الطموح المرضي . . ؟
هل تمتلك الكثير من الأبقار . . ؟
في احدى الأيام بينما كان بوذا يستمتع بتناول غداءه برفقة 30 او 40 من الرهبان , مر بهم مزارع و قد بدت على وجهه أمارات الحزن , و ما ان لمح تجمعهم حتى بادرهم بالسؤال عما اذا كانوا قد شهدوا ابقاراً تمضي في هذا الاتجاه , و قد أجابوه بأنهم لم يروا تلك الابقار هنا.
فأردف المزارع قائلاً :” يا ايها الرهبان انا حزين جدا , فأنا امتلك اثنتا عشرة بقرة , و لا اعلم لمَ فرت تلك الابقار بعيدا عني, كما كنت امتلك ايضا فدان مزروع من السمسم , و قد قضت عليه الحشرات و اتلفت محصولي , إني اعاني الكثيرجراء ذلك و افكر جدياً في قتل نفسي”.
أجابه بوذا بأنه لم يشهد ابقارا تمر من هنا , وطلب اليه تغيير اتجاهه في البحث , لربما سيمكنه ذلك من العثور على ضالته . . لذا شكر المزارع بوذا و غادر المكان .
التفت عندها بوذا بأتجاه الرهبان قائلاً : ” اصدقائي الاعزاء , إنكم أُناس محظوظون حقاً , بل و الاسعد بين سكان العالم , فأنكم لا تمتلكون اية ابقار للقلق بشأن فقدانها”.
لهذا السبب و لأجل ان تحظى بالسعادة عليك تعلم و اتقان “فن التخلص من البقر” , في البدء سوف تعتقد بأن تلك الابقار هي جوهر سعادتك , و ستسعى للحصول على المزيد و المزيد منها .
و لكن عندما تتقن فن التخلص منها فقط ستدرك بأن سعادتك لم تكن مشروطة بتلك الابقار , بل على العكس إنها باتت العائق و العقبة في سبيل وصولك الى جوهر بهجتك الحقيقية , لذا ستصمم على التخلص منها جميعاً.
هذه القصة توضح بأسلوب رمزي بسيط , ما تحاول الدراسات الحديثة الكشف عنه بخصوص الصلة الوثيقة بين كل من الطموح و بعض الاضطرابات النفسية من قبيل ” الاكتئاب , و القلق , و اضطراب ثنائية القطب” و غيرها من الاضطرابات النفسية الاخرى , ففي أحدى الدراسات المنشورة عام 2014 في مجلة (علم النفس و العلاج النفسي : النظرية , البحوث , و الممارسة ) (psychology and psychotherapy :theory , research , and practice) . اذ أجرى الباحثون في جامعة كاليفورنيا , دراسة لتقييم كل من ( قيمة الذات – بتضخيمها او التقليل من شأنها – , و الدافع الى السلطة ) لدى عينة تألفت من 600 شخص ما بين ذكور و اناث , توصلوا من خلالها الى حقيقة وجود صلة ما بين قيمة الذات لدى الافراد و الدافع الى السلطة من جهة و ما بين بعض الاضطربات النفسية بضمنها (الاكتئاب , القلق , و أضطراب ثنائية القطب ) من جهة اخرى .
و قد عقبت شيري جونسون استاذة علم النفس في جامعة كاليفورنيا حول الموضوع موضحة ان الاشخاص الذين أفادوا خلال الدراسة بعدم شعورهم بالفخر بأنجازاتهم اي (قيمة متدنية للذات), بالأضافة الى احساس ضئيل بالسلطة هم الاكثر عرضة للأكتئاب و القلق.
لذا فأن من اهم الفنون التي يتوجب علينا اتقانها في عصرنا الحالي هو “فن التخلص من البقر ” ذاك , في ظل تزايد الابقار يوما بعد يوم و بمسميات مُغرية ( طموح –اهداف- نجاح . . الخ ) , أي كل ما من شأنه دفعنا الى المزيد من الامتلاك , المزيد من ضياع للنفس و تلاشي للجوهر بعملية تشييء لاواعية .
و المقصود هنا (ممارسة هذه الرغبة في تحقيق الاهداف او النجاح . . الخ بطريقة مرضية يفقد فيها الشخص الاحساس بقيمته كذات حقيقية و يبدأ بأستمداد معنى و قيمة الذات من اشياء خارجية ) , مما يدفعه الى السقوط فريسة الامراض النفسية بمجرد انتفاء وجود تلك الاشياء.
مثال ذلك قضية روبرت أودنيل ( و هو مسعف امريكي قام بأنقاذ شابة كانت قد سقطت في بئر , و ذلك عام 1987) , و قد اتخذ بعض الباحثين في علم النفس هذه القضية كدليل على صحة نتائج الدراسات المؤكدة للصلة بين النجاح و الشهرة من جهة و الاكتئاب من جهة اخرى , أذ حقق روبرت شهرة كبيرة سرعان ما انطفيء فتيلها بعد فترة من حادثة الانقاذ , مما ادى بروبرت الذي كان قد استحسن الثناء و أدمن الاهتمام (أي اصبح اهتمام الناس هو مصدر قيمة الذات لديه) الى الاصابة بالأكتئاب ,لينتهي به الامر الى الانتحار بأطلاق النار على رأسه حيث عُثر على جثته داخل شاحنته في احدى طرق تكساس!
بقلم الكاتبة
زينب كاظم