النجاح المُدمِّر والفشل الناجح!
في فترة أعياد رأس السنة المنصرمة، أعاد التلفزيون الفرنسي عرض فيلم «أمي لقد فاتتني الطائرة» من تمثيل الطفل يومئذ ماكولي كولكين (9 سنوات) وكان رائعاً في تمثيله، ونجح الفيلم 1990ـ مادياً وامتدحه النقاد. وأعاد التلفزيون الفرنسي أيضاً بث الجزء الثاني من الفيلم، حيث تفوت الطائرة أيضاً الطفل (الممثل ذاته) وحقق من جديد نجاحاً تجارياً وفنياً، حيث أبدع الطفل ماكولي كولكين في تمثيله المقنع وأحداث الفيلم المشوقة. ومرت الأيام وكبر الممثل منذ 1990 حتى 2020 واقترب من الأربعين من العمر دون أن يقدم في السينما نجاحاً يوازي نجاحه أيام كان طفلاً بما لا يقاس، حتى أن الكثيرين نسوا اسمه. والمبدع الطفل (بضاعة استهلاكية) وربما كان على الأهل أن يفكروا بذلك قبل توقيع عقد يدر المال عليهم، لكنه يدمر مستقبل أولادهم، وكان عليهم تعليمه مهنة ما كالطب والمحاماة، أو مهنة يدوية كبقية البشر، فالنجومية شمس سرعان ما تغرب.
النجم الطفل صار منسياً!
ذكرني بما تقدم إعادة عرض الفيلمين المذكورين الناجحين جداً إلى جانب صورة شاهدتها في مجلة فرنسية (كلوسر) حيث نرى طفل الماضي ماكولي رجلاً أربعينياً بلحية يمثل أفلاماً فاشلة ويتنزه في شوارع لوس أنجليس مع صديقته الممثلة نصف المغمورة، لكن النجم الطفل سابقاً ماكولي كولكين يجر أمامه عربة صغيرة لطفل، لا نرى في الصورة طفلاً له بل قطاً أبيض ضخماً. من غير المألوف أن نرى رجلاً يجر أمامه عربة خاصة بالأطفال، ولكنها تحتوي قطاً!
يشعر من يرى الصورة أن ماكولي كولكين يحاول لفت الأنظار إليه بأي وسيلة، وذلك يثير الإشفاق على النجم السابق حين كان طفلاً رائعاً ناجحاً، والرجل الحالي نصف الفاشل سينمائياً.
السينما في حاجة إلى ممثلين في سن الطفولة، ولكن ربما كان على الأهل جعلهم يتابعون الدراسة ويتعلمون حرفة أخرى، فالنجاح في السينما للأطفال مقامرة خاسرة غالباً. وكأم، حزنتُ حينما شاهدته يجر قطاً في عربة لطفل، كمتسول لشهرة حظي بها طفلاً، وطحنته هوليوود بعدما استهلكته. ولدينا في السينما العربية أمثلة مشابهة.
صوت استثنائي لشاب يكاد نجاحه يدمره
ثمة برنامج أسبوعي تلفزيوني ناجح في القناة الباريسية رقم 6 أراه كل أسبوع، اسمه: «في فرنسا مواهب كبيرة» ونرى كل أسبوع في البرنامج مبدعين في مباراة، الفائز فيها يحصل على الجائزة وهي مبلغ 100 ألف يورو (أي حوالي 130 ألف دولار) وهو مبلغ كبير طبعاً. فاز بالجائزة مؤخراً شاب يدعى جان بابتيست غيفان، لأنه غنى بصوت هو نسخة طبق الأصل عن صوت الشهير في أوروبا جوني هاليداي، الذي خرج في جنازته في باريس قبل ثلاثة أعوام مليون معجب وتم إغلاق شارع الشانزيليزيه الباريسي في وجه السيارات!
جوني هاليداي يعود حياً؟
قلت لنفسي: هذا شاب وسيم صغير السن بصوت جوني هاليداي، ولكن هل بوسعه (الاعتياش) من تقليده دائماً! ودوماً يخطر ببالي أن تقليد المشهور يدمر نفسية المقلد، وهو ما حدث حتى الآن لجان باتيست (الشبيه)إذ نقلت الصحف والمجلات مؤخراً أنه صار مدمناً على الخمرة وانهار نفسياً، ووضعه العائلي في زلزال.
صرت صديقاً لزجاجات الويسكي!
يقول جان باتيست، كما نقلت مجلة «بوبليك» الفرنسية: «أجلس وحيداً مع الويسكي، إنه الصديق الوحيد الذي أعرفه» هذا بعدما هجرته زوجته «ناريج» والدة أطفاله الثلاثة.
كثير من الذين يقلدون مشهورين بنجاح أحياناً ينتهي الأمر بتدميرهم لذاتهم، ولعل هذا الشاب جان باتيست يحاول الخروج من دائرة تشابه الأصوات والأسماء، ويبني لنفسه مستقبلاً مستقلاً عن القليد اللامجدي إلا (كدعاية) أولى.. لكنها لا تكفي لبناء اسم قادر على البقاء.
ويقول المنتج الفرنسي الشهير جون كلود كامو، في مجلة بوبليك (18 ديسمبر/كانون الأول) عن جان باتيست صاحب الصوت الذي يكاد يكون نسخة عن صوت جوني هاليداي: «حينما أغلق عيني وأنا أستمع إلى جان باتيست، أظن أنني أستمع إلى جوني، وحين أفتحها وأرى جان باتيست أدرك أنه ينقصه أمر مهم، هو الجاذبية الإنسانية (الكاريزما) لجوني!.. والحقيقة أن ما ينقصه هو الكف عن تقليد جوني واختراع نفسه وفنه.. أعرف الكثير من الذين استغلوا تشابه الأسماء أو الأصوات ونجحوا لفترة، ولكن الإنسان في حاجة إلى أن يكون نفسه لكي لا يدمر نفسه..
وعليه الجرأة على الاستغناء عن التشابه المفيد في المرحلة الأولى أعلامياً شرط أن يكف عن استغلال رصيد لم يتعب في جمعه!
حفيدها أم زوجها؟
شاهدت صورتها في المجلات الفرنسية ومنها مجلة (كلوسر) سيدة مسنة اسمها إدنا (88 سنة) وشاب يدعى سيمون مارتان (50 سنة) عاشقان ومتزوجان منذ 15 سنة من الحب الملتهب!
وهو يبدو في الصورة كما لو كان حفيداً لها ولكنه زوجها، وتزوجا لاشتعال الحب المتبادل، فالمرأة (إدنا) لا تملك ثروة ليطمع في الميراث بعد موتها. إنهما ببساطة زوجان عاشقان. ثمة حكايات نتوقع لها النجاح كغناء جان باتيست.. وثمة نجوم من أمثال ماكولي كولكين ودانييل رادكليف (ممثل دور هاري بوتر) الساحر الصغير نتوقع لهم النجاح أيضاً حين يكبرون، فيفشلون حتى تدمير الذات أو جعلها سخرية كمنظر كولكين وهو يجر عربة طفل ولكنها تحتوي قطاً!.. أما عن إدنا وسيمون: في البداية ينفر البعض من زواجهما، لكن علينا أن نتذكر لا مبالاتنا بزيجات يكبر الرجل فيها المرأة بسنوات طويلة جداً ولا يثنيه الكثيرون لذلك ويكاد يبدو أمراً عادياً.. فلماذا يحق للرجل الزواج من امرأة تصغره بأعوام طويلة ولا يحق ذلك لامرأة تصادف أن من أحبته يصغرها بـ38 سنة لكنه يحبها وتحبه؟ هذا الزواج كان الفشل مقدراً له بالإجماع تقريباً، وها هما معاً بعد 15 سنة من الزواج والعشق يتوجهما. أتذكر في لبنان من زمان أن النجمة المطربة الراحلة صباح تزوجت من شاب وسيم وناجح من أسرة لبنانية معروفة، لكنه يصغرها سناً بكثير، وسخر منها العديد من المجلات والصحف.. ودافعتُ عنها يومئذ لأن أحداً لا يجد زواج رجل في لبنان من امرأة تصغره أمراً مرفوضاً، والعكس ليس مقبولاً اجتماعياً.
الكثيرون توقعوا لهذا الزواج الفشل، لكنه كان ناجحاً في دحر الفشل.
إنها الحياة: نجاح فاشل، وفشل متوقع لكن النجاح يكلله!