ناظم كزار في حضرة شامل عبد القادر ؟ .
محمد السعدي .
قصص قريبة في حكاياتها ومترعة بالخيال والمبالغة والاساطير … ولكن لا تغيب عنها الحقائق .
لافرنتي بيريا … رئيس جهاز الامن الخاص للرئيس السوفيتي السابق ستالين ، والذي رحل الى جوار ربه قبل خمسين عاماً . حيكت حوله قصص وحكايات جمة حول بشاعة وقتل خصوم ستالين ، الا أن أنتهت إسطورته بدس السم في قهوة الأب الرفيق ستالين ليموت بعد أيام معدودات . وفي عام 1953 يعدم بيريا لفداحة الجرائم التي لصقت به .
ناظم كزار … مدير الامن العام في حكومة البعث ما بين 1968 الى 30 حزيران 1973 . ناظم كزار شخصية عراقية تداول عنها العراقيون العديد من القصص والروايات والمواقف والحكايات والاساطير والخرافات والمبالغات والحقائق أيضأ . قرأت قبل سنوات مضت نتفا من كتابا حول سيرة ناظم كزار للباحث شامل عبد القادر . وجدت بين سطوره معلومات وحقائق تدحض بعضاً من مسلماتي حول دموية ناظم كزار وحقده على الشيوعيين بل التلذذ في رميهم في أحواض التيزاب أو سحقهم في المثرمة في محاولة يائسة لتبيض صفحته المحفورة في ذاكرة العراقيين الجمعية بما أحتوى سجله التاريخي من تعذيب وقتل للشيوعيين في ذلك المبنى السيء الصيت والسمعة ( قصر النهاية ).
عام 1971 أعتقل المرحوم والدي مع قريبنا الشيوعي عبد الرحمن إسماعيل علاوي من أهالي بهرز وأخي الشهيد فليح . غيبوا لمدة عام كامل في قصر النهاية بتهمة التنظيم في القيادة المركزية الجناح الذي أنتفض على سياسة اللجنة المركزية .
كنت كثير الالحاح بالاسئلة لوالدي حول ظروف الاعتقال في قصر النهاية ودموية التعذيب والقتل ، كان يقص لي حكايات مرعبة ويذكر مواقف يدنى لها الجبين الانساني . ناظم كزار واحد من رموز البعث ( الذئاب ) المفترسة ومحاولته الانقلابية الفاشلة في 30 حزيران 1973 ما هي الا حباً للغطرسة والاستحواذ على السلطة والتأمر بين زمر البعث في صراعهم الدموي ، ولم يعد التقارب الشيوعي البعثي سببا في محاولته الانقلابية لانه كان يدرك جيداً موضوع الجبهة ما هي الا خطوة تكتيكية للقضاء على الشيوعيين وذبحهم ، ولا الاشكالية في حل القضية الكردية وملابساتها الداخلية وتداعياتها الخارجية . يقول حسن العلوي البعثي في دولته ( الاستعارة القومية ) .. عندما وقع عزيز محمد مع أحمد حسن البكر ميثاق العمل الجبهوي في 16 تموز 1973 في يومها وزعنا منشورا داخليا على الجهاز الحزبي الطرق والاساليب في تفتيت تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي .
ولد ناظم كزار عام 1940 في بغداد ، لكن جذوره تنبع من جنوب العراق لينتقلوا الى العاصمة بغداد في مطلع الثلاثينات ، وحسب المصادر أن صدام حسين هو الذي فرضه على الجهاز الحزبي أن يكون مديراً عاما للامن بعد أنقلاب 17 و 30 تموز 1968 رغم الموقف الرافض من رفاقه لتوليه هذا المنصب ، يصفون صورته أنه كان بعثياً شرساً ودموياً لايتهاون مع من يقف في طريقه .. حيث وصفه صدام حسين .. حاسوبا لا يخطىء .. وموهبة أمنية لا تقدر بثمن ، لكن بعد أقل من خمس سنوات أعدمه صدام بطريقه سرية وغامضة ، ولم يعدمه كونه ( شيعي .. شروكي ) . بل يذكر أنه من أوائل البعثيين الذين وقفوا ضد سياسة البكر وصدام في تحويل حزب البعث الى حزبا عشائريا وقرويا من خلال تجميع أبناء عمومتهم وعشيرتهم في مؤسسات الدولة الحساسة والقصر الجمهوري ، لكن هذا لايعني أن يكون نزيها ، أو حاملا مشروعا وطنيا لعراق تعددي وحر ، فهو لايقل بؤساً عن صحبه ، هكذا كان رده عندما سأله صدام بعد فشل محاولته الانقلابية المزعومة ومواجهته وجهاً لوجه بعد أن فشلت محاولته في الهرب وقبض عليه في طريقه للهرب الى إيران عبر منفذ زرباطيه .
ناظم كزار لا يقل دموية وفتكاً عن سعدون شاكر أو طه الجزراوي وسبعاوي باشراف وتخطيط صدام وحضوره شخصياً الى قصر النهاية والاشراف المباشر على التعذيب والقتل ، عندما إعتقل ناظم كزار سكرتير القيادة المركزية عزيز الحاج وضعه أمام صدام في قصر النهاية بملابسه التي أعتقل بها .
يبقى ناظم كزار واحد من مجرمي البعث ، نعم قد أتفق وأختلف هنا وهناك من صناعته وخلق منه بعبع مرعب للاخرين من عامة الناس وبتخطيط وعمد من ماكنة النظام القمعية .
أستند الباحث شامل عبد القادرعلى الكثير من معطياته حول سجايا ناظم كزار من رفاقه ومن عائلته تبرأ عن ماشيع عنه من دموية في قتل الشيوعيين أو تبريرها . لكن ليس هذه كل الحقيقة ، ومؤسسة السياسيين التي منحته في العراق شهيداً عام 2005 , فهذا الوضع برمته مشكوك به ومدان أنها مؤسسات بريمر وعملائه .
ناظم كزار … الملاحظ عليه قليل الظهور والكلام والضحكة .. ولم تعرف عنه الا صورة واحدة لحين رحيل النظام ، ظهرت له وعبر أهله قلة من الصورة جلها لم يكن مبتسما بها ، قبل محاولته الانقلابية. كتب الى أحمد حسن البكر وصدام حسين في التخلص من رجال الردة ويقصد بذلك سعدون غيدان وحماد شهاب وزيري الداخلية والدفاع ، مذكرا بمواقفهم في التأمر على البعث مع عبد السلام عارف .
في المحاولة الانقلابية التي قام بها عبد الغني الراوي عام 1970 ، وعندما فشلت شكل البعثيين محكمة خاصة بقيادة طه الجزراوي ، فكان ناظم كزار عضو بها ، وظل موقفه شديداً وحاقداً على مجموعة الراوي وقتلوا الكثرة الاكثر منهم وممن شاركوا في المحاولة ، وكانت فرصة للخلاص من معارضيهم وهم بعيدا عن ما حدث ، لكن لم يكن الذئب الوحيد بين البعثيين ولا الحمل الوديع ، فهناك ذئاب أكثر منه أفتراسأ وحقداً ، عدائه للشيوعيين ينطلق من حقده عليهم عندما أرادوا سحله بالحبال عام 1959 أيام المد الشيوعي حسب أستنتاجات وبحث شامل عبد القادر ، الذي يخبرنا بها في صفحات كتابه المذكور، أنا ليس بصدد الدفاع عن المقاومة الشعبية أبان المد الشيوعي بعد ثورة تموز 1958 أرتكبت حماقات هنا وهناك وتجاوزات لا مبرر لها وشعارات حمقاء وإستفزازية لعقلية المجتمع ، لكن هذا لايعني ولا يبرر بدفع مدير أمن أن ينتقم من الالاف من الشيوعيين بعد سنوات وللتذكير أيضا كانت سجون الزعيم ممتلئه بالشيوعيين المعارضين لفرديته في أدارة أمور البلاد ، قد يصل عددهم ٥٠٠ معتقل ، وبعد إنقلاب شباط أستفرد بهم البعثيين والقوميين .
كان كزار طيلة فترة حكم عبد الكريم قاسم مركوننا بعدة زوايا من سجون العراق وحتى بعد أنقلابهم المشؤوم عام 1963 والصراع مع الجناح القومي أيضا زج في السجون الى يوم 17 30 تموز 1968 . وكان موقفه شديدا ، وكان أخر بعثي أطلق سراحه بعد إنقلاب 17 تموز ، عكس صدام حسين كان موقفه ضعيفا وأدى باعترافات كاملة الى مدير الامن العام رشيد محسن وبعد عام 1968 صادر صدام منه كل أضابير الاعترافات وبعثه الى القاهرة وأن يصمت الى أبد الابدين بعد أن أنتزع منه كل أشرطة الاعترافات . أما البكر كان موقفه أشد بؤساً وأيلاماً من رفاقه قدم البراءة من البعث وألتزم البيت . ونشرت براءته في الصحافة حسب ما روى شامل عبد القادر في بحوثه ، لكن بعد 17 تموز عادوا الى القصر الجمهوري بخطابات وخطوات ظللوا بها خصومهم السياسيين قبل رفاقهم وعبر منظمات ودول صديقة ليذبحوهم باسم البعث والقومية والتأمر على الوطن ، ولم ينجو منهم حتى رفاق الامس ، ومجزرة قاعة الخلد عام 1979 دليل على دمويتهم ، كان هاجس صدام والبكر ولكي يفرضوا هيمنتهم على الحزب والدولة فلابد من التخلص ممن يقف بطريقهم وممن يشكل عائقا جديا أمامهم وأمام مشاريعهم وأهدافهم في الاستحواذ والسيطرة على مقدرات البلد ، محاولة ناظم كزار ومهما لصقت بها من سيناريوهات ، كانت فرصة لصدام للتخلص من معارضيه الحقيقيين ناظم كزار ومحمد فاضل وعبد الخالق السامرائي بما يمتازون به من زهد وتصوف في حياتهم الحزبية بعيداً عن المظاهر بحياة بسيطة وبيوت متواضعة وإيمان بمشروعهم العربي القومي وتأيد حزبي وشعبي لهم ، في القضاء عليهم فتحت الابواب أمام البكر وصدام من أوسع أبوابها في أرتهان البلد ومصيره بيدهم وكملوا مشروعهم في القضاء على آخر ما تبقى بما يسمى ( البعث اليساري ) في قاعة الخلد عام 1979 . نقلا عن كتاب الباحث شامل عبد القادر . أن ناظم كزار قال لاحد رجاله حسن المطيري أذا لم أقتله والتخلص منه رأس الانحراف ويقصد صدام سوف أنتحر . كان ناظم كزار يقود جهازاً أرهابياً المتمثل بمديرية الامن العام لحزبا أرهبيا على المستوى الاخلاقي والسياسي لم تأخذه دوافعه الانسانية والفكرية والوطنية في الرأفة بمعارضيه ظل يلاحق أعضاء القيادة المركزية واحداً واحداً الا أن قضى عليهم تماما ، ومئات من الشيوعيين قتلهم في المعتقلات أو عبر طرق الاغتيال شاكر محمود ، ستار خضير ، محمد الخضري بالتنسيق مع صدام وأجهزته القمعية .
المخابرات السوفيتية ( كي جي بي ) . لها الدور الاكبر في فشل محاولة ناظم كزار في تمويه مخابراتي عراقي أن البكر وصدام ماضون في توقيع ميثاق العمل الوطني مع الشيوعيين وتحولات تقدمية لكنهم يعزون التلكأ والبطء الى معارضة كزار ورفاقه في الوقوف بالضد من هذا الانجاز الوطني . البكر وصدام ورفاقهم تمكنوا من تصوير صورة بشعة وساقطة بحق كزار ورجاله ومهنة القتل التي لصقت بهم وهذه هي الحقيقة في قصر النهاية وبهذا أرادوا وتمكنوا من أبعاد التهمة حولهم ودورهم القذر في ذبح خصومهم السياسيين في زنازين قصر النهاية . هنا برزت قوة البكر وصدام بالخلاص من منافيسهم الحقيقيين ، وبدأ صدام بتعزيز شبكاته الامنية بأستقدام أبناء عمومته وعشيرته . في عام 1979 قرر صدام بعزل الأب القائد البكر عن كافة مسؤولياته فالتجأ الى خاله وأب زوجته خيرالله طلفاح ليكن حكما وهو الخصم ، فذات صباح دعا خيرالله طلفاح الى بيته احمد حسن البكر وأبنه هيثم وعدنان خيرالله وصدام . وطرح طلفاح فكرة تنازل البكر عن مواقعه كاملة ، لكنه في البدء رفض وأشتد الموقف مما دعا هيثم أبن البكر يشهر سلاحه ويطلق النار ويصاب عدنان خيرالله بيده ، هنا حسم السجال صدام وقال للاب القائد البكر ، لم يعد لك شيء في مؤسسات الدولة ولا في المخابرات ولا حتى في الحرس الجمهوري ما أمامك خيار الا هذا البيان المكتوب سلفا تخرج على شاشة التلفزيون وتعتذر من الناس بلتنحي عن كافة مسؤلياتك ، وفي المساء دعا البكر الى إجتماع قيادي طاريء على مستوى رفيع من قيادات الدولة . وأعلن أمام الحاضرين قراره بالتنحي عن مواقعه ومهامه لاسباب صحية وتسلم القيادة الى الابن البار صدام حسين ولم يعرفوا تفاصيل الاجتماع الذي عقد في الصباح في بيت خيرالله والذي دعا له لأمر هام . كان في يومها صدام يسجل ملاحظاته عن ردود الافعال ومواقف الرفاق . وقف أول الحاضرين عدنان الحمداني مخاطبا الاب القائد بالعدول عن الفكرة ونحن على أبواب توقيع ميثاق العمل القومي مع الشقيقة سوريا . ونهض غانم عبد الجليل رافضا الفكرة بتنحي البكر وتسليم المسؤوليات الى النائب صدام حسين . وأجهشوا بالبكاء محمد عايش و محمد محجوب ، بعد يوم من تلك الحدث الدراماتيكي ، دعوا الى إجتماع طاريئ آخر في قاعة الخلد والتي سميت مذبحة ( قاعة الخلد ) هنا تمكن صدام حسين في القضاء على آخر ما تبقى من قيادات البعث في مشهد مسرحي هزيل سيناريو وأخراج ، ميلودراما تراجيديه أدى البطولة بها محي عبد الحسين المشهدي والبطل في نهاية المشهد أعدم . إعتقل ٥٥ بعثي قيادي وأعدم 22 منهم بأسرع محكمة تاريخية والبقية ماتوا أغلبهم في السجون وليتوج صدام رئيساً للدولة ورئيس مجلس قيادة الثورة بلا منازع وتهتف الجموع بروحه وتسطر القصائد بخصاله وبحب القائد ، وفي لحظة تاريخية دراماتيكية ترفع صور الاب القائد من على حيطان دوائر الدولة والساحات والواجهات الشعبية والرسمية وبدون ذكر ولا أثر وليرسموا بوصلة العراق نحو الحرب والفوضى والدمار ولينتهي المطاف به ساحة للنزاعات الطائفية والعشائرية والارهاب والاحتلال .
ناظم كزار يشكل جزء مهم من أشكالية عراقية بمرحلة معقدة من تاريخ العراق السياسي وصراعاته كانت في أوجهها على المستوى الداخلي والتقاطعات المحيطة بالبلد . فعندما تتناول تلك الشخصية ليس بالضرورة أن تكون من المتعاطفين معه أو من المؤيدين لافكاره وتبنيها ، وهذا ينطبق أيضا على أي حدث تاريخي أو واقعة المهم والمريود منه أن تتجلى الحقائق في صورها الحقيقية بعيداً عن الرتوش المنمقة . في العالم الغربي جل الباحثين والدارسين ينقبون عن أحداث وشخصيات تركت ظلالات مغشوشة وسيئة ومؤلمة لتوعية الاجيال القادمة ، أما في عالمنا العربي حدث ولا حرج في رقي ديمقراطيته المستبدة والمستعمرة ، عندما تتناول شخصية أو حدثا يتقاطع مع أفكارك تتعرض للتهميش والاتهام ، فكيف نبني شعوبا وثقافات وأفكار وتطلعات ، ومن خلال أطلاعي على كتاب الباحث شامل عبد القادر حول سيرة ناظم كزار ، كان في كثرة من الجوانب والتفاصيل ملماً بها ومعتمداً على وقائع وأحداث وشهود ، وتمكن من أظهار جوانب خفية من حياة ناظم كزار قد لا يعرفها العديد من المتابعين والمعنيين . سيبقى ناظم كزار واحد من مجرمي البعث في أشد حقبة من تاريخ العراق السياسي دموية وصراخاً ، في الذاكرة الجمعية العراقية دماء وغياب رفاق وأهل .
محمد السعدي
مالمو/ديسمبر ٢٠٢٠