زنزانتي والصرصر
القاص والاديب .. عبد الجبار الحمدي .
فقد عقله بات يحاكي أطراف جسده تارة يلعنها ويسبها وتارة يواسها بقوله: ليس بيدي لقد فارقني
التوازن يعد أن أطاحوا برأسي عن جسمي… زنزانتي التي لا ارى فيها سوى العتمة ولا أسمع سوى هسهسة أو عرير فما أن يبدأ حتى تدق أجراس رأسي بفقدان بندولها الذي يتخذ من صفائح صدغِ المشروخ صداعا لا ينفك يفتك بما بقي لي من دماغ… خاصة بعدما تنتفخ أوردته وتصل حد الإنفجار، لكني سرعان ما أصرخ مخرجا دخان غضبي من أنف ينزف دما كلما طالني الجنون، فاجد ان هسهسة الصرصر قد خرست لوهلة، فما أن استلقي حتى يعود لفعلتها … فقررت أن اتبول على مكان الصوت كي أجعله يهرب الى غير زنزانة أو أقتله بإغراقه بالبول… لكنه سرعان ما قفز بعيدا صارخا… هيه أنت يا نتانة الجيف ما الذي تفعله؟ لقد أغرقتني يا هذا اللعنة عليك ألا يكفني أنك تشاركني في منفاي هذا الذي رميت به نتيجة عرير في بين مسئول أجرب كان بيته أشبة بحظيرة حيوانات، فرائحة الخمر والفجور والنفاق غطت على كل شيء ومثلي يألف تلك الأمان التي حرصت وبقية ممن رافقوني ان نقوم بالعيش في تلك البيئة ساعة موسم تزاوج، لكن صدقني يا نتن إن نتانتك ارحم بكثير من بيئتهم… لا أدري في لحظة ما كان هناك من يرش المُبيد اشبه برائحة صنان إبط كبيرهم وسط أستغراب جميع الصراصير التي زحفت لتقطن معنا في بيئة آمنة، فلا رقيب ولا حسيب، ولا تجد من يوجع رأسك بالأسئلة، ليس هناك بينهم من يؤمن بقيم أو مباديء … غير أني سرعان ما قفزت بحالي عالق بثوب أحدهم هربا والذي كان سوء حظ لي حين جلبني معك في نفس المركبة التي كنت وبقية معك فيها، فقفزت اليك وتشبثت بك ظنا أني سأكون أكثر أمنا فإذا بي ألتقط عالمك الذي دخلت فبدا الى الأبد… جالستك وأنا أخرس سنين طوال، قاومت طبيعتي عندما كنت أنصت لك وأنت تصرخ وتبكي محاولا أثبات برائتك من خلف باب صغير صلد صدئ، لحظتها فقط آليت الصمت على الهسهسة، استمر الحال هكذا حتى في ليلة كنت قد بدأت تئن أكثر من الأيام التي قبلها كأن خيط جنون قد مسك، فسارعت أنت بضرب رأسك بجدران زنزانتك ثم قمت بالتغوط والتبول في كل مكان حتى الركن المقرف البعيد عنك الذي أتخذته لي أصابته القذارة وتلوث، لم أعد قادرا على تحمل جيفتك ونتانتك لعلك تريد بمستنقع تغوطك الإنتحار لكن ليس على حسابي فأنا لا زلت أنتظر الفرصة لفسحة كي أخرج لا أعلم ماهي جريمتك؟ ليوصدوا عليك حتى الهواء الذي تستنشقه… حتى الفتات التي تلقمه كان يرمونه إليك كأن حالك أتعس حظا من كلب أجرب… فخرجت عن صمتي مدويا معلنا رفضي لممارستك وتخليك عن آدميتك وتحولك الى حيوان دون عقل فاقد الأهلية لاشك لا يعي فعله واظنك صرت منهم… وهم كُثر في وطنك يتوشحون الألقاب وهم طناطلة جهل وتنابل عربية..
يا إلهي هل أسمع صوت أحدهم!!! كنت في حال لا يسمح لي بأن أصدق ما أسمع أو أكذبه… هل وصلت فعلا الى هذا الحد؟!! نعم أشعر بما أفعله ولعلي أريد ان أتعفن حتى الموت بتغوطِ وبولي لكني لم أتصور أن هناك من يلاحظ فعلتي بنفسي، فسجانيي نسوني، صرت طي الكتمان وسحق قيدي من السجلات إنما أنا رقم منتهي الصلاحية لا يستبيح سوى تلويث نفسه وردمها بعنوان معدوم…
فصرخت من أنت؟؟ هل أنت جن أم إنس؟ أم تراك عقلي الباطن الذي فقدته منذ زمن…. هيا تحدث إلي أطلعني من تكون؟
الصرصر: من أكون يعني!؟ حشرة مثلك سيق بها تطفلها وفضولها رغم فهمها عدم قدرتها على الغير ممكن، قادها حظها بأن تعتاش في بيت مسئول نتن فمثلي يا نتن لا يشارك إلا من هم أصحاب نتانة مثل حضرة جنابك… رغم الفارق بينكما فأنت من مجموعة المثقفين وأصحاب السلطة الرابعة أو هكذا خمنت.. كنت أظن أني سأغادر الى غير مكان لكن زلة رمت بي حيث أنت… إني يا نتن أحد الحشرات ذات الهسهسة التي لا تتوقف إلا بتهشيم رأس مطلقها ليكتسب إسما غير الذي ولد فيه…
ترى كيف يكون شكلك!؟
ههههههههههههههه حقيقة إنك وصلت الى عمق الزجاجة فصرا لا تعي ويبدو أنك عميت نتيجة معاشرتك العتمة التي لم تلد لك سوى الخبل والصراخ… لا عليك إني أحد انواع الصراصر التي تشبه الإنسان الذي يصارع موجة هي اكبر من قدراته كما تبدو له في باديء الأمر أنه سيقصم ظهر البعير بقشته ولكنه سرعان ما يجد ان البعير حوله الكثير من الذين يداعبون خصيته كي يستفزوه ليحشو القشة في أستك، هذا ما حدث فهسهستك وعريرك هما من قاداك الى ما أنت فيه… الدولة والوطن الذي حلمت فيه صارت يؤمه أجناس إرتدت ثياب التدين لتسيس مآربها وشلت منابع الهسهسة بحجج واخرى أنت أعلم بها، فقد كنت أنصت الى ذلك المسئول الذي استباح الفرج قِبلة وناكج نفسه بصولجان منتج بايدي دهنته له كي يستريح من صراخ أو ألم بعد أن أقسم على كتابهم المقدس أنه الوطن عبارة عن قطعة قماش يمسح بها ذكره بعد أن يغتصب إبنته الحرية ويخرق غشاء بكارتها كي يدخل عالم السياسة… يا له من عالم عفن مقرف لا يلد لهم فيه سوى المنافق والقاتل والمرائي.. هذا هو العالم الذي ظننت أنك ستغيره رغم انه منتن ومقرف قبلهم وإن كانت الرائحة غير الرائحة… فعالمك يسوده البخور والطلاسم وحب الدجل الذي يمارسه الكبير والصغير… المهم هذا أنا، اما انت فألزم جانبك من يا نتن دعنا نتعايش رغم النتانة وصدقني إن قلت لك أن النتانة التي تعيشها وحدتك هاته أرحم من النتانة في الخارج ،فالجميع يماري المسئول ويتمسح بمؤخرته كي يحظى بلعقة.. إنكم صنف البشر خيركم كاذب واسوأكم حرامي، فماذا تظن أن تقول شهرزاد لشهريار الفاسد المجرم؟ وماذا تريد لزرياب ان يعزف لأبو نؤاس السكير، وماذا تطلب من أحفاد رجالات جاهلية يتبارون على سبي نساء بعضهم البعض ويتاباروا لقدف نطفة محرمة ثم يكنيها لغيرة… شئت أم أبيت ستتعفن هنا والى الأبد، هيا لمم شتات تغوطك, الزم ناصيتك وسألزم ناصيتك، فالتعايش في ظلمة أختيرت لنا أفضل من العيش في باحة وطن المسئول فيه وعنه منتن فاسد، تراه يتعبد أمام الناس ويحكي إنتصاراته الكاذبة منبر خطابة.. ثم يطلب في خلوته أن يطارح نفسه كديوث على يد قواد متمرس في صناعة ديوثي حكام العرب.
القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي