متى كان «بابا نويل» أسود البشرة؟
لنعترف. في عالم الأطفال، من أهم الرموز التي يغرسها الغرب في نفوس الأطفال أن البشرة البيضاء متفوقة على أهل البشرة السوداء. ومن أهم الأمثلة على ذلك في الغرب شخصية «بابا نويل»، فهو دائماً أبيض البشرة.
في المخازن التجارية الكثيرة التي تزدهر في الغرب في فترة عيد الميلاد، يجلس «بابا نويل» في ثيابه التقليدية وقبعته الحمراء ولحيته (البيضاء الاصطناعية) ويأتي الأطفال لالتقاط صورة تذكارية في حضنه.. و(بابا نويل) قد يكون رجلاً مفلساً يبحث عن عمل أو متقاعداً بحاجة إلى مال إضافي يجده في فترة عيد الميلاد لدى أصحاب المتاجر الكبيرة، الذين يزيد في عدد زبائنهم وجود (بابا نويل)، الأسطورة التي يصدقها الأطفال. ولكن «بابا نويل» هو دوماً أبيض البشرة.
أنا بابا نويل وأسود البشرة!
لم يجرؤ بعد أي مخزن غربي على أن يوظف رجلاً أسود البشرة ليكون (بابا نويل). إنها العنصرية التي تتجلى بعفوية في حياتنا المعاصرة ويتم غرسها في نفوس الأطفال الذين سيخاف بعضهم على الأرجح (في البداية) من بابا نويل أسود.
في الأفلام كلها التي تكثر على شاشات التلفزيون هذه الأيام بمناسبة اقتراب عيد الميلاد المجيد وطقوسه، لا نرى فيلماً واحداً فيه بابا نويل أسود البشرة. وباختصار، نغرس في الأطفال روح (العنصرية) ثم نلومهم حين يكبرون لأنهم كذلك.
إذا كنت أسود البشرة، تفوق!
يحبون أسود البشرة شرط أن يكون متفوقاً في حقل ما.. مثل الفرنسي تيدي راينر بطل العالم في رياضة المصارعة الحرة، ومبابي في كرة القدم، وسواهما. أي أن على أسود البشرة أن (يدفع) (خوة) التفوق ليتم قبوله. وما زال عالمنا المعاصر عنصرياً.
وليس على شاشات التلفزيونات الغربية، التي تدعي أنها ضد العنصرية، مذيع واحد لنشرة الأخبار أسود البشرة.. وما من مقدم برامج أو أي نجم سينمائي شهير مثل آلان دولون وجان بول بلمندو وجورج كلوني أسود البشرة إلا فيما ندر.
الشرطي يعاقب أسود البشرة المتهم بالسرقة، وذلك بقتله كما حدث لجورج فلويد الذي داس على عنقه شرطي أمريكي أبيض حتى قتله خنقاً. هل كان الشرطي سيفعل ذلك لو كان المتهم أبيض البشرة مثله؟
عيد الميلاد مناسبة لإنصاف الأسود
نسمع الكثير عن الدمية «باربي» التي تجلب المال لشركات صناعة الألعاب للأطفال.
وأظن أن لعب الأطفال بصورة عامة قلما تساوي بين أصحاب البشرة البيضاء والسوداء، بل لديها دمى سوداء البشرة من قبيل (رفع العتب)!.. كثيرون يشكون من لا مساواة الإنسان الأبيض والأسود، لكنهم يغرسون ذلك الشعور اللاصحي إنسانياً في نفوس الأطفال.. وأظن أن الوقت قد حان في القرن 21 من عمر التاريخ البشري للتكفير عن خطيئة رفع شأن أبيض البشرة لأسباب تاريخية يطول شرحها ولا مجال للخوض فيها، منها إحضار الرجال السود عنوة من إفريقيا ليعملوا كعبيد في قارات أخرى.
تبديل الأسماء لا يلغي الحقائق
ثمة صحوة بشرية ضد العنصرية نحو السود، ولكنها ما زالت لا تتعدى تبديل بعض الأسماء.
ففي رواية بوليسية لأغاثا كرستي (عشرة عبيد صغار) تم ألغاء كلمة عبيد من العنوان وصار حين تحول مؤخراً إلى مسلسل تلفزيوني «كانوا عشرة».
وهذا ينسحب على (تهذيب) فيلم (ذهب مع الريح) عنصرياً، حيث الخادمة سوداء البشرة دائماً وغبية ومسلية (ذلك كله لا يكفي). المهم الاقتناع داخلياً في عصرنا أن الأبيض ليس أفضل من الأسود.. بل هو إنسان يساويه في الإنسانية والمزايا والأخطاء البشرية والعيوب، وكل ما في الأمر أن لون بشرته له خصوصيته.
أتساءل دائماً: أين «ماما نويل»؟ ولماذا فقط «الذكر»، بابا نويل هاجس آخر: تطل علينا هذه السنة أعياد الميلاد التي يحتفل بها الغرب تحت سطوة أمير الموت الحالي وباء كورونا (كوفيد 19).
ميغان نصف السوداء والأمير هاري
نتذكر عرس الأمير هاري، حفيد ملكة بريطانيا اليزابيث، مع ميغان الأمريكية المطلقة والممثلة والنسوية ذات الشخصية القوية.
ففي ذلك العرس حضرت والدتها دوريا سوداء البشرة إفريقية الأصول؛ أي ترجع بأصولها إلى «العبيد» الذين أحضرهم البريطانيون وسواهم من إفريقيا، ناهيك عن الكاهن أسود البشرة الذي ألقى خطبة الزواج وقام بالمراسيم الدينية في حضور الملكة اليزابيث وآل وندسور، أي العائلة الملكية.
ولكن الأمير المتمرد منذ صغره هاري، ابن الأميرة ديانا وولي العهد شارلز، انحاز إلى زوجته ميغان التي جاء في عدة كتب حول علاقتهما صدرت مؤخراً وتُجمع على أن القصر الملكي كان يعامل ميغان باستخفاف، ويدعوها البعض (راقصة الأمير!) وقيل إن سبب مغادرة الأمير هاري لوطنه (وتجريده من لقبه الأميري) سببه شجاره البريطاني (البارد) مع شقيقه وليام ولي العهد (الثاني بعد والده) الذي نصحه بالتروي قبل زواجه من ميغان، أي بلغة باردة مهذبة أن هذا الزواج لا يصلح للعائلة المالكة.. وصدر مؤخراً كتاب بعنوان (اخترنا الحرية) وكتب أخرى من وجهة نظر أخرى تدعم ميغان والأمير هاري.. هذا بينما سخرت بعض الصحف من الأمير هاري الذي سيضطر للحياة مع حماته (السوداء) دوريا.. كما كتبوا!
وجوهر ذلك الكلام كله احتقار ضمني لأصحاب البشرة السوداء أو الذين تسيل في عروقهم بعض من دماء إفريقية الأصل، وذلك يستفزني على الرغم من أنني شامية عتيقة لا تسيل في عروقي إلا دماء الشام.
الإمبراطور كورونا وعيد الميلاد
أتساءل دائماً: أين «ماما نويل»؟ ولماذا فقط «الذكر»، بابا نويل هاجس آخر: تطل علينا هذه السنة أعياد الميلاد التي يحتفل بها الغرب تحت سطوة أمير الموت الحالي وباء كورونا (كوفيد 19).
ولعل تلك المناسبة لا تكون من أسباب انتشار ذلك المرض اللعين.
وأذكر جيداً ازدحام الأطفال خلف واجهات المخازن الكبرى للعواصم الأوروبية التي تتقن في تزويدها بالدمى المتحركة، وكنت أحشر نفسي بينهم في باريس أمام واجهات “غاليري لافابيت” و”برانتان”، لأن الطفل الذي ما يزال يقيم في داخلي يحب مشاهدة الدمى المتحركة والواجهات الاستثنائية كأي طفل يختبئ في أعماق كل كاتب.
وأفتقد دمية واحدة متحركة سوداء البشرة!