ليالي قصر الظلام بغداد 1969
كريم الزكي
مرة حاولت أن أبكي ولكن بدون فائدة كانت دموعي يابسة / في بداية الشهر الأول من سنة 1969 المكان قصر النهاية / الزنازين تحت ملعب التنس الملكي القديم تم بناء زنازين كثيرة بعرض متر وطول متر ونصف / ذكرى هزت كل كياني وأعصابي وجمد دمي في أحد الليالي السوداء في تلك الزنازين وانا نائم إيقضوني كنت احاول النوم من شدة البرد وبدون أي فراش حتى لو كان كارتون أو ورق صحف , كنت أحلم أن أنام وخاصة أنهم تركوني لبضعة أيام بدون تعذيب ..
بعد أن فتح الحراس (الجلادين) باب الزنزانة الحديدي وبشدة وقالوا لي جبنالك ونس تسولف وتقضي وقت معاه وكانوا حامليه والمسألة طبيعية لأن الكثير من المعتقلين لايستطيع المشي من شدة التعذيب ,, المهم في الظلام وضعوا الشخص بجانبي في تلك الزنزانة الضيقة وخرجوا بسرعة وبعد أكثر من ساعة الرجل لم يتكلم , وحاولت التكلم معه ولكن بدون أن يرد علي , المسكين كان قد قضوا عليه بوقت طويل قبل جلبه الى زنزانتي وهو متوفى لأنه جسمه كان بارد جداً . و قبل شروق الشمس جاءوا وأخذوه من الزنزانة ,, تلك اللحظات كانت أقوى من كل التعذيب الذي شفته طوال أكثر من شهرين ,,, هزت كل كياني وبعد خروج الحراس أو الجلادين حاولت أن ابكي ولكن بدون فائدة . كنت في الثاني والعشرين من عمري . قاومت كل ظروف التعذيب ,, وبعدها تركوني لكي تجف جروحي وبعدها أما الإعدام أو أطلاق سراح , حسب حظ كل معتقل .. في تلك المقبرة كنا ننتظر كيف يتم دفننا وبأي طريقة وللأبد ,,
في تلك الليالي السوداء في قصر النهاية في العام 1969 قتل العشرات من حاملي الفكر النير والمثقفين والتقدميين من القوى الاشتراكية . كانوا يحملوا المتوفى في كيس ويرموه بعيداً عن قصر النهاية أو يضعونه في مثرمة اللحم والتي أستوردها ناظم كزار خصيصاً من المانيا الشرقية , وهي عبارة عن مثرمة للحديد لتقطيع السيارات أو غيرها ,, وجدير بالذكر هنا الرفاق !!!! الألمان الشرقيين جهزوا صدام وجلاديه بأحسن اساليب التعذيب والأبنية المخصصة لذلك , أحدها البناية المعروفه بالحاكمية في بغداد شارع 52 ,,
بعد تلك الليلة والتي هزت كل كياني ألماً وحزنناً على ذلك الرجل والذي لم أرى وجهه في تلك الليلة السوداء ,, كنت في طريقي نحو الموت المحقق من خلال البرد في ذلك الشتاء الموحش لمقبرة قصر النهاية .
كالمعتاد مساءاً يجلبون لنا وجبة الطعام وهي عبارة عن بقايا أكل حراس المعتقل حامليه في سطل ويوزعها أحد المعتقلين من المساكين اليهود المتهمين بقضايا التجسس من العراقيين ومعاه حارس يحمل رشاش ( غدارة ) , فقلت في نفسي خليني أطلب من هذا الحارس أن يجلب لي على الأقل كارتون أو ورق صحف لكي أنام عليه من شدة البرد والنوم على أرض كونكريتية لتلك الزنزانة , فقلت له ابو المروءة أريد أن تجلب لي كارتون أضعه تحت جسدي لأنني سأموت من شدة برودة الأرض وجدرانها التي تقطر ماءاً بحكم بناءها الجديد , كان الحارس يطلقون علية لقب الراوي (من مدينة راوة العراقية والقريبة من حدود سوريا), فلما سمع مني ما طلبته وبخني وغلق باب الزنزانة بشدة , وذهب مع حامل الأكل …
وبعد ساعات من تلك الليلة المظلمة وإذا بباب الزنزانة يفتح وتندفع نحوي بطانيتين جديدة طبعاً صباحاً رأيتها .. في هذه الخطوة هذا الرجل أنا مدين له بحياتي .. كان الراوي أشقر شبيه بالحارس الشخصي للطاغية صدام ( أرشد ياسين ),,
قبل معتقل ملعب التنس وزنازينه السوداء كنت في سرداب قصر النهاية في الشهر الأول من العام 1969 جاءوا بأبراهيم فيصل الأنصاري رئيس أركان الجيش في وقتها , وأدخلوه في السرداب وبعد أقل من عشرة دقائق ناداهم …. و أخرجوه من السرداب بسرعة ولم نراه بعدها ..
بحكم بقائي فترة طويلة , تم بناء معتقل جديد ..
في البناية الجديدة لغرف المعتقل وهذه غير تلك الغرف تحت ملعب التنس / كان أمام غرفتي وفي نفس الممر لتلك الغرف كل حكومة عبد الرحمن عارف و وزير الدفاع شاكر محمود شكري وأخيه ورؤساء الوزراء السابقين عبد الرحمن البزاز و طاهر يحيى ,,
المرحوم طاهر يحيى , زنزانته مقابل زنزانتي , كنت أتألم عليه كثيراً بكونه رجل كبير لأنه يوماً يأتي الجلادين ويتهجمون علية ويضربونه بشدة ويذهبون .. من صدف الزمن الراحل طاهر يحيى سبق وأن سعى مشكوراً لي وأطلق سراحي من السجن الرهيب نقرة السلمان في العام 1967 ,, وألتقينا مرة ثانية حيث كانت الأولى في وزارة الداخلية حين تم اطلاق سراحي بمرسوم جمهوري من ذلك السجن البغيظ نقرة السلمان وفي وقتها تعجب رجال الأمن كون طاهر يحيى يريدني في وزارة الداخلية , وهو كان يريدني أن أعرف فضله علي ونصاً قال هيا أخرج أطلقنا سراحك و صير عاقل ويلا طلعوه بلهجته العسكرية .. ألف رحمة على روحك أبا زهير ….
وللموضوع صلة
والبقية تأتي …..
3/1/2021