نظام المحاصصة والعبث في منظومة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق
د.عامر صالح
البحث العلمي ضرورة ملحة لنظام الحكم ومؤسساته ووزاراته وكل أجهزة المجتمع ومؤسساته ومنظماته, حيث لا يمكن التخطيط واستقراء المستقبل بدون بحث علمي, ولا يمكن أيضا بدونه القيام بعمليات التنفيذ والمتابعة والتطوير وحل المشكلات الطارئة؛ والبحث العلمي أيضا شرطا أساسيا على المستوى الفردي, حيث يحتاج الفرد من اجل حياة موفقة أن يفكر في كل خطواته وتحركاته من إقدام وإحجام, وان يجمع لها البيانات اللازمة ويحسب الخسارة والربح المترتب على ذلك وتأثيره المستقبلي؛ كما أن البحث العلمي بمعناه الواسع يمتد ليشمل جمع المعلومات وتوظيفها في جميع أنشطة الحياة العلمية والعملية, ويمتد ليشمل الأفراد والجماعات والمجتمع, فإذا ما ارتبطت بخطوات محكمة منظمة ومتسلسلة لجمع المعلومات وتحليلها والتأكد من صحتها بغرض الإجابة على سؤال معين أو تفسير علاقة ما أو حل مشكلة ما, كان ذلك يعرف بالبحث العلمي, أنه سلوك المجتمعات المتمدنة والمتحضرة ووسيلتها لحل مشاكلها والتغلب على أزماتها. وعدا ذلك يصبح كل شيء عشوائي, مما يزيد من فرص الفشل والإحباط والتخبط في إيجاد حلول للازمات. أن غياب البحث العلمي في بلادنا هو مصدر أساسي في التخلف والفوضى التي تضرب كل مرافق الحياة, مما يسبب في ضياع الوقت وإهدار المال وشيوع الفساد بمختلف مظاهره, ويشكل فرصا مواتية لشيوع الخرافة بكل ألوانها, السياسة والدينية وانتشار الجهل والغباء في تفسير ما يجري على ارض الواقع وفقا للمنطق المعكوس في وضع العربة أمام الحصان.
يعاني التعليم العالي في العراق من اختلالات هيكلية مرتبطة بفشل الدولة التي سقطت في أتون أزمة عميقة تحولت فيه الدولة ومواردها الى غنيمة بيد احزاب السلطة. وأدّت هذه الأزمة الوجودية إلى اختلال شامل في الرؤى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لدى المؤسسات التي تصنع القرارات وترسم السياسات. وباتت هذه المؤسسات عاجزة عن إشباع الحاجات الأساسية والإيفاء بالحقوق الإنسانية للأفراد، ما أدّى إلى الإخفاق في تحقيق الاستقرار السياسي ووضع البلاد على طرق التنمية المستدامة والمتكاملة للمجتمع.
ومعالجة أزمة التعليم العالي في العراق تكون عبر معالجة الأزمة بقمة هرم السلطة في النظام الاجتماعي، أي أزمة التوجّه العام للدولة؛ فلا نهوض للتعليم نحو الجودة والجدوى، أو للبحث العلمي نحو الجدّة والجدّية، ولا للمجتمع نحو التجدد الحضاري في دولة تعاني من التفكك في رؤيتها السياسية، والضبابية في نظرتها إلى نفسها ومجتمعها، والفوضوية في إداراتها والعشوائية في سياساتها.
وفي وقت يتجه فيه العالم إلى تعزيز استقلالية الجامعات لما في ذلك من تدعيم مناخات صناعة المعرفة، ولتحريرها من الأطر البيروقراطية باتجاه المزيد من الحريات الجامعية المؤطرة بقيم الرصانة العلمية والانضباط الأكاديمي، فإن ما تفعله النخبة السياسية هو تصدير أزمتها الحزبية والسلطوية إلى الجامعات العراقية.
واستكمالا للهجمة الشرسة على منظومة التعليم العالي والبحث العلمي فقد أثار قانون معادلة الشهادات العلمية الجديد الذي شرَّعه مجلس النواب العراقي سخطاً غير مسبوق من المؤسسات العلمية والتعليمية، وأغضب الجهة المختصة المتمثلة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، التي تعتمد معايير عالمية رصينة، درجت عليها منذ عقود، جعلت الشهادات العراقية في غاية الاحترام؛ كونها تستوفي معايير دولية باتت سياقات تعتمد عليها أرقى الجامعات في العالم.
وألزمت الهيئة الخاصة بمعادلة الشهادات، بضوابط صارمة وفق التعليمات المعتمدة لمعادلة الشهادات والدرجات العلمية العربية والأجنبية رقم 5 لسنة 1976، التي وُضعت على الرَّف، وخالفها التشريع الجديد المليء بالعيوب والمخالفات لأحكام الدستور، كما أكد عدد كبير من المشرعين. أن قانون معادلة الشهادات جاء كمقترح من لجنة التعليم العالي البرلمانية وليس مشروع قانون من مجلس الوزراء، لذا فهو مخالف لفتوى المحكمة الاتحادية، فضلا عن أنه يعد نكسة حقيقية بحق التعليم العالي في العراق، وينبغي من الجميع الوقوف ضده، إذ إنه سيمنح اللقب العلمي بالاعتماد على معيار (الموهبة أو الجهود المتميزة بالعمل)، وهذا خارج عن معايير الجودة.
ويقوم القانون بنقل معظم صلاحيات وزارة التعليم العالي وتحجيمها وتوزيعها على جهات عدة غير أكاديمية، ومنها الأمانة العامة لمجلس النواب التي منحت صلاحية معادلة الشهادات التي تصدر من معهد التطوير البرلماني، كما تقوم وزارة التربية بمعادلة شهادات المرحلة الثانوية والدراسات التي تسبقها والشهادات الصادرة من كلية التربية المفتوحة، ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية بمعادلة الشهادات العسكرية والمسلكية، كما تقوم الجامعات المتنوعة ومجلس الخدمة الاتحادي بمعادلة وتقييم الشهادات التدريبية والفنية، فلم تعد وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تملك الرأي الأول والأخير في معادلة الشهادات، كما درجت عليه الأعراف العربية، وبات القرار مرتبطاً بالجهات المذكورة، إضافة إلى خروقات علمية أصابت هذا القانون نتيجة قلة الخبرة وضعف الإرادة وتأثير مجلس النواب وابتزازات كثيرة تكتنف عملية المعادلة والتقييم، كما أكد عديد من الأساتذة، فيمكن اعتماد ومعادلة شهادة الدكتوراه من خارج العراق من دون تقديم أطروحة الدكتوراه والاكتفاء بالأمور الإجرائية فقط، وعدم مطالبة وزارة التعليم بتدقيق أطروحة الدكتوراه كما هو متبع حالياً، وهذه سابقة لا يمكن أن تحصر نتائجها أو قبولها، كما شجع القانون الجديد على معادلة شهادات الوزراء والبرلمانيين وأصحاب الدرجات الخاصة الحاصلين عليها أثناء فترة تكليفهم استثناءً من القواعد الجامعية والتعليمات الخاصة بالدراسات العليا التي ألزمت الدارسين جميعاً بالتفرغ التام أثناء فترة الدراسة، لكن الأكثر إغاظة للتعليم العالي وكادره الأكاديمي اعتماد القانون الجديد على الاعتراف بالشهادات عن طريق المراسلة، الأمر الذي ترفضه وزارة التعليم العالي ووزراء التعليم العرب بالإجماع.
وقالت الوزارة في بيان لها، إنه “استنادا إلى السلطة العلمية المخولة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومؤسساتها الجامعية بموجب القوانين النافذة، وحفاظا على اشتراطات الشهادة الأكاديمية ومتطلبات معادلتها التي تضمن سلامة الآثار المترتبة عليها في المجتمع العراقي وانطلاقا من خصوصية مؤسسات التعليم العالي ومسؤوليتها الحصرية في تقدير المصلحة بعيدا عن الحسابات الخاصة، تؤكد هيئة الرأي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي رفضها قانون أسس تعادل الشهادات”.
ودعت، رئيس الجمهورية إلى “التدخل وعدم المصادقة على القانون، وتدارك مخاطره، وإنقاذ الموقف الذي سيجعل القرار العلمي بتقييم الشهادات معطلا، وتأمين مبدأ تكافؤ الفرص وحماية المبادئ الدستورية الضامنة لمساواة الجميع أمام القانون”
استنكرت شبكة العلماء العراقيين في الخارج، الاحد، قانون معادلة الشهادات الذي صوت عليه البرلمان، مبينة ان القانون يقضي بالاعتراف بالشهادات العليا بطرق بعيدة عن العلمية، ويمنح الألقاب العلمية من قبل مؤسسات لا علاقة لها بالجامعات، كما يسمح بمنح الشهادات الجامعية للبرلمانيين والوزراء دون الحاجة الى تفرغ.
وقالت الشبكة في بيان لها اليوم (1 تشرين الثاني 2020) انه “أطلعت شبكة العلماء العراقيين في الخارج (نيسا) وباهتمام بالغ على قانون أسس تعادل الشهادات الذي صوت عليه مجلس النواب العراقي بتاريخ 28 تشرين الأول 2020. كما اطلعت كذلك على بيانات ورسائل الرفض التي أصدرتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ونقابة الأكاديميين العراقيين ونخبة كبيرة من الأكاديميين العراقيين.
وبعد الوقوف عن كثب لمعرفة ابعاد هذا القانون ونتائجه السلبية التي لن تعود بخير على التعليم العالي ولن تصب في مصلحة البلد وتقدمه، وانما ستساهم في تدهور الرصانة العلمية، وبدلا من ان يسعى مجلس النواب العراقي الى التعاون مع وزارة التعليم العالي والجامعات والأكاديميين العراقيين لوضع أسس وضوابط عصرية لمعادلة الشهادات العربية والأجنبية والمعايير العلمية المستخدمة في معادلة هذه الشهادات كما هي معتمدة في الدول المتطورة، نجده ينفرد في اصدار قانون يفتعل الازمات ويقضي بالاعتراف بالشهادات العليا بطرق بعيدة عن العلمية المتعارف عليها عالميا وبمنح الألقاب العلمية الجامعية الخاصة بالتدريسيين في الجامعات لعموم الموظفين من قبل مؤسسات لا علاقة لها بالجامعات، ويسمح بمنح الشهادات الجامعية للبرلمانيين والوزراء واصحاب الدرجات الخاصة بدون الحاجة الى تفرغ، وإلغاء متطلب وجود أطروحة او بحث في شهادة الدكتوراه لأجل معادلتها، بالإضافة الى استثناء فئات كثيرة من اسس تقييم وتعادل الشهادات، ومنح صلاحية تقييم ومعادلة الشهادات الى جهات لا علاقة لها بالتعليم العالي والجامعات.
“كما دعت الجمعية الطبية العراقية الموحدة في المملكة المتحدة وايرلندا الى المشاركة الفاعلة في حملة لإلغاء قانون معادلة الشهادات الاكاديمية الصادرة خارج العراق والذي أقرّه مجلس النواب العراقي في 28 أكتوبر 2020. وجاء في دعوتها الموجهة الى الرئاسات العراقية الثلاث:
نحن الموقعون ادناه من نقابات وجمعيات مهنية واساتذة واكاديميين وحاملي شهادات علياومن جميع الاختصاصات نعبّر عن رفضنا واستنكارنا الشديدين لاقرار مجلس النواب العراقي قانون معادلة الشهادات سيء الصيت. أن هذا القرار يأتي استمرارا للتدمير الممنهج للتعليم العالي والبحث العلمي في العراق .
وإستكمالاً لمسلسل زعزعة وتهديم الأسس العلمية الرصينة والأطر الأكاديمية المعروفة عالمياًوفي بادرة غير مسبوقة في العالم ومنها دول الجوار. هذا المسلسل الذي ابتدأه السياسيون والمتصدون للعملية السياسية منذ ٢٠٠٣ ولحد الان. ويأتي هذا القانون بعد قرارات اغراق الساحة العلمية العراقية بالكليات والجامعات الأهلية وبعد فضيحة الشهادات المزورة وآحرها المعدلات الفلكية في امتحانات الدراسة الأعدادية.
ان هذا المسلسل المنهجي والمتواصل يهدف بشكل واضح وجلّي الى تدمير آخر مرتكز للتطور العلمي المستقبلي وسيقضي على أيّ بادرةأمل في ان ينهض العراق واجياله المستقبلية لبناء وطن حديث و متطور.
ان هذا القانون السيء والخبيث في نفس الوقت يهدف الى سحب البساط من الاكاديميين العراقيين وتجريدهم من ابسط أدواتهم للحفاظ علىالرصانة العلمية والاكاديمية المتوقعة من الشهادات العليا التي تصدر من خارج العراق، علاوة على الإضرار الكبير بسمعة الاكاديميالعراقي في المحافل الدولية”.
أن أسباب تخلف البحث العلمي وتدهوره هو جزء من تخلف الحياة العامة الذي يعكسها تخلف البنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والذي ينعكس بدوره على تخلف المنظومة التربوية والتعليمية والتي يرتبط بها العلم والبحث العلمي والقناعة به كمنهج للحياة وحل المشكلات. وتتضح ابرز أسباب ملامح ضعف البحث العلمي وكفاءته فيما يأتي:
ـ حالة الفقر العامة في البلاد, فالفقر بطبيعته التي تجبر الإنسان على التفكير بلقمة العيش فقط, فهي تحصره في ضيق الأفق والتقليل من مساحات الإبداع والحد من استثمار القدرات العقلية.
ـ هيمنة الفكر السياسي والديني المتعصب في الحياة العامة والذي يرفض جميع أشكال التطور والتقدم العلمي والتكنولوجي والمعلوماتي, ويتشبث في الماضي لإيجاد الحلول لمشكلات الحاضر, ويرفض ممارسة النقد والنقد الذاتي لفكره وممارساته, فيعتبر ما عنده صالح لكل الأزمان والأمكنة, وبالتالي يشل قدرة العقل على التواصل مع معطيات الحضارة العالمية.
ـ الاستبداد السياسي المتمثل بفقدان حرية الرأي وغياب الديمقراطية في كل مفاصل الحياة, ابتداء من السلوكيات الفردية والمؤسساتية صعودا إلى قمة النظام السياسي, التي تحاصر الحريات الفردية اللازمة لتطوير شخصية الفرد وعطائه, وتحول الكيان الاجتماعي إلى كتلة هامدة عديمة التمايز والفاعلية, تجيشها متى ما تشاء وتخرسها عند الحاجة وتساوي أفرادها هلاكا, حيث أن التمايز الفعال بين الأفراد في القابليات والقدرات هو احد حقائق الوجود الإنساني وصيرورته.
ـ ويرتبط بالعوامل المذكورة أعلاه غياب ثقافة أهمية البحث العلمي والاكتشافات العلمية والرغبة في الإبداع والاختراع في الوعي والتفاعل الاجتماعيين, وبالتالي يغيب التفكير والتشجيع والدعم عن المسار البحثي والعلمي وعن العلماء والباحثين والمكتشفين في المجتمع, وترتبط جذور ذلك أصلا في غياب القيمة البحثية في مناهج التعليم بمراحله المختلفة والقائمة أصلا على الحفظ والتلقين والاستذكار التقليدي, وهذا النظام التعليمي التلقيني لا يحتاج إلى كفاءات عالية ولا إلى مستلزمات تقيم متطور لقياس مهارات الطلاب في الفهم والتفكير وحل المشكلات, إلى جانب كونه نظام يدفع إلى الكسل والاتكالية والخمول العقلي, ولا يستثير في الطالب فكرا أو تساؤلا بل يقتل فيه ملكة التفكير, وتنتفي في هكذا نظم تعليمية القدرة على صناعة الباحثين في الخطط التعليمية عبر التراكم المعرفي في مراحل التعليم المختلفة.
ـ ضئالة الموارد المالية المخصصة للبحث العلمي وللباحثين في الجامعات العراقية بصورة عامة بسبب من غياب إستراتيجية واضحة في هذا المجال وتخلف النظرة إلى الإنفاق باعتباره إهدارا واستهلاكا للأموال غير مجدي, وليست استثمارا طويل الأمد يأتي أضعاف ما ينفق عليه, الى جانب ما حملته كورونا وأزمة النفط العالمية من شحة في المال والانفاق.
ـ الفساد الإداري والمالي وضعف معايير الكفاءة والأهلية المهنية والعلمية في انتفاء الكادر القيادي لمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي, واللجوء إلى معايير الحزبية والمذهبية والطائفية والموالاة في انتقاء الكوادر الإدارية, وغالبا ما تكون هذه القيادات بعيدة كل البعد عن مفهوم الاستقلالية والنزاهة, بل هي أطراف أساسية في صراعات مصلحيه ضيقة مع غيرها, بل هي أطراف في الفساد بمختلف مظاهره, مما يحرم هذه المؤسسات من الاستقرار والنزاهة والحيادية التي هي شروط لازمة للارتقاء بالعلم والبحث العلمي. ويرتبط بذلك ويرافقه سياسات أبعاد الكوادر العلمية عن مواقعها العلمية والبحثية من خلال التهجير ألقسري والإحالة على التقاعد وانتهاء بالتصفيات الجسدية ومسلسل الاغتيالات للكوادر في مختلف التخصصات العلمية.
ـ الآثار الضارة للمركزية الإدارية الشديدة في التعليم وغياب إستراتيجية إدارية ـ علمية معاصرة, حيث ساهمت الإدارة المتخلفة وعلى مر عقود في غياب تصور علمي دقيق وشامل للعمل البحثي, انتفت فيه عمليات التناسق والتناغم والتخطيط لمكونات العملية البحثية ومقوماتها الأساسية ( الباحثين, التمويل, التطورات العلمية والتقنية, الأولويات البحثية بما يخدم احتياجات المجتمع وتطوره, المعامل والأجهزة والمعدات العلمية وغيرها ), وبين المراكز البحثية المختلفة, وبين البحث واحتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمختلف البحوث.
ـ أن غياب إستراتيجية شاملة للبحث العلمي في العراق تتضح آثاره جليا في ما يسمى بالفوضى البحثية, والتي تتضح أبرز معالمها في العمل البحثي الفردي لأغراض فردية وذاتية بحتة, سواء لأغراض الترقية العلمية فقط أو للحصول على المال في أمكنة النشر, وعدم وجود فرق بحثية تتكامل بين أفرادها, وهو سمة مهمة من سمات تطور وارتقاء البحوث في عالمنا المعاصر, وعدم التنسيق بين المراكز البحثية المنتشرة في البلد الواحد, وانفصال البحوث عن المشكلات الاجتماعية واحتياجات المجتمع, مما أدى بدوره إلى تكرار واجترار البحوث السابقة, فهي لا تخدم في معظمها قطاعات صناعية أو زراعية ولا تواكب حاجات المجتمع في ميادينه الناشئة الحديثة كتقنية المعلومات والتكنولوجيا المتطورة, وكان ذلك سببا في إنتاج كم هائل من المجلات والدوريات ذات الموضوعات المتكررة في البلد الواحد بل وفي القسم و الكلية والجامعة الواحدة في البلد المعني, واغلب هذه الدوريات غير معروف عالميا ولا يضيف قيمة علمية للبحوث العالمية .
ـ عدم وضوح فكرة أن الجامعات هي جزء من آليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي يجب أن تكون بحوثها على تماس مع مشكلات المجتمع بمختلف قطاعاته, وبسبب غياب الرؤى في هذا المجال نرى أن اغلب بحوث الماجستير والدكتوراه تستهدف تهيئة وتدريب الكادر على طرائق ومنهجية البحث العلمي, وهي بهذا بعيدة كل البعد عن المساهمة في البحث عن الحلول للمشكلات الاجتماعية المختلفة, وبسبب من ذلك تأتي اغلب الأبحاث سواء الأساسية منها أو التطبيقية تكرارا لسابقتها, إن لم يكن تكرارا مملا فهو تكرارا بحلية شكلية ترضي المشرف عليها, وقد تبدو لصاحبها أصيلة وهي بعيدة كل البعد عن الأصالة.
ـ لا يشكل البحث العلمي إلا قدرا هامشيا أو ضئيلا من عمل الأستاذ الجامعي فهو مغرق بالساعات التدريسية مما يشغل جل وقته في التهيئة للمحاضرات النظرية أو أعمال المختبر التقليدية, كما أن الكثير منهم تضعف علاقاته بالبحث العلمي بعد حصولهم على الدكتوراه أو بعد نيل درجة الأستاذية أو الأستاذ مساعد أو أستاذ مشارك, وينصب اهتمامهم في الإشراف على الأبحاث فقط أو أعمال روتينية إدارية كإدارة قسم أو كلية أو جامعة, رغم أن دور الأستاذ يجب أن يكون مستمرا في إنتاج أفضل البحوث المفيدة سواء للمجتمع أم للعملية التعليمية في أروقة الجامعات.
ـ ضعف البنية التحتية للأبحاث النظرية والتطبيقية من مختبرات وأجهزة ومكتبات علمية, فالمختبرات وأجهزتها وصيانتها ونقص المواد الأساسية لها بمختلف التخصصات ونقص الكادر الفني ذات الصلة بذلك هو سمة بارزة لأغلب ما تعانيه الجامعات العراقية وتشكو منه, إلى جانب ضعف قاعدة المعلومات الحديثة, سواء من مطبوعات ودوريات علمية عالمية أو غياب المكتبات الرقمية أو الالكترونية وقواعد البيانات البحثية وغبرها من أدوات التعليم الالكتروني للتواصل مع العالم البحثي.
ـ التدهور الأمني المستمر لمؤسسات التعليم العالي وتدخل رجالات الأحزاب والمليشيات الطائفية في شؤون التعليم العالي مما يضع طرفي العملية التعليمية : الطالب ـ الأستاذ والعملية التعليمية برمتها في دوامة عدم الاستقرار والخوف من المستقبل¸مما يترك أثره الواضح في تسرب الطلاب وهجرهم لمقاعد الدراسة وهجرة الكادر التدريسي.
ـ الإجراءات التعسفية في إقالة أو إحالة الكادر التدريسي الجامعي ومن درجات علمية متقدمة ” أستاذ وأستاذ مساعد ” على التقاعد بذرائع ومبررات واهية, منها كبر السن أو بتهمة عدم الكفاءة, وهي إجراءات تنفذ في الخفاء بواجهات سياسية أو انتماءات طائفية, وتحرم هذه المؤسسات من خيرة كادرها المتمرس في التدريس والبحث العلمي.
ـ تدهور البنية التحتية اللازمة لتطوير التعليم العالي من مكتبات علمية ومختبرات وشبكة انترنيت ومصادر المعلومات المختلفة, وقد تعرض الكثير منها إلى الحرق والإتلاف الكامل والى التخريب والسرقات المقصودة لإفراغ الجامعات من محتواها المتمثل بالمراجع والكتب والأبحاث والمقررات الدراسية بمختلف التخصصات, وغلق أقساما للدراسات العليا بكاملها تحت ذريعة عدم توفر الكادر التدريسي اللازم لها.
ـ تدهور المستوى العلمي والتحصيلي للطلاب جراء تدهور الوضع الأمني والانقطاع عن الدراسة, أو النجاح بأي ثمن تحت وطأة تهديد الأستاذ الجامعي من قبل مليشيات الأحزاب السياسية ـ الطائفية وفرض معايير مشوه للتفوق الدراسي لا تعبر عن إمكانيات الطلاب الفعلية, بل تعبر عن أولويات الانتماء السياسي أو المذهبي أو الطائفي, وهي تذكرنا بممارسات التبعيث لفرض النتائج الدراسية وانتقاء الطلبة على أساس الولاء للحزب الحاكم.
ـ تغييب الكليات الإنسانية والتضييق على دورها المهم في الحياة الثقافية العامة عبر الحد وعرقلة أنشطتها المختلفة التي يفترض لها أن تسهم بإشاعة ونشر قيم التسامح والعدل والحق ومكافحة الإرهاب, وقد شهدت هذه الكليات حرق العديد من مكتباتها بالكامل, وعرقلة إصدار دورياتها الثقافية الشهرية أو الفصلية أو السنوية, وانعدام الأجهزة اللازمة لاستمرار عملها كأجهزة الاستنساخ والطباعة وغيرها, إضافة إلى محاصرة العديد من مبدعي وكتاب هذه الكليات ومنعهم من الظهور العلني للحديث عن نشاطاتهم ونتاجاتهم الثقافية والأدبية المختلفة.
ـ استشراء الفساد بمختلف مظاهرة الإدارية والمالية, من محسوبية ومنسوبيه وسرقة الأموال المخصصة لهذا القطاع وتزوير للشهادات والتلاعب بسجلات الدرجات من خلال ممارسة الضغط والابتزاز على إدارات الأقسام الدراسية و عمادة الكليات لمنح ضعاف التحصيل ما لا يستحقوه أو إضعاف المتفوقين دراسيا والعبث بدرجاتهم بدوافع الانتقام والثأر بواجهات مختلفة, سياسية ومذهبية وطائفية وغيرها.
ـ عدم السماح وعرقلة جهود المنظمات الدولية كالأمم المتحدة وأجهزتها المعنية بشؤون التعليم العالي على الإشراف والتأكد من ظروف عمل هذه المؤسسات بما يستجيب لشروط الجودة العالمية لهذه المؤسسات وحماية خريجها من عدم الاعتراف بالشهادة, وكذلك عرقلة جهود اللجنة الدولية للتضامن مع أساتذة الجامعات.
ـ في ظروف العراق الحالية والذي توقفت فيه التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الشاملة, تضعف فيه كنتيجة منطقية قدرة ودور الجامعات والمؤسسات البحثية في المجتمع وبالتالي تضعف روابط التعليم العالي ودوره الأساسي في التخطيط والاستجابة لظروف التنمية البشرية الشاملة وحاجتها الفعلية لمختلف القيادات والكوادر في مختلف التخصصات العلمية والأدبية والمهنية والتقنية وغيرها.
.
ـ غياب إستراتيجية واضحة للبحث العلمي في ضوء احتياجات المجتمع المحلي لها, حيث أن المبادرة الفردية للباحث والأستاذ تلعب دورا كبيرا في تقرير ذلك, ومعظمها يجري لأغراض الترقية العلمية أو لأغراض المتعة العقلية الخالصة للبحث, ويجري ذلك في ظل انعدام صناديق متخصصة لدعم وتمويل البحوث, وضعف القاعدة المعلوماتية, وعدم وجود مراكز أو هيئات للتنسيق بين المؤسسات البحثية, وضعف الحرية الأكاديمية كتلك التي يتمتع بها الباحث في بلدان العالم الديمقراطي, وعدم تفهم أو انعدام دور القطاع الخاص ومشاركته في الأنشطة العلمية حيث لا يزال قطاعا متخلفا يركز على الربحية السريعة والسهلة ولا يعي حقيقة وأهمية البحث العلمي في تطويره.
ولا نستغرب من كل هذا ولتلك الأسباب حصرا عدم تبوء الجامعات العراقية لمكانتها العلمية بين الجامعات العالمية رغم الجهود المبذولة من قبل مختلف الجامعات العراقية, فالطموح لتبوء مكانة لائقة في وسط الجامعات العالمية شيء ويبقى طموح مجرد, وفهم أسباب التخلف العلمي والقدرة على تجاوزه شيء آخر.
أصدار البرلمان العراقي لقانون معادلة الشهادات والدرجات العلمية في 28 اكتوبر 2020 هو استمرار للسياسات والسلوكيات التي تستهدف المكانة العلمية والاكاديمية وفي مقدمتها الأخلال بعناصر وشروط جودة الكادر الى جانب اضعاف مكانة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ذات العلاقة المباشرة في الشأن العلمي وجودته, وفسح المجال بعيدا للأجتهاد من قبل الوزارات المختلفة والجهات الأخرى والبرلمان ايضا للعبث وتسيس العلم واعادة تكريس المحاصصة واقتسام مناطق نفوذ الأحزاب. لا يستغرب المرء من برلمان شرعيته اقل من 20% من الشعب أن يصدر هكذا قوانين خدمة لأعضائه وطموحاتهم المريضة.
روابط المقال:
https://m.ahewar.org/s.asp?aid=695048&r=0&cid=0&u&i=2393&q&fbclid=IwAR1LgX4mlr0YNTpFsrWeJjn_7pl4HfcwwSiHDU0u_jdw0JJPDO2ttQ_KpyQ
https://m.ahewar.org/s.asp?aid=545940&r=100&cid=0&u=&i=2393&q=&fbclid=IwAR04uAdQJAd6IAOIAFpKbzO6dfYCgcStlHo7hh22xPSW44cA5HLsfy29FBk
https://alarab-co-uk.cdn.ampproject.org/c/s/alarab.co.uk/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%83%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%AA%D8%AF%D9%87%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D9%8A%D8%A9?amp&fbclid=IwAR1ciFqmf-x74QiKVKUXxE743XTdIE5FKygvUyHiogFAIERkOCOuSnt_LhQ
https://ultrairaq.ultrasawt.com/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D9%8A%D9%85%D9%83%D9%86-%D8%A7%D9%95%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%A1-%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%8A%D8%B1-%D9%84%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%84-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%AA%D9%85%D8%B1%D9%8A%D8%B1%D9%87-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D8%9F/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A7-%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9?fbclid=IwAR3yEWP5UhEE6uiKs3Ekv67r5gxXH3TGvGl-Sjpol-uq9W7phBtHKVEWizw
https://www.aredaonline.com/295445?fbclid=IwAR1TWCuWPwF8eUrClvDXyt7gyDDeMEPXUYmjxe9Bg3wmrAHRAfYlC7NJdio
قانون معادلة الشهادات الجامعية.. يواجه بالرفض والمطالبة بالعدول عنه
https://hathalyoum.net/amp/2529423-%D9%85%D8%A4%D8%B3%D8%B3%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D9%86%D9%83%D8%B1-%D8%A7%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%AA%D9%88%D8%B6%D8%AD-?fbclid=IwAR1rymifZmvyCpiYQ0zXurwn_Z4Up0_JAzcWUWWO5uTUvY7OE0qCAtLkDHE
https://www.independentarabia.com/node/165296/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%85%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A7%D8%AA/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A-%D9%8A%D8%B5%D8%AF%D8%B1-%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86%D8%A7-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A7-%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9?fbclid=IwAR2RGL2HkR4EOXsgUyCc8hMxXiakeH8TO_GQ6gg_fT_x0AHpm8pzAi31XGg