صادق الطائي .
لم يشهد العالم انتخابات أمريكية مثيرة للجدل مثلما حصل في انتخابات 2020 التي تنافس فيها الرئيس الجمهوري دونالد ترامب مع منافسه المرشح الديمقراطي جو بايدن، إذ تمت الانتخابات في أجواء سيطر عليها القلق والخوف بسبب تفشي وباء كوفيد 19، كما أضافت تصريحات حملات المرشحين الكثير من التوتر بسبب الاتهامات المتبادلة بين الفريقين.
ومثلما كانت سمة الحقبة الرئاسية للرئيس دونالد ترامب مثيرة للكثير من الجدل والاستنكار والتعجب، بسبب تصرفات سيد البيت الأبيض الذي كثيرا ما فاجأ المراقبين بسلوكيات غير معتادة، فإنه أثار الاستغراب والاستهجان بسبب تصرفاته وتصريحاته في الانتخابات الأخيرة، إذ ابتدأ بالتلويح مبكرا بأن هنالك احتمالية حدوث عمليات تزوير في العملية الانتخابية، وهذا تصريح مستغرب ومستهجن، في بلد مثل الولايات المتحدة، كما أعرب الرئيس ترامب عن شكوكه ومخاوفه مما سيحصل في الانتخابات، لذلك هو لا يضمن حدوث تبادل سلس للسلطة في حال خسارته للانتخابات.
فقد قال ترامب يوم 18 آب/أغسطس 2020 في ولاية ويسكونسن إن «الطريقة الوحيدة التي سنخسر بها هذه الانتخابات هي إذا تم تزوير الانتخابات – تذكروا ذلك. إنها الطريقة الوحيدة التي سنخسر بها هذه الانتخابات. لذلك علينا توخي الحذر الشديد». وأضاف «الطريقة الوحيدة التي سيفوزون بها هي بهذه الطريقة، ولا يمكننا أن ندع ذلك يحدث». وفي 24 أيلول /سبتمبر ذكرت وكالة رويترز للأنباء أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فضّل أن يلف الغموض إجابته بخصوص موقفه من نتائج الانتخابات الرئاسية، في حال عدم فوزه، إذ قال في مؤتمر صحافي «يجب أن نرى ما يحصل» وذلك ردا على سؤال ما إذا كان يتعهد بالالتزام بأبسط قواعد الديمقراطية في الولايات المتحدة، وهي النقل السلمي للسلطة في حال خسارته أمام منافسه الديمقراطي. ومن المفارقات التي لفت هذه الانتخابات تأثير أجواء جائحة كوفيد 19على الجو العام في الولايات المتحدة، لكن المفارقة كانت وحسب النتائج التي أظهرتها إحصائيات وكالة أسوشيتد برس الأمريكية، الجمعة 6 تشرين الثاني/نوفمبر، أن المقاطعات والمدن الأمريكية التي شهدت تفشٍيا واسعا وعدد إصابات أكبر لفيروس كورونا، صوتت لترامب بشكل لافت، إذ حظي الرئيس الجمهوري بدعم هائل وحصل على أفضلية في أصوات ناخبي هذه المدن. وكان الرأي الشائع في مدن الضواحي والأرياف التي يحظى الجمهوريون فيها بالنفوذ، أن حملة إدارة ترامب لمواجهة الجائحة كانت جيدة، ويعتقد الناخبون أن الوضع بات تحت السيطرة، على الرغم من أن النتائج المعلنة في الولايات المتحدة مازالت تسجل أعلى معدلات الإصابة في العالم.
نتيجة تخبط حملة ترامب الانتخابية، تحول عدد من الولايات من الولاء للحزب الجمهوري التاريخي إلى الحزب الديمقراطي
مع تفاقم أزمة الرئيس ترامب، بدا كأنه يلجأ لكل الأسلحة حتى الماورائيات كالرقية والتعويذات، إذ انتشر فيديو للسيدة بولا وايت التي تُعرف بأنها (المستشارة الروحية للرئيس ترامب) يوم 5 تشرين الثاني/نوفمبر إذ ظهرت المستشارة الروحية، وهي تقود صلاة من أجل فوز ترامب على ما سمته «التحالفات الشيطانية» التي تحاول سرقة الانتخابات منه، وذلك بعد تقدم منافسه الديمقراطي جو بايدن في أصوات المجمع الانتخابي. وكانت وايت تصرخ وهي تؤدي طقوسها ؛ «أسمع صوت النصر، الرب يقول لي إنه قد حدث، ما أسمعه: النصر، النصر، النصر».
خصوم ترامب من جانبهم لم ي،دخروا وسعا في استعمال كل الأسلحة المتاحة في هذه المعركة الشرسة، فقد استثمروا التصريحات النارية التي أطلقتها ماري الفريد ترامب ابنة اخ الرئيس دونالد ترامب التي اتهمت عمها بالتسبب بوفاة ابيها شابا من دون أن يمد يد المساعدة له، وذلك ما ذكرته في كتابها «كيف خلقت عائلتي الرجل الأكثر خطورة في العالم « والذي أثار ضجة كبيرة عند نشره قبل أسابيع، لذلك تمت استضافة ماري ترامب قبل الانتخابات بـ24 ساعة فقط في لقاء مع قناة (MCNBC ) وقد طالبت في هذا اللقاء الشعب الامريكي بعدم انتخاب «ترامب الحقير» (حسب وصفها) كما نعتته بأقذر الصفات حين قالت؛ «سيحول أمريكا إلى دولة استبدادية، وسيدعم الأنظمة المستبدة إلى النهاية، وسينشر الفحش والدناءة في كل مكان». وأضافت «لقد شحذ همم مؤيديه من الميليشيات البيضاء وأهاب بهم أن يمسحوا مقار الانتخابات من الوجود إذا لم يفز، إنه يثير حربا أهلية عرقية». وصرخت؛ «لا تنتخبوا هذا الحقير، إنه كارثة وطنية، محتال، نصاب، بلا ضمير، زير نساء، قد لا تعرفون بعض جوانب شخصيته القذرة، نحن عائلته نعرفها جيدا، وما ثبت لكم من قذارته خلال الأربع سنوات الماضية لا يساوي شيئا مقابل ما نملكه من معلومات مرعبة عنه، إنه مصيبة كبيرة إذا فاز، وعصابته تخطط من الآن لفوزه بطريقة غير قانونية».
من جانب آخر ذكرت عدة تقارير صحافية أن تشبث ترامب بمنصب الرئيس ومحاولاته المستميتة للبقاء في المنصب، يقف وراءها خوف ترامب من الملاحقات القانونية، وربما التعرض لعقوبة السجن عند انتهاء مدة الحصانة الرئاسية، التي يتمتع بها الان. فقد ذكر تقرير صحافي أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شرع في التعبير عن مخاوفه أمام مساعديه بشأن المسؤوليات الجنائية المحتملة التي تنتظره، بعد مغادرة البيت الأبيض، إذ تخضع شركات ترامب الآن لتحقيقات من جانب النائب العام لولاية نيويورك ومكتب النائب العام في منطقة مانهاتن بشأن جرائم مالية، وجرائم تهرُّب ضريبي. ويعتري ترامب القلق نتيجة ذلك، حسبما ورد في تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية.
وعلى صعيد تخبط حملة ترامب الانتخابية، ذكر المتابعون والمحللون تحول عدد من الولايات من ولائها الجمهوري التاريخي إلى الحزب الديمقراطي، وذكرت عدة صحف قصة خبرية تحت عنوان «انتقام ماكين الأخير» وقد أوضحت القصة كيف أدى تطاول دونالد ترامب على السيناتور الجمهوري جون ماكين بعد وفاته إلى تحول ولاية أريزونا من ولائها الجمهوري لتدعم ترشح بايدن، ويعتقد أن ما حدث في الولاية، وتحولها من صوت مضمون إلى مكان للصراع مع الديمقراطيين المتسبب فيه هو ترامب، الذي واصل إهانة السيناتور الراحل جون ماكين حتى بعد رحيله، الذي يعتبره سكان ولايته اريزونا بطل حرب، فقد وقع في الاسر في حرب فيتنام، كما إنه سيناتور عن ولاية اريزونا ومرشح سابق للرئاسة وسياسي شريف ومحترم في نظر ناخبيه. وكان السيناتور جون ماكين من أشد منتقدي ترامب، وقد بقي معارضاً له حتى وفاته، في أغسطس 2018، فقد كتب ماكين في كتاب من تأليفه نقده للرئيس ترامب، واتهمه بالتقاعس عن التمسك بالقيم الأمريكية، وبكيل المديح لطغاة دوليين، وبتشويه وسائل الإعلام وتجاهل حقوق الإنسان. في المقابل، وصل مقت ترامب لماكين إلى حد أنه سخر ذات مرة من سجل الرجل في الحرب. وقال مشككا «إنه ليس بطل حرب، وتجنب التجنيد بزعم مرض في العظام». وأضاف «يعتبرونه بطل حرب لأنه تم أسره، أنا أحب الأشخاص الذين لم يتم أسرهم». ووصل الخلاف بينهما إلى حد أن ماكين طلب عدم حضور دونالد ترامب جنازته، وأوصى بذلك وهو في مرض الوفاة حيث كان يعاني من سرطان المخ.
والمحصلة أن تمسك الرئيس دونالد ترامب بكل الخطوات القانونية المتاحة أمامه، ستمنع الانتقال السلس للسلطة، ومن المتوقع أن تشهد الولايات المتحدة خطوات واجراءات قانونية، ربما تحصل لأول مرة في تاريخ الانتخابات الأمريكية، فرئيس إشكالي مثل دونالد ترامب ستكون مغادرته البيت الأبيض اشكالية بامتياز.
كاتب عراقي