حكماء العرب
الدكتور ضرغام الدباغ .
أحدى مزايا العرب هو إجادة فن الحديث والكلام .. ويندر أن تكون أمة في التاريخ كالعرب تحفظ عن ظهر قلب عشرات ألوف أبيات الشعر، والحكم والأقوال والأمثال المتوارثة، والكثير منها ينطوي على حكم بليغة، تستحق أن يفكر فيها المرء ويأمل ويتلمس أبعادها. لماذا ..؟
يحتل الديوان، بمثابة صالة لاستقبال الضيوف، وإذا كان رعي المضيف(الديوان) كبير في قومه، أو له أهمية خاصة، كالشجاعة والكرم، وإسعاف حاجة الطالب، أو وهنا هذه فقرة مهمة : إن عرف عنه الحكمة والذكاء، فيقصده الناس للأاستشارة وطلب النصيحة، ويقال أن النصيحة كانت تقابل بهدية وهي جمل، وهذا دليل على أهمية الشورى والاستشارة حتى قبل الإسلام الذي ألزم الشورى لطالب الشورى والمستشار على حد السواء، وجعلها ركناً من أركان الدين.
وفي الديوان، أو المضيف، هناك آداب في جلوس المضايف، من حيث المكانة والسن، والأهمية الاجتماعية والسياسية والعسكرية للجالس في المضيف. ومن تلك قدرة الجالس على إدارة الحديث على أي صعيد كان، شعراً أو نثراً، ويتفنون في الألفاظ لناحية جزالة اللفظ، وجمال الكلمة، والجناس والطباق، وبحور الأدب والشعر.
ولكن من المهم أيضا، أن يكون مقدم الشورى والاستشارة على درجة عالية من بعد النظر والعمق في الرؤية، ولا يكتفي بالظواهر السطحية، بل ينظر إلى العواقب البعيدة الغير مرئية، وعلى دقة تشخيصه، فيشتهر بين قومة بالحكمة .. وقد يقال ويوصف بالدهاء … وقال الأصمعي وهو من فلاسفة العرب: الدهاة أربعة: معاوية للروية، وعمرو بن العاص للبديهة، والمغيرة ابن شعبة للمعضلة، وزياد لكل كبيرة وصغيرة.
ــ قيل أن العرب أرادوا يوماً أن يعلموا من هو أدهى حكمائهم فسألوا إثنان من عباقرة العرب كل على إنفراد ما هو شرطك في أخيار المكان (المنزل)
أجاب الأول وكان عمرو بن العاص :
” لا أدخل منزلاً لا أرى فيه مخرجاً “.
فتعجب الناس من ذكاء الرجل .. وأمتدحوه …!
أما الثاني وكان معاوية بن أبي سفيان فأجاب (وهو لا يعلم بخبر وإجابة الرجل الأول) :
” لا أدخل منزلاً ارى أني سأخرج منه …….! “.
هل هذه عبقرية .. أم ذكاء .. أم حنكة سياسية …..؟ وأراد يوماً أحد الأذكياء معرفة رأي أعرابي عن رأيه في الخلاف بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وحاكم الشام معوية بن أبي سفيان ولمن يمنح تأييده . فأجاب الأعرابي سجعاً ” الصلاة وراء علي أتم، واللقمة مع معاوية أدسم، والجلوس على التل أسلم “.
ــ وذات يوم جاء المغيرة فوجد معاوية في حالة من الهم والغم فسأله مالذي يخشاه ..؟ فأجابه معاوية : يا مغيرة .. ” هذا على أبو الحسن، فارس العرب والإسلام ..”
فأجابه المغير ” لا تبتأس يا أبا يزيد، الأمر في نهايته سيكون لك ”
” ويلك يا مغيرة .. هذا علي بن أبي طالب ..”
” نعم .. على ورع ويخاف الله، ويخشى مقابلة كل دق بابه، وأنت تفعل كل ما من شأنه أن يأتي بالملك لك ..أنت الفائز “.
ــ العرب كانوا يحكمون عقولهم، لذلك شاع عنهم ” شاوروا النساء وخالفوهن “ لأن المرأة تفكر بعاطفتها وليس بعقلها .
ــ وقيل عن العرب “إذا أردت أن تعرف الصواب في موقف، أنظر لهواك، وخالفه “.
فمن أهم أشهر حكماء (دهاة) العرب، وما هي أخبارهم ………
ــ معاوية بن ابي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.
حكم أربعون سنة عشرون منها أميرا على الشام وعشرون خليفة للمسلمين وهو القائل وأشتهر بدهاء وحكمة في الرؤية و التدبير :
ــ لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت كانوا إذا مدوها أرخيتها وإذا أرخوها مددتها ..
ــ لا أستخدم سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أستخدم سوطي حين يكفيني صوتي.
ولعل أجمل كلام قيل في دهاء معاوية كلام عبد الله بن الزبير عندما قال : إنا كنا لنخوفه (يقصد معاوية) وما الليث على براثنه بأشجع منه فيتخوف لنا وإنا كنا لنخدعه وما ابن ليلة في الأرض أدهى منه فينخدع لنا .
كان لعبد الله بن الزبير(رض) مزرعة في المدينة مجاورة لمزرعة يملكها معاوية بن أبي سفيان(رض) خليفة المسلمين في دمشق..
وفي ذات يوم دخل عمال مزرعة معاوية إلى مزرعة ابن الزبير، وقد تكرر منهم ذلك في أيام سابقة، فغضب ابن الزبير وكتب لمعاوية في دمشق وقد كان بينهما عداوة قائلاً في كتابه: من عبدالله ابن الزبير إلى معاوية (ابن هند آكلة الأكباد) أما بعد..فإن عمالك دخلوا إلى مزرعتي، فمرهم بالخروج منها، أو فوالذي لا إله إلا هو ليكونن لي معك شأن!
فوصلت الرسالة لمعاوية، وكان من أحلم الناس، فقرأها.. ثم قال لابنه يزيد: ما رأيك في ابن الزبير أرسل لي يهددني ؟
فقال له ابنه يزيد: أرسل له جيشاً أوله عنده وآخره عندك يأتيك برأسه..
فقال معاوية: ” بل خيرٌ من ذلك زكاةً وأقربَ رُحماً “.
فكتب رسالة إلى عبدالله بن الزبير يقول فيها:
من معاوية بن أبي سفيان إلى عبدالله بن الزبير (ابن أسماء ذات النطاقين) أما بعد..
فوالله لو كانت الدنيا بيني وبينك لسلّمتها إليك ولو كانت مزرعتي من المدينة إلى دمشق لدفعتها إليك فإذا وصلك كتابي هذا فخذ مزرعتي إلى مزرعتك وعمّالي إلى عمّالك، فإن جنّة الله عرضها السموات والأرض …!
فلمّا قرأ ابن الزبير الرسالة بكى حتى بلّ لحيته بالدموع، وسافر إلى معاوية في دمشق وقبّل رأسه، وقال له: لا أعدمك الله حُلماً أحلّك في قريش هذا المحل.
ــ عمرو بن العاص بن وائل السهمي.
كان بضرب به المثل في الفطنة والدهاء والحزم وسرعة البديهة.هاجر الى رسول الله (ص) مسلما في أوائل سنة ثمان للهجرة .. بعثه رسول الله (ص) في غزوة ذات السلاسل و أرسله عمر بن الخطاب على رأس جيش لفتح بيت المقدس وكان في الرملة جمعا عظيما من جند الروم عليهم الأرطبون وهو أدهى الروم فكتب عمرو بن العاص الى عمر بن الخطاب بالخبر فلما جاء الكتاب الى عمر بن الخطاب قال : قد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب (يقصد عمرو بن العاص ) . ومن أقواله ….
- الكريم إذا جاع يصول، واللئيم إذا شبع.
- سد حاجة الكريم وأقمع اللئيم
- ليس العاقل من يعرف الخير، ولكنه إذا عرف أهون الشرين
- أبلغ الناس من كان راداً لهواه. إذا أشتبه عليك أمران فلم تدر في أيهما الصواب، فأنظر أقربهما إلى هواك فأجتنبه “.
- موت ألف من العلية، أقل ضرراً من ارتفاع واحد من السفلة.
ــ المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب الثقفي
من كبار الصحابة أولي الشجاعة والمكيدة شهد بيعة الرضوان كان رجلا طويلا مهيبا من دهاة العرب . يستشار في المعظلات. ولد في ثقيف بالطائف، وبها نشأ، وكان كثير الأسفار، أسلم عام الخندق بعدما قتل ثلاثة عشر رجلاً من بني مالك وفدوا معه على المقوقس في مصر، وأخذ أموالهم، فغرم دياتهم عمه عروة بن مسعود.
كُني بـ أبو عيسى، ويقال: أبو عبد الله. من دهاة العرب وذوي آرائها وهو من كبار الصحابة أولي الشجاعة والمكيدة والدهاء، كان ضخم القامة، عَبل الذراعين، بعيد ما بين المنكبين، أصهب الشعر جعده، وكان لا يفرقه.
قال عنه الطبري : ” كان لا يقع في أمر إلا وجد له مخرجاً ولا يلتبس عليه أمران إلا أظهر الرأي في أحدهما “. وقال عنه الحافظ الذهبي : ” من كبار الصحابة، أولي الشجاعة والمكيدة، شهد بيعة الرضوان، كان رجلا طِوالاً، مهيباً، ذهبت عينه يوم اليرموك، وقيل : يوم القادسية. توفي في الكوفة سنة 50 للهجرة، وكان عمرهُ 70 سنة.
ــ المغيرة بن شعبة في الإسلام
تولى أمر الكوفة حتى مقتل عمر، فاستمر في عهد عثمان حيناً ثم عزله علي. اعتزل الفتنة أيام. ومثله أتخذ هذا الموقف عدد من الصحابة.
ــ زياد بن أبيه أو زياد بن سمية.
زياد بن أبيه أحد كبار قادة الفتح، وقد برزت مواهبه في فنون القيادة العسكرية الإدارة والحكم مع بداية الفتوحات في عهد عمر بن الخطاب. وقد تولى في عهد علي بن أبي طالب خراسان وتلك الأرجاء . واستمر مواليا لعلي ضد الأمويين، ولكن معاوية بن أبي سفيان أدرك بدهائه مقدرة وقابلية هذا الرجل واستدعاه إلى دمشق بعد أن كان قد اعتزل الحكم عقب اغتيال الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب، واستطاع استمالته وولاه الكوفة والحق إليها خراسان وسجستان. وكانت الاضطرابات تسود تلك الأرجاء والأمن فيها غير مستقر من أعمال سلب ونهب وفسق وفجور وقتل، بالإضافة إلى الأوضاع المتزعزعة سياسيا واجتماعيا.ويكتنف الغموض أصل هذا القائد (لذلك سمي بابن أبيه) ويقال أنه ابن غير شرعي لأبي سفيان، بسط سيطرته وهيمنته على تلك الولايات، وفرض فيها سلطة وهيبة الدولة، توفي في الكوفة بمرض الطاعون في عام 53 هجرية/673 م.
قائد عسكري في عهد الخلافة الراشدة وسياسي أموي شهير ارتبط اسمه بمعاوية بن أبي سفيان ساهم في تثبيت الدولة الأموية، وكان داهية له رأي سديد في كل الأمور. ولاه علي بن أبي طالب بلاد فارس وكان يقال في أمره أنه كان يمكن أن يسوق الناس لولا نسبه المجهول(لا يعرف له أب) . مات ولم يخلف غير ألف دينار. وقيل في وصفه: كان في عينه اليمنى انكسار، أبيض اللحية مخروطها، عليه قميص ربما رقعه. ورثاه بعد موته كثير من الشعراء.
وكان كاتباً للمغيرة بن شعبة، ثم لأبي موسى الأشعري أيام إمرته على البصرة. ثم ولاه علي بن أبي طالب إمرة فارس. ولما توفي علي امتنع زياد على معاوية، وتحصن في قلاع فارس. وتبين لمعاوية أنه أخوه من أبيه (أبي سفيان) فكتب إليه بذلك، فقدم زياد عليه، وألحقه معاوية بنسبه سنة 44 هـ. فكان عضده الأقوى. وولاه البصرة والكوفة وسائر العراق، فلم يزل في ولايته إلى أن توفي.
قال الشعبي: ما رأيت أحداً أخطب من زياد. وقال قبيصة بن جابر: ما رأيت أخصب نادياً ولا أكرم مجلساً ولا أشبه سريرة بعلانية من زياد. وقال الأصمعي: زياد أول من ضرب الدنانير والدراهم ونقش عليها اسم “الله” ومحا عنها اسم الروم ونقوشهم. وقال العتبي: إن زياداً أول من ابتدع ترك السلام على القادم بحضرة السلطان. وقال الشعبي: أول من جمع له العراق وخراسان وسجستان والبحران وعمان.
وهو أول من عرف العرفاء ورتب النقباء وربع الأرباع بالكوفة والبصرة، وأول من جلس الناس بين يديه على الكراسي من أمراء العرب، وأول من اتخذ العسس والحرس في الإسلام، وأول وال سارت الرجال بين يديه تحمل الحراب والعمد، كما كانت تفعل الأعاجم. وقال ابن حزم: في “الفصل”: امتنع زياد وهو قفعة القاع، لا عشيرة له ولا نسب ولا سابقة ولا قدم، فما أطاقه معاوية إلا بالمداراة وحتى أرضاه وولاه. أخباره كثيرة، وله أقوال سائرة.
ولم يعجب هذا العمل السياسي خصوم معاوية، فتمسكوا بتسمية زياد بن أبيه وهاجموا معاوية بالشعر، و من أشهر ما هوجم به مقالة يزيد بن المفرغ الحميري:
كان زياد بن أبيه جباراً به ميل إلى سفك الدماء، وذلك ناتج عن كونه قائد عسكري، وهو أول من فرض حظر التجول في الإسلام.
وكان زياد خطيباً بليغاً، له جمهرة خطب مشهورة، فهو خطيب مفوه رائع، فقد كان أشهر الخطباء في العصر الأموي وكان داهية حليماً ذكياً في خطبته، وأما أسلوبه الأدبي فقد كان جزلاً، فصيحاً، مؤثراً في النفوس، وأشهر خُطَبِهِ هي الخطبة البتراء وقد سميت بذلك لخلوها من المقدمة الإسلامية المعروفة آنذاك في الخطب وقد امتازت هذه الخطبة بالذات بالتقسيم الرائع وتأثره بالألفاظ الإسلامية وتأثره بأسلوب الخليفة الراشد سيدنا علي بن أبي طالب وسيدنا عمر ابن الخطاب.
ولزياد بن أبيه خطبة من أشهر خطب العرب، قالها في أول قدومه إلى البصرة حاكما لمعاوية، خطبة البتراء ، (لم يحمد الله ولم يصل على النبي) هي أشبه بإعلان الأحكام العرفية (الطوارئ).
” أما بعد، فان الجهالة الجهلاء، والضلالة العمياء والغي الموصل بأهله إلى النار، ما فيه سفهاؤكم ويشتمل على حكماؤكم من الأمور العظام ينبت فيها الصغير ولا يتحاشى منها الكبير.
كأنكم لم تقرأوا كتاب الله ولم تسمعوا ما أعد الله من الثواب الكريم لأهل طاعته، والعذاب الأليم لأهل معصيته في الزمن السرمد الذي لا يزول، أتكونون كمن طرفت عينه الدنيا وسدت مسامعه الشهوات، واختار الفانية على الباقية، ولا تذكرون أنكم أحدثتم في الإسلام الحدث الذي لم تستبقوا إليه، من ترككم الضعيف يقهر ويؤخذ ماله، وهذه المواخير المنصوبة، والضعيفة المسلوبة في النهار المبصر، والعدد غير قليل، ألم تكن منكم نهاة تمنع الغواة عن ذلج الليل وغارة النهار؟ قربتم القرابة وباعدتم الدين، تعتذرون بغير العذر وتغضون على المختلس، أليس كل امرئ منكم يذب عن سفيهه، صنع من لا يخاف عاقبة ولا يرجوا معادا. ما أنتم بالحلماء ولقد اتبعتم السفهاء، فلم يزل بكم ما ترون من قيامكم دونهم حتى انتهكوا حرم الإسلام، ثم أطرقوا ورائكم كنوسا في مكانس الريبة.
حرام علي الطعام والشراب حتى أسويها بالأرض هدما وإحراقا. إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله: لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف.
إني لأقسم بالله، لآخذن الولي بالولي والمقيم بالطاعن والمقبل بالمدبر والمطيع بالعاصي والصحيح فيكم بالسقيم حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول : أنج سعد فقد هلك سعيد، أو تستقيم لي قناتكم. إن كذبة المنبر بلقاء مشهورة، فان تعلقتم علي بكذبة فقد حلت لكم معصيتي، وإذا سمعتموها مني فاغتنموها في، واعلموا أن عندي أمثالها. ومن نقب منكم عليه فأنا ضامن لمن ذهب منه، فإياي ودلج الليل، فإني لا أوتي بمدلج إلا سفكت دمه وقد آجلتكم في ذلك بمقدار ما يأتي الخبر الكوفة ويرجع إليكم.
وإياي ودعوة الجاهلية، فإني لا آخذ داعيا بها إلا قطعت لسانه، لقد أحدثتم أحداثا لم تكن، وقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة. فمن أغرق قوما أغرقناه، ومن أحرق قوما أحرقناه، ومن نقب بيتا نقبنا عن قلبه، ومن نبش قبرا دفناه فيه حيا، فكفوا عني أيديكم وألسنتكم أكفف عنكم يدي ولساني ولا تظهر على أحد منكم ريبة بخلاف ما عليه عامتكم وإلا ضربت عنقه.
وقد كانت بيني وبين أقوام أحسن فجعلت ذلك دبر أذني وتحت قدمي. فمن كان منكم محسنا فليزدد إحسانا، ومن كان منكم سيئا فلينزع عنه إساءته. والله لو علمت أن أحدا قد قتله السل من بغضي، لم أكشف له قناعا، ولم أهتك له سترا حتى ليبدي لي صفحته، فإذا فعل ذلك لم أناظره، فاستأنفوا أموركم، وارعوا علي أنفسكم، فرب مسوء بقدومنا سنسره ومسرور بقدومنا سنسوءه.
أيها الناس إنا أصبحنا لكم سادة وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، ونذود عنكم بفيء الله الذي خولنا. قلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا ولكم علينا العدل والإنصاف فيما ولينا، وفاستوجبوا عدلنا ونيلنا بمناصحتكم لنا، واعلموا أن مهما قصرت عنه لم، أقصر عن ثلاث: لست محتجبا عن طالب حاجة منكم ولو أتاني طارقا بليل، ولا حابسا عطاء ولا رزقا عن ابانة ولا مجمراَ لكم بعثا فادعوا الله بالصلاح لأئمتكم، فإنهم ساستكم المؤدبون، وكهفكم الذي إليه تأوون، متى يصلحوا تصلحون. ولا تشربوا قلوب بعضهم فيشتد لذلك غيظكم، ويطول له حزنكم ولا تدركوا به حاجتكم، مع أنه لو استجيب لكم فيهم لكأنه شرا لكم. أسأل الله أن يعين كلا على كل وإذا رأيتموني أنفذ الأمر فأنفذوه على إذلاله، وأيم الله إن لي فيكم لصرعى كثيرة فليحذر كل امرئ منكم أن يكون من صرعاي.
فقال الشعبي : ما سمعت متكلما على منبر قط تكلم فأحسن إلا أحببت أن يسكت خوفا من أن يسيء إلا زيادا فانه; كلما أكثر كان أجود كلاماً .(1)