منتدى الفكر العربي
نــداء عمّــان
في أجواءٍ مُفعمةٍ بالثقةِ والأمل، وعلى الرغم من التداعيات التي فرضها انتشار وباء كورونا (كوفيد – 19) على بلداننا العربية والعالم أجمع، فقد التأم مؤتمر “المواطنة الحاضنة للتنوّع في المجال العربي: الإشكالية والحل” عبر تقنية الاتصال المرئي (Zoom) بدعوة من منتدى الفكر العربي، وبرعاية ومشاركة مؤسّسه وراعيه صاحب السموّ الملكي الأمير الحسن بن طلال المعظم، ومشاركة واسعة من باحثين وخبراء وشخصيات فكرية وسياسية واقتصادية وثقافية وإعلامية عربية.
وألقى سموّه كلمة افتتاحية جامعة، تعدّ بمثابة مرشد ودليل عمل لتحقيق الأهداف التي سعى إليها المؤتمر، بما تضمنته من طروحات أثارت المزيد من النقاشات والحوارات والإضاءات على مدى جلسات المؤتمر خلال يومي 10 و11 آب/ أغسطس 2020، والتي صبّت جميعها في تعميق وتعزيز مفهوم المواطنة الحاضنة للتنوّع من زواياه المختلفة، القانونية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وفي إطار منظومة حقوق الإنسان والدولة المدنية المتعدّدة الثقافات، وبما يحقق المصالحة الوطنية في محددات واقعنا العربي الراهن، وذلك بربطها بالجوانب الاقتصادية والإعلامية والأمن الإنساني، بما فيه الأمن الغذائي والصحي، ودور التعليم والتربية وتمكين المرأة، في نطاق حزمة متكاملة ومتداخلة لرفد مفهوم المواطنة الحيوية.
وفي إطار نقاش وحوار حول الآفاق المستقبلية ودور النخب الثقافية والفكرية العربية، قرَّر المؤتمر إصدار هذا النداء بعنوان ” نداء عمّان” وهو موجه إلى الملوك والرؤساء والقادة العرب، وذلك انطلاقاً من رسالة المنتدى التي واصل نشرها على مدى حوالي 40 عاماً، حيث تحلّ ذكرى تأسيسه بعد فترة قصيرة، وأساسها “تجسير الفجوة بين صاحب القرار والمفكرين، والربط بين الفكر والمواطنة من خلال المجتمع المدني” في إطار علاقة تصالحية تقوم على الاحترام المتبادل، وتهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة للحاق بالعالم المتقدم، وفقًا لمبادئ المواطنة المنفتحة والفاعلة التي ترتكز على قيم الحرية والمساواة والشراكة والمشاركة والعدالة، ولا سيّما العدالة الاجتماعية.
ولعلّ تلك الرسالة تعزّزت واغتنت بعد أربعة عقود من الزمان بالعمل والنشاط والحيوية والتعددية الفكرية والثقافية والتجديد، والدعوة إلى إعلاء قيم التسامح والسلام واللّاعنف والتضامن والمشترك الإنساني، بما يعزّز التواصل والتفاعل من خلال الحوار وقبول الرأي والرأي الآخر والحق في الاختلاف في إطار الوحدة، بحيث يؤدي ذلك إلى “تعظيم الجوامع وتقليص الفوارق”، بمعنى الدعوة إلى تصحيح العلاقة بين الدولة والمواطن، وبين الدولة والمجتمع، وعلى نحو تكون فيه هذه العلاقة تصالحية وليست تصادمية، وتكاملية وليست تدافعية، وهي رؤية تقوم على فهم عميق للعالم المعاصر وما حصل فيه من متغيّرات ومستجدات وما تفضي إليه من تطورات وآفاق، على الرغم من التحديات التي تواجهها والتي عبّر عنها صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال منذ تأسيس المنتدى.
وفي إطار هذه المعطيات أصدر المؤتمر “نداء عمّان” متضمناً الآتي:
- أعرب المشاركون في المؤتمر عن التضامن مع لبنان وشعبه في مواجهة المحنة – الكارثة التي حلّت به إثر انفجار مرفأ بيروت يوم 4 آب/أغسطس 2020، وقد دعا سمو الأمير الحسن في افتتاح المؤتمر إلى أن “لا نترك بيروت (بوابةَ الشرق ومنارة العرب) في نكبتها. ومثل هذا النداء هو إحياء وتجديد ودعوة لإعلاء قيمة التضامن بيننا نحن العرب، والمشرقيين خاصة، ولا سيّما في الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها الأمة العربية”.
- اعتبار المواطنة الركيزة الأساسية في الدولة العصرية التي تقوم على حكم القانون، والتي لا غنى عنها لإحداث الإصلاح والتطور المنشود، ولاسيّما بتعزيز الهويّة الجامعة والموحّدة والمتنوّعة والمتعددة في آن، وتأكيد احترام حقوق المجاميع الثقافية، وخصوصاً في المجتمعات المتعددة الثقافات والديانات.
- تعزيز تكافؤ الفرص في إطار المواطنة المتساوية وإلغاء مظاهر التمييز والاستعلاء لأسباب دينية أو طائفية أو إثنية أو سلالية أو لغوية أو لأي اعتبار، انطلاقاً من المساواة في الكرامة الإنسانية، وهو ما تبشر به الأديان، وبما يتساوق مع منظومة حقوق الإنسان.
- العمل على تحقيق المساواة الفعلية والمشاركة الفاعلة والشراكة الحقيقية في إطار حكم القانون، وإلغاء كل مظاهر الإقصاء أو الإلغاء أو التهميش أو الانتقاص من المساواة بين البشر، الذين ولدوا أحراراً ومتساوين في الكرامة.
- الانطلاق من قيمنا الإنسانية وتراثنا الغني للانسجام مع التطور الكوني الدستوري والقانوني المتطلع إلى تحقيق اندماج عالمنا العربي في الحداثة والعقلانية والقيم الإنسانية المشتركة لبني البشر جميعاً، وبقدر احترامنا للتقدم العالمي وإننا جزء من الحضارة الكونية، فعلينا في الوقت نفسه التمسك بخصوصيتنا، دون انغلاق.
- التوجّه على مستوى كل بلد عربي وعلى المستوى العربي القومي والجماعي للاحتفال بمناسبة مرور 75 عاماً على تأسيس الأمم المتحدة ومطالبتها باتخاذ مواقف إيجابية من الحقوق العربية، ولاسيّما حقوق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وكذلك ضمان الكرامة والحقوق الإنسانية لشعوب اليمن وسوريا والعراق وليبيا.
- العمل على إقامة علاقات متوازنة بين البلدان العربية واحترام سيادتها ومصالحها المشتركة ومنافعها المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، انطلاقاً من رؤية استراتيجية بعيدة المدى أساسها “ويستفاليا عربية”، بالإشارة إلى أن معاهدة ويستفاليا سنة 1648 قد أوقفت الحروب الطائفية والدينية في أوروبا التي راح ضحيتها ملايين البشر. وهي دعوة لوقف الاحترابات المذهبية والطائفية التي تأجَّجت في منطقتنا، والتي قامت على أساس التعصّب وكانت وليدة التطرّف، وأنتجت عنفاً وإرهاباً لا مثيل لهما، خاصة مع اتساع دائرة العمليات الإرهابية التي قام بها تنظيما القاعدة وداعش فيما بعد، والتي ارتكزت على تكفير وتجريم كل رأي مخالف. وكذلك الدعوة إلى تعزيز مبدأ حرية الدين والمعتقد في بلداننا.
- في الوقت نفسه، العمل على تحقيق فكرة “ويستفاليا مشرقية”، نظراً إلى أن أربعة شعوب أساسية تعيش في المنطقة هم: العرب والترك والفرس والكورد، ولا بدّ من إقامة علاقات متوازنة بينهم أساسها التسامح واحترام مبادئ السيادة وحق تقرير المصير، وحلّ المشاكل في ما بينها بروح الإخاء والمشترك الإنساني، وعلى أساس قواعد القانون الدولي، ووفقاً لمبادئ السلم والأمن الدوليين، ونبذ استخدام القوة أو التهديد بها لحلّ المنازعات أو الخلافات. وكان منتدى الفكر العربي بمبادرة وتوجيه من رئيسه وراعيه قد عقد مؤتمراً في 22/7/2018 بعنوان “الأعمدة الأربعة”، بمشاركة نخبة من المثقفين يمثلون الأطراف الأربعة المشار إليها.
9.العمل على تأكيد حق ممارسة الشعائر الدينية بحريّة ودون إكراه أو تمييز، ووفقاً لمبادئ المواطنة المتساوية، بما يضمن حق إحياء التراث الثقافي واللغوي لجميع المجموعات الثقافية التي تعيش في البلدان العربية.
- السعي إلى إبرام عقد اجتماعي جديد يعتمد على مبادئ المواطنة، ويعزِّز من شرعية الحكم، ويبني قواعد مشتركة للعيش معاً وفي إطار حكم القانون وسيادته.
صدر عن:
مؤتمر “المواطنة الحاضنة للتنوع في المجال العربي: الإشكاليّة والحلّ” (10-12/8/2020)
منتدى الفكر العربي، عمّان، الأربعاء 12 آب (أغسطس) 2020
