أن شاعرهم يبالغ في الإسراف من قبلاته، فلا تكفيه منها تسع وتسعون ليلقي بقبلته الأخيرة على عجل، فهل هذا كلام منطقي معقول؟.
ويتفنّن العرب في تقبيل بعضهم الآخر، ويعضّون على الخدود، ويمطّون الشفاه، ويعانقون الأكتاف، وأنت لا حول لك ولا قول إلا أن تبادلهم هذه القبلات بأحسن منها أو تردّ بمثلها في أقل تقدير.. ووزيرة الخارجية الأميركية الآنسة السمراء كونداليزا رايس عادت من جولة في العالم العربي لتقول: لقد أوشكت أن أفقد عذريتي لكثرة ما قبّلني الرجال العرب!.
والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يرحمه الله كانت له قبلات مشهورة في التاريخ أيضاً. قبلته على يد زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين، وقبلته على يد زوجة الرئيس المصري حسني مبارك، وكان يملأ يديه دائماً بالقبلات وينثرها في الهواء على الصحفيين والناس. ومستشاره نبيل شعث قال في مقابلة صحفية إنه أمضى ليلة كاملة يقنع الرئيس عرفات الاستغناء عن تقبيل الرئيس الأميركي بيل كلنتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في قمة واشنطن فوافق!.
والرئيس السوفيتي ليونيد بريجنيف لا يختلف في شيء عن ياسر عرفات، فقد كان يعانق أي رجل يصادفه ويحتضنه ويقبّله بشفاهه الغليظة ثلاث قبلات أسطورية اثنتين على خديه وثالثة يتركها في شفتيه، وبعض هذه القبلات وضعت العلاقات السوفيتية في حرج بالغ، فقد كانت قبلات بريجنيف في شفاه رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت ثاتشر أكثر فتكاً من صواريخه الباليستية!.
والشاعر الرومانسي السوري نزار قباني هاجم الرؤساء والملوك العرب في قصيدة “تونس الخضراء” فقال:
قبلاتهتـم عربيةٌ من ذا رأى
في ما رأى قُبُـلاً لها أنيـابُ
ومن الجميل أن تنحني فتقبّل يدي أمك وأبيك في كل يوم تعبيراً عن الوفاء والاحترام، لكن أن تتلقى كل هذه الكمية من القبلات وبلا هوادة من أصدقائك وزملائك ومن ناس غرباء فهذه يجب أن تتوقف.
والمصافحة أكثر سلامة للصحة من العدوى بالقبلات برغم أن أمير الشعراء أحمد شوقي كان يسأل الحبيب في قبلة.. لكن كيرونا منع على الناس حتى المصافحة، وأما التقبيل فقد أصبح من الذكريات!.