أن الإسلام ليس ديناً وأن المسلمين أناس حرب.
مريم مشتاوي
فيما تتوحد جهود العالم لإيجاد حلول سريعة لمواجهة جائحة كورونا والتقليل من تداعيات انتشار الفيروس، الذي تجاوز عدد ضحاياه المليونين وفقاً لإحصائيات مركز مستشفى جامعة جون هوبكنز في الولايات المتحدة الأمريكية، يفاجئنا رئيس أساقفة اليونان أيرونيموس، في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، بتصريحات نارية حول الإسلام والمسلمين، تنال من عقيدتهم ونبيهم.
لقد زعم رجل الدين اليوناني، خلال حوار مع محطة «أوبن تي في» حول حرب الاستقلال اليونانية، أن الإسلام ليس ديناً وأن المسلمين أناس حرب.
وقال بالحرف الواحد: «إن الإسلام وأتباعه ليسوا ديناً، بل حزب سياسي طموح وأناس حرب (..) توسعيون، هذه خصوصية الإسلام، وتعاليم محمد تدعو إلى ذلك».
وقد أثارت هذه التصريحات المستفزة ضجة واسعة على السوشال ميديا، مما أضطر المتحدث باسم أيرونيموس إلى إصدار بيان يوضح فيه بأن المقصود «هو تحريف الإسلام من قبل المتطرفين» مؤكداً احترام الكنيسة اليونانية لكل الأديان.
كما أضاف أن «رئيس الأساقفة وجميع مطارنة كنيسة اليونان يحترمون جميع الأديان المعروفة ويعاملون جميع المؤمنين بالحب والتضامن المسيحي، الذي لا يعرف أي تمييز، من خلال جميع أعمالهم ومبادرات خاصة في المجالات الاجتماعية والخيرية».
وأوضح أن «كل ما قاله رئيس الأساقفة عن الإسلام، في سياق مقابلته التلفزيونية الأخيرة حول مساهمة كنيستنا في ثورة 1821، لم يكن يقصد شيئا أكثر من تحريف الدين الإسلامي من قبل الأصوليين المتطرفين، الذين يزرعون الإرهاب والموت في جميع أنحاء العالم».
وأشار المتحدث إلى أن «هؤلاء هم بالضبط الأشخاص الذين كان رئيس الأساقفة يشير إليهم، أناس يستغلون الإسلام ويحولونه إلى سلاح مميت ضد كل من لهم رأي مختلف عنهم».
بالطبع كان من الممكن أن يمر هذا التصريح بدون أي ردود فعل لو جاء على لسان باحث أو شخصية لا تحمل صفة دينية أو سياسية. وكان بالإمكان أن تتم مناقشة مثل هذه التصريحات وتفكيكها وكشف هشاشتها لو عرف عن صاحبها رجاحة عقل ومنطق، ولا تمس في عمقها بمعتقدات أكثر من ملياري مؤمن.
لكن المصيبة تكمن في أن من أطلق هذه التصريحات رجل دين، يفترض أن يكون «معتقاً بأخلاق المسيح» الذي يدعو إلى التسامح والمحبة.
ألم يُذكر في إنجيل لوقا 6: 29:
مَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ فَاعْرِضْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا، وَمَنْ أَخَذَ رِدَاءَكَ فَلاَ تَمْنَعْهُ ثَوْبَكَ أَيْضًا.
وإنجيل يوحنا 4: 8,7
أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ. وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ.
وكورنثوس 14:5
لأَنَّ كُلَّ النَّامُوسِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يُكْمَلُ: «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ».
وغيرها وغيرها من الآيات التي تشدد على المحبة والأخوة والتسامح وتقبل الآخر.
تعاليم حفرت ينابيعها في قلوب المؤمنين. وجعلتهم يتعايشون مع أحبة من أديان مختلفة بتناغم واحترام متبادل.
أين هي المحبة؟
المؤسف حقاً أن رئيس الأساقفة تغاضى عنها كلها في حواره. كذلك بدا جاهلاً بالإسلام وتعاليمه. ولو كان غير ذلك لأدرك أن الإسلام ينتصر للعقل والمنطق. كان حريا به أن يحيد الدين عن الحساسية التاريخية بين «تركيا واليونان».
وكان الأجدر به أن يعكس في حواره شيئاً من المحبة التي نادى بها المسيح أو أن يمتلك أدوات الجدل التي نادى بها الإسلام وكانت من أساسيات التحاور مع الآخر المختلف.
فقد ورد في القرآن الكريم: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وفي سورة النحل تقول الآية الكريمة: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
ماذا كان سيخسر أيرونيموس لو جادلنا بعقله وقلبه عن الأصوليين و»الإسلام المختطف» كما جاء في بيانه؟
ألا يدرك أن مثل هذه التصريحات المستفزة ستغذي العقول الأصولية، وتنمي الكراهية بين الشعوب، وتخدم بكل أسف نبوءة صموئيل هنتنغتون التي تقول بصدام الحضارات وصراعاتها.
أزعم أنه يعرف ذلك وأكثر.
حان الوقت أن تكون هناك رقابة أكبر على التصاريح والخُطب والبيانات التي يطلقها رجال الدين. نحن في زمن لا يحتمل المزيد من الخلافات والانشقاقات والصراعات.
لذلك يجب أن تتوحد وتتمحور كلها في مختلف سياقاتها حول أهمية المحبة والتعايش مع الآخرين وتقبلهم واحترام الأفراد على اختلاف دياناتهم.
كاتبة لبنانيّة