كاظم حبيب
الكاظمي على نهج المنتفگي في مواجهة الشعب
تتصاعد يوماً بعد آخر حملة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بحقوقها المشروعة وتنفيذ ما التزمت به حكومة الكاظمي وما قدمته من وعود معسولة لقوى الانتفاضة الشبابية والشعب والتي أخلت بجميع تلك الوعود ولم تنفذ أياً من تلك المطالب الأساسية التي تمس حياة ومعيشة وحقوق المواطنات والمواطنين، ومنهم خريجو الكليات والجامعات والدراسات العليا والثانويات والمعاهد الفنية والمهنية في العراق. فمدن بغداد والناصرية وكربلاء والبصرة وكركوك… وغيرها قد امتلأت ساحاتها وشوارعها بالمتظاهرين المطالبين بتلك الحقوق المهدورة. ويوم الأحد المصادف 01/01/2021 تظاهر الخريجون في بغداد مطالبين الحكومة بتنفيذ التزاماتها وما وعدت به الخريجين كافة. وبدلاً من قيام رئيس الوزراء بمقابلة وفد يمثل الخريجين للبحث معهم عن مخرج لمشكلاتهم المتراكمة وسوء معيشتهم، مارس نفس النهج العدواني الذي سلكه سلفه الجزار رئيس الحكومة السابقة، حين أمر قوات مكافحة الشغب بتشتيت المتظاهرين والاعتداء عليهم بإفراط وتجريف خيامهم في منطقة علاوي الحلة. كتب مراسل جريدة طريق الشعب ما يلي: إن “هذا الاعتداء جاء على خلفية تظاهرة موحدة نظمتها 22 تنسيقية للخريجين، بالإضافة الى حملة الشهادات العليا، للمطالبة بتوفير فرص العمل، وشارك فيها اعداد غفيرة من الخريجين احتجاجاً على ما اسموه “التسويف والمماطلة وإطلاق الوعود دون تنفيذ من قبل الحكومة.”. وتابع المراسل: “إن الخريجين من مختلف الاختصاصات توافدوا بشكل مكثف قرب مقر رئاسة الوزراء، مطالبين بتنفيذ الوعود التي أطلقتها في وقت سابق“. (أنظر، طريق الشعب، العدد 45، يوم الاثنين المصادف 01/02/2021، ص 2).
إن هذا الاعتداء الجبان والغار من قوات مكافحة الشغب وبأمر من رئيس الوزراء لا يعني سوى إنه قد حسم أمره تماماً في التخلي عن كل ما وعد المنتفضات والمنتفضين وعموم الشعب العراقي المنتفض بإنجازه عقب تسلمه السلطة بعد إزاحة جزار الشعب العراقي وعدوه اللدود الذي حطّ مسترخياً في أحضان القيادة السياسية الإيرانية وملتزماً مصالحها الاستعمارية على حساب مصالح الشعب واستقلال وسيادة البلاد.
وكما في كل مرة كان المئات من المتظاهرين ببغداد وبقية المحافظات عزلاً دون سلاح، لا يحملون سوى شهاداتهم، التي لم تعد تنفعهم في الحصول على عمل في القطاع الخاص أو وظيفة في دوائر الدولة المختلفة أو في قطاعها الاقتصادي الإنتاجي المهمل كلية من جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية، جاءوا يُذَّكرون رئيس الوزراء ومستشاريه بما وعدوهم به. ولكنهم جوبهوا دون سابق إنذار باعتداء وحشي غادر حاولت قوات مكافحة الشغب إلحاق أكبر الأذى والضرر بهم، وهي استجابة سريعة ووقحة من جانب رئيس الحكومة لمطالب المهيمنين على البيت الشيعي، ومعهم الحكومة الإيرانية، بإسكات صوت الشعب المطالب بحقوقه، ودعوة أبواقها الإعلامية ومسؤوليها بتنفيذ انقلاب على رئيس الحكومة لأنهم يعتقدون بأنه لا ينفذ تماماً ومائة بالمئة ما يطالب به القطيع التابع للنظام الإيراني في العراق، فهذا القطيع المكون من أحزاب وميليشيات ودولة عميقة، ليس سوى إِمَّعات (موافجين، أي موافقين) وأدوات تافهة ومنفذة لكل ما يريده الأجنبي الإيراني شريطة أن تبقى في السلطة وتتصرف بالشعب والمال والجاه المشوه كما تشاء وترغب!!!
أرى بوادر نهوض ثوري جديد في الأفق العراقي، إنهم شبيبة العراق من الإناث والذكور، أنهم الذين فجروا الحركة المدنية في الفترات السابقة، ثم فجروا الانتفاضة التشرينية المقدامة عام 2019، وهم الذين يحملون نداء الشعب والوطن، نداء نريد وطناً حراً ومستقلاً ونزيهاً وإنسانياً، ونريد استعادة حقوقنا الإنسانية المستباحة، هذه الشبيبة التي لم تعد قادرة على تحمل المزيد من استهتار الأحزاب الإسلامية السياسية وغيرها الحاكمة، ولا تَحمّل المزيد من النهب والسلب لموارد الدولة ونفطه الخام وموارد المنافذ الحدودية، ولا تَحمّل المزيد من الضحك على ذقون الشعب، ولا تَحمّل المزيد من الفاقة والبؤس والرثاثة والحرمان لأكثر من ثلاثة أرباع الشعب العراقي، ولا تَحمّل المزيد من الاعتقالات والاغتيالات والاختطافات والتغييب والتعذيب والسجون لأبناء وبنات الشعب، ولا تَحمّل المزيد من التدهور في توفير الخدمات الأساسية للمناطق الآهلة بالسكان من الفئات الكادحة والفيرة والمعوزة خاصة، لاسيما خدمات الكهرباء والماء والبلدية، وتفاقم القمامة والرثاثة في تلك المدن العشوائية، بل وفي شوارع ومناطق كثيرة من بغداد، دار السلام، التي لم تعد كذلك في ظل الحكومات المتعاقبة.
أرى الانتفاضة الجديدة قادمة بزخم جديد ووعي أعمق وأشمل، ومعرفة أكبر بألاعيب الحكام والمتنفذين في السلطات الثلاث، أراها جموع الشعب قادمة لتكنس كل الذين ألحقوا الموت والألم والمحن والكوارث بأبناء وبنات شعب العراقي على امتداد 18 عاماً. أسمع صوت الشاعر الفقيد كاظم السماوي من تحت التراب يصرخ غاضباً ويتحدث مع الشعب قائلاً
وإذا تكاتفت الأكف فأي كفٍ يقطعون وإذا تعانقت الشعوب فأي درب يسلكون
أو كما قال الشاعر الكبير الفقيد محمد مهدي الجواهري
أُنبيكَ عن شرِّ الطّغامِ مَفاجراً… ومَفاخراً، ومساعياً ومكاسبا
الشَّاربينَ دمَ الشَّبابِ لأنَّهُ … لو نالَ من دَمِهِمْ لكانَ الشَّاربا
والحاقدينَ على البلادِ لأنَّها … حقَرَتْهم حَقْرَ السَّليبِ السَّالبا
ولأنَّها أبداً تدوسُ أفاعياً … منهمْ تَمُجُ سمومَها… وعقاربا
انا حتفهم الج البيوت عليهم أُغري الوليد بشتمهم والحاجبا
أو كما قال الشاعر التونسي الفقيد أبو القاسم الشابي
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد من يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر
وأخيراً كما كنا نردد في سجون النظم غير الديمقراطية والاستبدادية واليوم أيضاً:
الشعب ما مات يوماً وأنه لن يموتا إن فاته اليوم نصرٌ ففي غدٍ لن يفوتا
في دربنا أنت أدرى صخر وشوك كثير والمــوت عن جانبيـه لكننــا سنسيــر