في مصر طفلة توجه رسالة عطاء ومحبة للعالم… وفي لبنان: «موتوا على السكت وخلصونا منكم»!
بيدر ميديا
في مصر طفلة توجه رسالة عطاء ومحبة للعالم… وفي لبنان: «موتوا على السكت وخلصونا منكم»!
في حين جاء فيروس الكورونا ليعتقلنا في منازلنا ويقتل منا الكثيرين ويجوع الأطفال ويغلق أبواب المدارس ويتسبب بانهيار اقتصادي عالمي، تفاجئنا طفلة صغيرة من قرية اتميده المصرية بمبادرة فرديّة هزت السوشيال ميديا وأصبحت الشغل الشاغل لرواده.
هكذا انتشرت مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لفتاة تدعى ريم لم يتعد عمرها 12 سنة تحوّلت إلى معلمة لأبناء قريتها الأصغر منها.
كيف بدأت القصة؟
عندما أغلقت المدارس خوفاً من انتشار فيروس كورونا، بدأت تلك الطفلة بجمع أطفال الشارع في ساحة صغيرة لتعليمهم. وعلى الرغم من صغر سنها، كانت واعية لأهمية ارتداء الكمامات خلال الدرس والحفاظ على التباعد المطلوب بين طالب وآخر. فقسمت طلابها في حصتين كي لا يزدحم صفها.
تعلق لوحها الأسود على أحد جدران الحي وكأنها به تعلق أحلامها لتعيد رسمها من جديد بطبشورة بيضاء صغيرة. وظلت تقدم دروسها المجانية كل يوم بانتظام ونشاط ومحبة كبيرة.
أما الملفت في الفيديوهات المنتشرة لتلك الطفلة فهو التفاعل الجميل بينها وبين الأطفال الآخرين. تسأل مبتسمة فيرفعون جميعهم أصابعهم للإجابة. كلهم يركزون في الدرس منسجمين معها. وكأنهم يبادلونها المحبة، مدركين أهمية ما تقدمه لهم من علم وفرح في آن واحد، في زمن أصبحت المصالح الشخصية والطمع والنهب والفساد عناوينه الكبرى.
فرحة هؤلاء الطلاب بمعلمتهم الصغيرة وتفاعلهم معها ونشاطهم الكبير في حصصها أمر يستحق الثناء. فهذا ما نفتقده كثيراً في عدة مدارس عربية.
تبدأ ريم الصغيرة يومها بالصلاة باكراً ثم تنادي أطفال الشارع في الساعة الثامنة صباحاً ليتجمعوا، فيحضرون بسرعة عجيبة. وكأن هناك التزاماً ما بينها وبينهم. أوكأنهم يخشون زعلها من كثرة تعلقهم بها.
يجلسون جميعهم على الأرض بانتظام.
ثم تبدأ بشرح الدرس، مركزة على أربع مواد: اللغة العربية والحساب والدين واللغة الانكليزية. تستمر بتعليم الأطفال حتى المغرب ساعة تدخل بيتها للعشاء وبعدها تتجه إلى زاوية من زواياه لتذاكر دروسها.
لقد استطاعت تلك الصغيرة أن تضع برنامجاً بناء، يفيد من ناحية أبناء القرية، ويساعدها، من ناحية ثانية، على التركيز في دراستها وتحقيق أحلامها الصغيرة.
لكنها لم تكتف بهذا القدر من العطاء بل كانت واعية أيضاً للصعوبات التي يواجهها هؤلاء الأطفال في التعلم عن بعد بسبب ضعف الإنترنت في القرى المصرية، فمدت لهم أيضاً يد العون. كانت تجلس إلى جانبهم ساعات طويلة محاولة تعويضهم المعلومات التي لا يستطعون الوصول إليها عبر الإنترنت المعدوم في تلك القرى البعيدة أو أجهزة الكمبيوتر غير المتوفرة في معظم البيوت. فسكان القرى الصغيرة بالكاد يوفرون لقمة العيش لأبنائهم والمستلزمات الضرورية لاستمرار حياتهم اليومية ولا قدرة لديهم على شراء تلك الأجهزة بأسعارها الخيالية.
لقد شجعت هذه التجربة الرائدة على انضمام مزيد من الأطفال إلى صفوفها، إذ بدأت مشروعها بعشرة طلاب وفي وقت قصير جداً أصبحت صفوفها ممتلئة بأكثر من ثلاثين طفلاً.
سر نجاح مشروعها وانجذاب الأطفال
لا، ليست فقط تلك الإبتسامة الجميلة التي ترسمها على وجهها حين تنظر بمحبة إلى هؤلاء الأطفال. ولا براعتها في سرد القصص. ولا حنيتها في التعامل معهم. بل المكافأة التي كانت تحرم نفسها من أشياء كثيرة لتؤمنها لطلابها الصغار. فهي تعطي هدية لكل من يجتهد في الدراسة. هكذا زرعت فيهم قيم العطاء والمحبة والأخوة.
كم من حاكم في بلادنا وضع برنامجاً مشابهاً في أهدافه الإنسانية خلال هذا الوقت العصيب ليفيد به أبناء الوطن؟
كم من مسؤول في السلطة اللبنانية يعمل مجاناً لإفادة وطنه وتحسين وضعه الاقتصادي والاجتماعي؟
«مجاناً»! هل تذكرون معنى هذه الكلمة؟ يبدو أنها انقرضت من القواميس منذ استلمت البلاد مجموعة من الفاسدين العصيين على الإصلاح.
لقد طلب هؤلاء وبكل وقاحة من المواطنين الالتزام في منازلهم لمحاصرة الفيروس من دون أن يدفعوا لهم ليرة واحدة.
لم يهتموا إن كان ذلك الشعب جائعاً. إن كانت ظروف الناس المادية لا تسمح لهم أن يجلسوا في بيوتهم أياماً طويلة من دون عمل..
أين المشكلة؟
ليجوع من يجوع من أبناء الوطن، المهم أن يجوعوا في بيوتهم وبين جدرانهم الأربعة. وأن لا يخرجوا إلى الساحات ويعتصموا على الطرقات ويسببوا الصداع للحكومة.
ما معقول شو بلا ذوق. موتوا على السكت وخلصونا منكم!
*كاتبة لبنانيّة