الانتخابات الأمريكيّة في الـ«سوشيال ميديا» العربية: الكوميديا السوداء!
لطالما اعتقدنا أن الحياة تبتسم للإنسان في شبابه وأن الصبا هو العمر الجميل، الذي يعيشه. ألم يقل الشاعر الأخطل الصغير بشارة الخوري في قصيدته:
الصبا والجمال ملك يديك
فأي تاج أعز من تاجيك
لقد أخبرنا أهالينا أن الصبا، هو العمر الذي ننتظره لنحقق أحلامنا. وكبرنا لنكتشف أنه مجرد وهم لا بد من التحرر منه.
فالشباب الذي عشناه في عالمنا العربي متوج بالاعتقالات والتشرد والموت والفقر والذل. لم يكن فيه يوم واحد يدعو للتفاؤل.
لكن لا تفقدوا الأمل فإن أمانيكم لا بد أن تتحقق في الشيخوخة إن خانكم الشباب! هكذا أثبتت التجارب.
إليكم المثل الأبرز: الأمريكيان العجوزان جو بايدن، مرشح الحزب الديمقراطي ومنافسه «العجيب» دونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهوري. كلاهما تطاحنا على رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية بشراسة، في حين واحد منهما في منتصف السبيعنيات والآخر في أواخرها.
انهالت التعليقات الساخرة على الفضائيات خلال المنافسة، التي ظلت نتائجها غير محسومة حتى اللحظات الأخيرة.
كان أبرزها المقارنة بين الانتخابات الأمريكية والعربية. فانتخاباتنا تُعرف نتائجها من قبل خوضها ويلصق الرئيس بكرسيه أربعين أو خمسين سنة إلى أن يأخذ الله أمانته.
لقد غرد أحد رواد «تويتر» قائلاً: «مساكين الأمريكان كل 4 سنوات يكونوا مش عارفين مين رئيسهم القادم، لأنهم محكومين بصندوق الاقتراع.
أما نحنا معشر العرب عارفين زعيمنا المفدى لمدة 40 سنة، لأننا محكومون بصندوق جنازته!
وتهاطلت النكات الشامتة بترامب كأمطار حبستها السماء طويلاً، ثم انفجرت على عجلة. وذلك ليس محبة ببايدن، ولكن كرهاً بترامب الذي خنق العالم بعنصريته وفاشيته وجنونه.
ركبت له صور، وهو يحاول أن يبيع البامية الخضراء، مرتدياً عباءة عتيقة ومنكوش الشعر. يجلس وحيداً على كرسي خشبي مهزوم ينتظر زبائن لن حضروا أبداً.
وفي صورة مركبة أخرى جلس ترامب مهزوماً وضعيفاً الى جوار الرئيس السيسي مردداً:
لقد تركني الجميع يا وحيدي… يا صديقي
ليجيبه الرئيس المصري بابتسامته المعهودة:
أنا لست صديقك!
ربما أرادت الشعوب العربية الانتقام منه على طريقتها الساخرة، وهي لا تملك سواها، بعد أن غرز أظافره الطويلة في كل رقعة من أراضيها. فجعلت منه في خيالها منبوذاً حتى من أولئك الذين تقربوا منه في الماضي القريب.
طبعاً هذا أقل واجب بعد أن أعلن القدس عاصمة لإسرائيل، وكأنها من بقايا ممتلكاته العقارية، ودفع بعض الدول العربية نحو التطبيع مع العدو!
لقد عبر الكاتب والروائي والسياسي الفلسطيني عاطف أبو سيف عن ذلك قائلاً: «مثل كل البسطاء في العالم أنا سعيد بخسارة ترامب، الرجل الذي اعتدى على حقوقي الوطنية وحقوق شعبي، وتطاول بشكل سافر على الإنسانية في مجمل مواقفه التي تبناها وعبر عنها. كانت هذه انتخابات أمريكية خاصة بالأمريكيين وحدهم، لكن من حقنا أن نفرح بسقوط طاغية ومدنس لأخلاق السياسة مثل ترامب.
لست متأكداً ماذا يمكن أن يكون حالنا في عهد السيد بايدن، ولكنني متأكد بأننا شعب لا يموت ولا يقدر عليه أحد. لقد قلنا لا لترامب ولا لصفقته، في الوقت الذي لعق الجميع حذاءه، ولن نملك إلا أن نقول نعم فقط لحقوقنا ولنضالنا، أما ما قد يمسها فبالتأكيد لا وألف لا. لننتظر».
نعم، لا يمكننا أن نجزم ماذا سيكون حالنا بعد استلام بايدن منصبه الجديد. ولكننا نعرف على الأقل أن بايدن ونائبته كمالا هاريس وحزبيهما، الحزب الديمقراطي، يؤيدون وجود دولة فلسطينية، إلى جانب دولة إسرائيل، أي أنهم يؤيدون حل الدولتين.
فقد جاء في وثيقة الحزب لعام 2020: «يعترف الديمقراطيون بقيمة كل إسرائيلي وكل فلسطيني. لهذا السبب سنعمل للمساعدة في إنهاء الصراع، الذي جلب الكثير من الألم للكثيرين». إننا ندعم حلاً تفاوضياً متمثلاً بقيام دولتين، يضمن مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية ذات حدود معترف بها وندعم حق الفلسطينيين في العيش في حرية وأمن في دولة قابلة للاستمرار خاصة بهم».
بينما الحزب الجمهوري وترامب يعترفان فقط في وجود دولة واحدة هي إسرائيل.
وعملياً سعى ترامب بكل قوته خلال فترة حكمه لإلغاء اسم فلسطين وتهميش الفلسطينيين والضغط عليهم بشتى الطرق للتنازل عن حقوقهم المشروعة.
يا ترى، ماذا تخبئ لنا الأيام المقبلة؟ وما هي المفاجآت التي يجهزها لنا بايدن وحزبه؟ وهل من خشبة نجاة يتعلق بها عالمنا العربي التعيس؟
*كاتبة لبنانيّة