غادة السمان .
أحب توجيه تحية إلى الأطباء الذين يعالجون المرضى بوباء كوفيد 19 وتحية الإكبار تشمل طبعاً الممرضات والممرضين، فهم يعرفون في لبنان وأي مكان آخر أنهم يعرضون حياتهم للخطر (على الرغم من القناع الواقي) حين يدخلون إلى غرف المرضى ويحاولون إنقاذهم بجرعات من الأوكسجين إذا استطاعت رئة المريض (ألتهامها).
نعيش وباء يجتاح العالم يدعوه الرئيس ترامب «بالفيروس الصيني»!! وأياً كانت أسماء الوباء فهو يجتاح العالم، وبعض العاملين في حقل الطب والتمريض أصيبوا به لاختلاطهم اليومي بالمرضى.
أوجه هذه التحية لأنني قرأت عن طبيبين فرنسيين أصيبا بالمرض، لكنهما ما زالا يتابعان القيام بعملهما النبيل. وهذا أمر يستحق الانحناء أمامه احتراماً.
الغطرسة نمط من الأذى
رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون أصيب بالوباء.. ولم يتعامل معه بغطرسة، بل كأي بشري آخر بحاجة إلى علاج.
بونسو نارو رئيس جمهورية البرازيل مرض بالوباء وتعالج كأي مريض آخر، وكان محظوظاً بالشفاء ـ كما رئيسي بوليفيا وهندوراس، فالحاكم ليس من نمط آخر من الناس؛ إنه بشر وليس «سوبرمان»، باستثناء رئيس جمهورية U.S.A السيد ترامب! فقد تعامل مع مرضه كعاهة عليه نفيها إكراماً للانتخابات الأمريكية القادمة التي يطمح عبرها لولاية أخرى.
وكعرب، نتمنى لأي مريض الشفاء بما في ذلك ترامب، لكننا لا نتمنى ولاية أخرى لذلك الذي أهدى القدس لإسرائيل، والجولان بالإضافة إلى مزيد من أراضي فلسطين (للضم) إلى إسرائيل، وهو ضم كالسم لقلوبنا نحن العرب.
وبعيداً عن السياسة، يبدو تعجرف ترامب على الوباء مؤذياً لملايين المرضى الذين ليست لديهم طائرة هيليكوبتر خاصة تنقلهم إلى المستشفى (تحت الكاميرات)، ولا فريق طبي من كبار الأطباء الأمريكيين يعلنون نشرة صحية عن حالته، وعلمنا أن زوجة الرئيس ترامب الشابة ميلانيا مريضة مثله بالوباء، وتم إخفاء أخبارها، ولكننا شاهدنا ترامب يغادر المستشفى بالهليكوبتر الخاصة بالرئيس ثم يقف على شرفة البيت الأبيض معلناً أنه أقوى من المرض (كجزء من حملته الانتخابية؟!) ونراه على شاشة التلفزيون بكامل أناقته وتسريحة شعره والماكياج حول عينيه إخفاء للتجاعيد التي يزيدها المرض عمقاً، واقفاً على شرفة «البيت الأبيض» حيث يقيم رؤساء جمهورية أمريكا، أما زوجته الشابة ميلانيا المريضة مثله بالوباء فيتم إخفاؤها. تذهب معه إلى المستشفى العسكري كما نرى على شاشة التلفزيون، لكنها لا تعود معه في الطائرة!
التشجيع على الاستخفاف بالمرض
نستطيع أن نتفهم حاجة ترامب للاستخفاف بالوباء ليقول ضمناً إنه أقوى منه، آملاً أن ينال المزيد من الأصوات في الانتخابات الأمريكية القريبة للرئيس الجديد للوطن الأقوى U.S.A. ولكن، ألا يؤنبه ضميره على استعمال هذا السلاح الذي قد يقنع الكثير من معجبيه والمصوتين له بالاستخفاف بوباء كورونا؟ ألا يشعر بأنه مسؤول على موتهم لأنهم صدقوه وليست لديهم غرفة ملحقة بالقاعة البيضاوية، حيث مكتب رؤساء جمهورية U.S.A، وليس لديهم أيضاً ذلك الفريق الطبي الملحق بأي قاعة في البيت الأبيض يذهب ترامب إليها ومعهم (الأوكسجين) اللازم لمريض مثله.
سيموت الكثيرون من الذين سيصدقون استخفافه العلني بالمرض ومعاناته منه سراً من أجل الحصول على مزيد من الأصوات في الانتخابات بصفته «السوبرمان ترامب»!
أطالب بعقوبة الإعدام لنفسي!
موضوع آخر!
إذا تم اتهامي بتهمة ظالمة ما، وحكم عليّ بالسجن المؤبد بدل الإعدام، فأفضل الإعدام على السجن المؤبد على الرغم من براءتي.
فالسجن تعذيب طويل المدى أما الإعدام فهو الموت السريع؛ أي النهاية.. ما الذي يذكرني بذلك؟
نقرأ باستمرار عن سجناء لربع قرن أو أكثر تبينت اليوم براءتهم بفضل تقديم العلم وتحليل الحمض النووي من أن ذلك المحكوم بالسجن المؤبد بريء ويتم إطلاق سراحه مع تعويض مادي تقدمه الدولة معتذرة عن غلطتها، ويا لها من غلطة! ما من ملايين الدولارات تعوض سرقة حياة إنسان بريء لربع قرن أو أكثر والزج به في السجن خطأ ثم يأتي العلم العصري ويثبت براءته. ونقرأ في الصحف العديد من الأخبار عن إطلاق سراح سجناء بعد عشرات الأعوام من السجن، إذ تثبت براءتهم الآن بفضل تطور العلم! آخرها قرأته هذا الأسبوع عن أرجنتيني أُعلنت براءته من تهمة القتل بعدما قضى 14 عاماً في السجن! (المصدر: «القدس العربي» 10 ـ 10 ـ 20) لا أعرف عقاباً أقل تعذيباً من سجن بريء لذنب لم يرتكبه!
لا أتحدث هنا عن السجناء السياسيين، فتلك حكاية أخرى تطول وتستحق وقفة أبجدية مستقلة.
أتحدث عن أبرياء اتهموا بجرائم لم يقترفوها وحكم عليهم بالسجن وعاشوا فيه عشرات الأعوام، ثم جاء أحد القضاة قال لهم: آسف، كنتم أبرياء. غادروا السجن مع هذا المبلغ الكبير من الدولارات. أعتذر منكم! أعتذر؟ هل ثمة أي اعتذار عن اغتصاب حياة إنسان وسرقتها لأعوام طويلة؟ وبالذات أعوام شبابه التي لا تعود؟
اغتصاب الأطفال ثم قتلهم!
نقرأ أخباراً عن اختطاف مجرم ما لطفلة/طفل وقتله بعد اغتصابه.
جريمة مروعة ليس ثمة من لا يتمنى الموت لمقترفها، ولكن ماذا لو كان بريئاً من تلك الفعلة الشنعاء؟ وماذا لو استغلت بعض القوى السياسية عقوبة الإعدام للتخلص من أحدهم لأسباب لها صلة بالسياسة؟ وكان بريئاً؟ وهل بوسع أحد أن يقول إن العدالة البشرية «ترادف» العدالة الإلهية؟
نقرأ في الصحف: «دعوة الرئيس التونسي إلى تطبيق عقوبة الإعدام تثير جدلاً سياسياً في تونس»، ونقرأ أن «إلغاء عقوبة الإعدام بين الجدل القانوني والمطلبية الحقوقية ـ العقوبة لا تتماشى مع الحق في الحياة»، ومن الممكن قراءة حلول أخرى مثل «الإبقاء على العقوبة في النصوص القانونية مع عدم تطبيقها».
في فرنسا طالب 55 في المئة من الناس الذين تم استطلاعهم للعودة إلى عقوبة الإعدام، وذلك في استفتاء لمعهد «ابسوس» لاستفتاء الرأي. أما التجمع الوطني اليميني بقيادة مارين جان ماري لوبان، فقد بلغت نسبة تأييد العودة إلى إمكانية عقوبة الإعدام لدى حزبها 85 في المئة، كما ان أنصار حزب الجمهوريين المحافظ أيد 71 في المئة منهم ذلك. وكان قد تم إلغاء عقوبة الإعدام في فرنسا عام 1981 وجرى آخر ذلك عام 1977.
من طرفي، أعتقد أنه من العدالة أن يختار المحكوم بالإعدام هل سيفضل ذلك على السجن المؤبد؟ (وهو ما سأفعله حتى إذا كنت بريئة، وستثبت براءتي ذات يوم) أفضل الموت.. فالسجن موت يومي وهو موت مضاعف للبريء! ولا أحد يستطيع الاطمئنان إلى إعلان براءته ذات يوم.
وأنت أيها القارئ العزيز، ماذا تختار؟