مهندسو النفط عاطلون في عراق النفط
عاد خريجو كليات الهندسة للتجمع يوم الأحد الماضي، احتجاجا، أمام مقر مصفى الشعيبة، غرب مدينة البصرة، جنوب العراق. سبب العودة هو عدم استجابة الحكومة لمطالبهم في التعيين بشركات النفط. وكانوا قد تظاهروا قبل ذلك بايام، وقطعوا الطريق المؤدي الى المصفى، بعد أن شكّلوا حاجزا لمنع الموظفين من الدخول. وتعتبر مصفاة الشعيبة واحدة من اهم وحدات تكرير النفط في الجنوب.
هذه ليست المرة الأولى أو الثانية التي يحتج فيها خريجو كليات الهندسة سواء في محافظة البصرة أو بقية أرجاء العراق. فقد سبقها عديد الاحتجاجات، في السنوات الاخيرة، حيث كان الخريجون في واجهة المتظاهرين في انتفاضة تشرين/ اكتوبر 2019، المطالبين بوطن يتمتعون فيه بحقوقهم الأساسية ومن بينها حق العمل. وشهدت الشهور الاخيرة، مع زيادة انتشار فايروس كورونا ونسبة العاطلين عن العمل، تكثيفا في الاحتجاجات.
ففي يوم 4 تشرين الثاني/ نوفمبر، خرج مئات الخريجين المعتصمين منذ 120 يوماً في مسيرة احتجاجية سلمية راجلة، جابت الشوارع المحيطة بشركة نفط البصرة للمطالبة بتوفير العمل لهم. إلا أن التجاهل الحكومي أدى الى تطوير الاحتجاج وفي يوم 19 تشرين الثاني/ نوفمبر، قام عدد من الخريجين باغلاق مدخل البئر النفطي 20 ومدخل بوابة شركة نفط البصرة، في خطوة تصعيدية عسى أن يجلب ذلك الانتباه الى وضعهم المتأزم إلا أنهم قوبلوا بالصمت الحكومي المطبق. فأصدروا بيانا يوم 9 كانون الاول/ ديسمبر خاطبوا فيه رئيس الوزراء ووزير النفط ونواب المحافظة ومدير الشركة بالإضافة إلى الشركات النفطية كافة بخصوص وضعهم ومطالبتهم بتصديق الوعود التي قطعوها لهم بشأن التعيين.
ساهم الخريجون، على اختلاف اختصاصاتهم، في المظاهرات والاعتصامات المطالبة بالعمل، منذ احتلال البلد وتسنم الفاسدين المناصب في محاصصة تُجّذر وجودهم. ويقدر البنك الدولي أن نسبة البطالة بين الشباب في العراق تبلغ 36 بالمئة، مقارنة بمعدل البطالة الوطني البالغ 16 بالمئة. ومن بين هؤلاء الشابات والشباب العاطلين وغير القادرين على تكوين أنفسهم ودعم عوائلهم، هناك أكثر من مليون ونصف المليون ممن تخرجوا منذ الاحتلال من الجامعات والمعاهد العالية بجميع الاختصاصات. وبصرف النظر عن تدني المستوى التعليمي فهم أعلى فهما وقدرة وجدوى ممن تجندهم او توظفهم الكتل الحاكمة وميليشياتها من الأميين أو ذوي الشهادات المزيفة. مما يثير تساؤلا حول أهمية خريجي كليات الهندسة بالتحديد؟
والجواب هو أن لمطالبهم خصوصيتها، كونهم أبناء بلد يحتل المرتبة السادسة عالميا كأكبر منتج للنفط خلال عام 2019، بعد أمريكا والسعودية وروسيا وكندا والصين، اضافة الى أن بلدهم يملك خامس أكبر احتياطي للخام في العالم، يمثل 18 بالمئة من احتياطيات الشرق الاوسط وتقريبا 9 بالمئة من الاحتياطيات العالمية للنفط. إلا أن القاء نظرة واحدة على أوضاع شعوب البلدان الخمسة، عموما، من الناحية الاقتصادية والرعاية الصحية والاجتماعية وفرص العمل، بالمقارنة مع العراق، والاستهانة بالمواطن ومحاربته في لقمة عيشه، أكثر من كاف لفهم سبب المظاهرات والاعتصامات المستمرة فيه والتي يدفع الشباب ثمنها بتكلفة باهظة الثمن.
أدى سوء تقديم الخدمات والفساد المستشري إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة والفقر في العراق إلى مظالم عامة حتى قبل انتشار الوباء العالمي
إن ما يطالب به خريجو الهندسة بسيط بساطة استنشاق الهواء وهو حقهم بالعمل في حقولهم النفطية، أي في حقول يفترض أن تكون ملكهم كمواطنين عراقيين، مؤهلين للعمل في مجال اختصاصهم الذي قضوا سنوات وهم يستعدون له ولهم الأولوية في العمل وهو حق من حقوقهم وليس منة تتفضل بها شركات النفط الأجنبية مثل أكسون موبيل الأمريكية وبي بي البريطانية ورويال دتش شل البريطانية الهولندية، فضلا عن الشركات الصينية والروسية المهيمنة على حقول النفط والتي تفرض تعيين المهندسين والأيدي العاملة الأجنبية بجنسيات باكستانية وبنغلاديشية وفليبينية بالاضافة الى البريطانية والأمريكية، بينما ينظر الى توظيف العراقي كنسبة تقع ضمن تصنيف استخدام « السكان المحليين» وليس أصحاب البلد ومالكيه. لذلك، من الطبيعي، أن يكون المهندس والتقني والعامل والحارس العراقي من أوائل من تنهى خدماتهم حالما تتعرض الشركات لانخفاض نسبة الأرباح أو تقليص الميزانية. مثال ذلك، ما تم في الآونة الاخيرة حين تم ارسال 15 ألف عامل عراقي الى بيوتهم عند انخفاض اسعار النفط.
يبرر النظام العراقي عدم قدرته على تعيين عموم الخريجين وتدهور الوضع الاقتصادي وازدياد الفقر المهدد 5.5 مليون عراقي ( حسب المرصد الاقتصادي للعراق التابع للبنك الدولي) بانهيار اسعار النفط وانتشار وباء كوفيد 19. الا ان هذا ليس صحيحا بل إنه فبركة مفضوحة لستر الحقيقة، وهي محاصصة الفساد النهمة بين أحزاب النظام ومؤسساته التي انتشرت قبل الوباء وحتى قبل ظهور داعش. وهذا ما يؤكده البنك الدولي في تقرير له في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، جاء فيه «أدى سوء تقديم الخدمات والفساد المستشري إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة والفقر إلى مظالم عامة حتى قبل انتشار الوباء العالمي». اذ ليس خافيا على أحد تبوؤ العراق مركزا متقدما في قائمة الدول الفاسدة بالعالم، كما أن حكومات الاحتلال المتعاقبة لم تؤسس لأية صناعة وطنية بل قامت بتحطيم ما هو موجود منها. اختفت الصادرات الوطنية مثل الرز، والفواكه المجففة، والمصابيح الكهربائية، ونواتج قطران الفحم، والإسمنت، والصوف، وجلود الحيوانات، والمنتجات النحاسية، والمواد الكيميائية المبلمرة، والشاحنات، وأجزاء السيارات، مما جعل العراق « من أقل الدول تنويعاً في الصادرات في العالم. في عام 2018، لم يكن سوى 4.1 بالمئة فقط من صادرات العراق يشتمل على أي شيء آخر غير النفط الخام، منخفضة عما كانت عليه عام 2004 عندما بلغت 8.5 بالمئة. وأدى التخلي عن المزارع والمصانع خلال سنوات الصراع إلى إضعاف القدرة الإنتاجية للعراق بشكل كبير. ونتيجة لذلك، فإن الحصة المشتركة للزراعة والتصنيع في الناتج المحلي الإجمالي للعراق انخفضت بنحو ثلاثة أرباع منذ أواخر الثمانينيات» حسب البنك الدولي.
بلا صناعة وبلا زراعة، ومع استخدام التعيينات الحكومية كأداة لتقوية الأحزاب الفاسدة على حساب الكفاءات والتنمية استنادا الى الانتاج والصناعة الوطنية، تؤكد يوميات الاحتجاجات في العراق كله، خاصة من قبل الخريجين، أنها باقية ولن تنتهي ما لم يحدث تغيير حقيقي على مستوى الوطن كله.
كاتبة من العراق