امرأة الجسر وعجوز لبناني لم تهزمه حروب عالمية وداخلية لكن هزمه الجوع والبرد
نشرت قناة «أم تي في» اللبنانية مؤخراً قصة مؤثرة عن امرأة تدعى خديجة حايك، من جنوب لبنان، تبلغ من العمر 83 سنة.
لم أجد عنواناً لتلك الحكاية أفضل من «امرأة الجسر». فذلك الجسر كان أحن من أهلها وأرحم من زوجها وأبنائها. لقد ضمها إليه وتبناها وعطف عليها لتصبح سيدته.
تزوجت خديجة وأنجبت خمسة أولاد. كانت تعمل ليل نهار، وتقدم كل ما تكسبه لأبنائها وزوجها، الذي كان يعنفها ويضربها بقسوة إلى أن جاء يوم وطردها من المنزل. ولم يتأخر في جمع أشيائه كلها والسفر بأبنائه إلى سوريا.
وجدت خديجة نفسها مشردة على الطرقات لا سقف لها ولا لقمة طرية تسد بها الجوع الكافر، الذي كان يطاردها من مكان إلى آخر..
لم يكن أمامها سوى الجسر تختبئ تحته من مطر الشتاء وبرده وحرارة الشمس الحارقة.
مرت الأيام صعبة. كانت تصارع فيها الليل، الذي كان يشتد يومياً محاولاً أن يطبق على أنفاسها. وفي يوم صدف أن خرجت امرأة مسيحية من الجوار لتتبضع. سيدة لم تكن تخرج من بيتها إلا نادراً. وقعت عينا تلك السيدة على خديجة. اقتربت منها وسألتها عن حالها ولمَ تنام تحت الجسر. أخبرتها قصتها كاملة!
فما كان من تلك السيدة، التي لم يُذكر اسمها إلا أن طلبت من خديجة أن ترافقها إلى منزلها وعرضت عليها العيش معها.
قالت لها بكلمات بسيطة، ولكنها تفيض بالمحبة: «تعي لعندي لحطك بقلبي». وفعلاً ضمتها إلى قلبها وإلى دارها فأصبحتا شقيقتين.
لم يفرق الدين بينهما، كما يحاول حكامنا يومياً تفرقتنا من خلال أحزابهم وتقسيماتهم وخططهم، التي تدور حول مصالحهم الشخصية.
لم تجد خديجة قلباً أحن من قلب تلك السيدة المسيحية، التي أحضرت لها الثياب والأحذية من كنيسة القديسة ريتا.
من يسمع القصة يعتقد أن تلك السيدة مقتدرة مادياً. ولكن المفاجأة أن حالها «على قدها» وبيتها متواضع جداً. هنا المفارقة. امرأة تدعم أخرى، رغم أحوالها الصعبة. وحكامنا يأكلون لقمة الفقير ويمرحون ويسرحون في قصورهم العالية المبنية فوق هموم الشعب!
لم تغلب الفوارق الدينية تلك الصداقة، التي ارتفعت أعمدتها بالمحبة والأخوة وتقبل الآخر كما هو. ولم تقف عند حاجز الفقر، فالفقير من قليله يعطي وكما يقول المثل: «بحصة بتسند خابية»!
المثير في هذه القصة – ليس فقط شهامة تلك السيدة الطيبة التي فتحت صدرها ودارها لامرأة التقت بها صدفة تحت الجسر – بل أيضاً دور الإعلام الحقيقي في حمل هموم الناس ومد يد العون لهم ببرامج تساعد على تغيير حياتهم نحو الأفضل.
لقد قامت أسرة «أم تي في» بالتبضع للسيدتين وشراء حاجاتهما وإدخال بعض الضوء بين طيات أبواب ذلك البيت العتيق والمفعم بالمحبة.
العم فرنسوا
قصة أخرى لا تقل وجعاً عن الأولى، ولكنها انتهت أيضاً بفضل قناة «أم تي في» اللبنانية، كما تنتهي قصص الأطفال بفرحة عامرة…
هل تذكرون العم فرنسوا؟ هل تذكرون ضحايا انفجار مرفأ بيروت؟ العم فرنسوا ذلك الرجل المسن الطيب، الذي هز الانفجار حيطان بيته وغطى الدخان أعمدته تاركاً وشاحه الأسود وخيالاته الجاحدة في زوايا المكان. تاركاً بيته مخلعاً مفتوحاً على جبروت الشتاء وعناد الرياح وظلمها. يبكي فتتحرك تجاعيده القديمة لتضيع الدموع في ثناياها. وهل هناك ما يحرق القلب والروح أكثر من دمعة عجوز؟ يحرك شفتيه المرتجفتين من قسوة الحياة قائلاً: لقد عشت ثلاثة حروب عالمية وثلاثين حرباً داخلية، ولكني لم أهزم كما هزمت اليوم! أشعر بالبرد القارس بالجوع بالتعب.
كل من شاهد العم فرنسوا بكى بحرقة. لكن مراسلي قناة «أم تي في» لم يتركوه منذ يوم الانفجار. زاروه في بيته عدة مرات وبثوا مشاهد من قلب الدار. بفضلهم تحركت جمعية «لبنان الغد» وجاء فريق من الجمعية إلى بيت العم فرنسوا وبدأت الترميمات.
كما اتصل به آلاف الأشخاص كلهم يبغون المساعدة. وأصبح نجماً والكل يناديه باسمه. واستحال البيت المدمر بفعل المحبة بيتاً من نور.
هكذا هي المحبة ترفع أصحابها إلى أعلى مراتب الفرح. فالملفت ليس فرحة العم فرنسوا فحسب، إنما فرحة كل من دخل بيته وقدم له المساعدة.
لقد أثبتت قناة «أم تي في» أنها قناة الشعب بلا منازع تحمل همومه وتساعده على استعادة الحلم من جديد.
مريم مشتاوي