الخميس الدامي.. وكل يومٍ دامٍ!
كانت ساحة الطيران بوسط بغداد، ممراً للعابرين إلى مساطر(تجمعات) العمال، والموظفين الصّغار بدوائر الدولة. يحتشد فيها الباعة المتجولون، جموع تعاند العوز. تأتي الجموع الغفيرة صباحاً مِن مدينة «الثورة»، وذروة الازدحام في طرفي النهار. على خطوات منها جدارية «السَّلام» لفائق حسن(ت 1992)، حيث حديقة الملك غازي التي تحولت إلى «الأمة» وخطوات من الجدارية «نصب الحرية» لجواد سليم(ت: 1961)، حيث ساحة التحرير، التي شهدت المتظاهرين حاملين أكفانهم، وراح منهم ثمانمائة متظاهر، مع ضحايا بقية السَّاحات.
شق تفجير هائل الجموع بساحة الطَّيران(الخميس21/1/2012)، وكان مزدوجاً، أي الإيغال في الجريمة. لخصت صورة جثة الفتى بائع الشّاي، المكفي على وجهه، وبقربه إبريق الشَّاي، معاني الجريمة، وهي توأم لصورة الطّفل السُّوري الغريق على ساحل اللجوء، الصّورة التي أصبحت أيقونة الإعلام في حينها، ثم نُسيت ونُسي الطفل، لتتجدد في بائع الشَّاي العراقي. ففي يومٍ مثل هذا، قال شاعر حجبت اسمه الحوادث الجسام: «ومغتربٍ بعيد الدَّار ملقى/ بلا رأس بقارعة الطَّريق»(المسعودي، مروج الذَّهب).
اعتبر فقهاء «الموت» الأحزمة الناسفة أدوات جهاد وانتصار، منهم مَن حبستهم حكوماتهم، لتمنع شرورهم، بعد اعتبار «الإخوان» وبقية الجماعات الإسلامية السياسية جماعات إرهابية. لكنَّ المنظمات (الإنسانيّة) رفعت عقيرتها بحقوق الإنسان، دون أن تضع لبائع الشاي، الذي مزقته فتاويهم، حساباً!
عندما سأل فقيه التنظيم الدولي الإخواني يوسف القرضاوي عن استعمال الحزام النَّاسف في التَّفجير، ربط شرعيتها بالعمل الجماعي، لا يجوز التَّفجير إلا بأمر الجماعة! قال: «لا بد أنَّ الجماعة رأت إلى أنه في حاجة إلى تفجير نفسه في الآخرين»(فيديو: 21/11/2015). يا شيخ وهل الحزام النَّاسف والتحضير لتفجير، مِن صنع فرد؟! وأنت تخاف على الفرد، ولا تهمك حشود المذبوحين!
يقابل القرضاوي، في القول بشرعية استعمال الحزام الناسف، مِن ضفة الإسلام السياسي الأخرى، فقيه «حزب الدعوة» ثم الجماعات المسلحة، محمد كاظم الحائري، الذي مازال يفتي بحريَّة، وله بالعراق مكاتب فقهية، ورقم خاص للإجابة على الاستفتاءات، مثل استفتاء جواز استعمال الحزام الناسف، وقتل الأبرياء مقابل إصابة هدف جهادي. يسأل ويُجيب: «هل يجوز الانتحار بالحزام الناسف»؟ الجواب: (إذا كان الانتحار سبباً لعمل «جهادي» مهمّ يهون دونه قتل النفس، جاز ذلك)، (الحائري، الفتاوى المنتخبة 1 ص 343).
أصدر الحائري عدة كُتب تُشَرِّع القتل: «دليل المجاهد»(1993)، و«الكفاح المسلح في الإسلام»(1982)، إضافة لـ «الفتاوى المنتخبة»(1996)، في هذه الكتب إباحة: قتل الأسير، سرقة الأموال بعنوان «مجهول المالك»، التفخيخ والعمليات الانتحارية، ضرب السجون، وإن كان فيها أبرياء، فالفوائد «الجهادية»، والعبارة له، «تهون دونها نفوس بريئة»، كتب حُشيت بمفردات: القتل، الصلب حتى الموت، قطع الأيدي والأرجل، نهب ممتلكات «الكافر» بحجة «غير محترم الملكيَّة» مِن قِبل «المجتمع الإسلامي ولا يحتاج هذا النَّهب إلى إذن الدولة ورخصتها»، ولا شرعية إلا لحكومة الإمام المهدي نائبه الولي الفقيه! لا أدري على أي منها يُشار إلى هذا الرَّجل المملوء حقداً وكراهيَّة بـ«آية الله»!
مَن طرف آخر، يفتي الصَّادق عبد الرَّحمن علي الغرياني، بجواز التفجير: «قتل النفس منهي عنه، فقد يقع في الأسر وينجيه الله، وقد يخاف أن يقع في الأسر ويأتي من ينقذه، التَّفجير في العدو بمعنى أن يكون فيه نكاية للعدو، أيَّ توجد فيه أثر وهزة وانكسار، هذا مشروع وجائز»(موقع المرصد عن قناة التَّناصح الليبيَّة 15/4/2016). لكن مَن يُحدد هوية الأعداء عند الفقهاء الثَّلاثة؟! وترى عندهم «الحكومات المنحرفة»، التي على غير الإسلام السِّياسي! كان ضحايا الخميس الدَّامي وكلِّ يومٍ عراقيٍّ دامٍ، برقاب الذين ما زالوا أحراراً في تصدير «صناعة الموت»!