كاظم حبيب
محنة الشعب العراقي بالفساد والسلاح المنفلت واللا دولة!
نقلت وكالات الأنباء العراقية ما تحدث به رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، اليوم الاثنين المصادف 08/02/2021 في الاجتماع الأول للمجلس الوزاري للتنمية البشرية لعام 2021، من “أن العراق لن يصل للتنمية الحقيقية من دون مكافحة منهجية للفساد، فيما أشار إلى أن الاستثمار بالطاقة البشرية هو السبيل الأمثل للتأسيس لاقتصاد مستقبلي مستدام”. من يستمع إلى حديث الكاظمي يعتقد بأن الرجل واعٍ ومدرك لما يقول، وأنه يريدنا أن نعتقد، بما لا يعتقد هو به حقاً، بأن الدولة العراقية بسلطاتها الثلاث، لاسيما سلكته التنفيذية بالذات، قد وضعت منهجاً لمكافحة الفساد في البلاد أولاً، وأن العراق قد وضع منهاجاً للنهوض بالعراق وتأمين الاستثمار المكثف للطاقة البشرية المهملة منذ عقود ثانياً، وأن الشعب العراقي سيعيش في ظل “حكومته الرشيدة!”، التي حددت مهمتها في سنة واحدة تقريباً، في بحبوحة لا مثيل لها. لقد نسى هذا الرجل، المشدود من أذنيه بالبيت الشيعي الخربة، بأن واقع العراق الذي يحكمه هو ينطبق عليه، إضافة إلى القتل والاختطاف وإشعال الحرائق لا من عصابات داعش المجرمة فحسب، بل ومن الميليشيات الولائية وغير الولائية والصدرية في آن واحد، فالمثل العراقي النابت يقول “شمر بخير ما يعوزها إلا الخام والطعام!”.
العراق، يا رئيس حكومة من گرگري، يعاني من السلاح المنفلت المكدس في أيدي الميليشيات الطائفية المسلحة الولائية وغير الولائية والصدرية والحشد الشعبي التابع لإيران؛ العراق يعاني يا الكاظمي من استمرار ملاحقة المدنيين وقتلهم أو اختطافهم وتعذيبهم ورميهم على قارعة الطريق أو في المقابر كما حصل في كربلاء أو إشعال الحرائق كما حصل في مقر الحزب الشيوعي العراقي في النجف، من قبل ذات القوى التي قتلت أكثر من 700 مواطنة ومواطنة في انتفاضة تشرين 2019 التي لم تلاحقها الحكومة رغم وعودها الكاذبة بذلك؛ العراق؛ يا حضرة المحترم، يعاني من فساد قيادة الدولة بسلطاتها الثلاث وأحزابها ونهبها للمال العام واصطيادها حتى لقمة عيش الناس الفقراء في الحصة التموينية؛ العراق، يا رجل، يعاني من تدخل سافر ويومي من جانب إيران وملاليها وسفيرها في بغداد ومن بقية مؤسسات الدولة العميقة بقيادة أحزاب البيت الشيعي؛ العراق، يا من اغتنى من المال العام، يعاني من إفلاس خزينة الدولة وعجز وزارة المالية عن دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين؛ العراق يعاني من عدم الإرادة والقدرة والرغبة على حل الخلافات المالية مع إقليم كردستان بسبب إرادة إيران الفظة وأعوانها الأوباش في العراق وقيادات الأحزاب الشيعية.
يا رئيس مجلس الوزراء أسألك كسؤول عن أمن وسلامة الدولة والشعب:
هل يمكن أن تكون هناك دولة مستقلة وذات سيادة تحترم إرادة شعبها وحقوقه وحرياته وتريد مكافحة الفساد ونشر ملفات كبار الفاسدين وملاحقة القتلة والمجرمين، ثم تسمح بأريحية عالية بمسيرات تقوم بها ميليشيات جيش المهدي وسرايا السلام ومعها سائرون في النجف، وستصل بغداد وغيرها أيضاً، وهي تهتف بالحياة “للقائد والزعيم المفدى مقتدى الصدر”، مقتدى أبن الإمامة والخلافة وولاية الفقيه؟ هل يمكن أن يحدث في دولة تحترم نفسها تقوم قطعان هائجة تصرخ هاتفةً يا محمد، يا علي، يا مهدي المنتظر، يا مقتدى، وهي تحمل أنواع الأسلحة القتالية المنهوبة من القوات المسلحة العراقية أو المهداة لها من إيران لـ “منقذ العراق وحامي حماه مقتدى الصدر” لقتل العراقيات والعراقيين الذين ينادون بحرية الوطن واسترداد حقوقهم. هذا القطيع الهائج هم أتباع مقتدى الصدر الذين يزعقون بشوارع النجف بصوت نكرة “هاي جنود ابن السيد هاي جنوده”.
حين شاهدت الوجوه المتنمرة التي تزعق بالهتاف لمقتدى الصدر، رأيت فيهم أفراداً من أبناء وأحفاد الحرس القومي، رأيت فيهم أفراداً من فدائيي صدام حسين، رأيت فيهم افراداً بعثيين شيعة أعلنوا توبتهم كذباً وزوراً من حزب البعث وتحولوا صوب ميليشيا جيش المهدي وسرايا السلام وسائرون وغيرها من الميليشيات الشيعية الطائفية المسلحة، هاجموا مقر الحزب الشيوعي العراقي في النجف في يوم 05/02/2021، بعد أن اعتبر مقتدى الصدر أن هذا الحزب قد خانه (فتأمل! ماذا يحصل في اللا دولة العراقية)، ثم تظاهر هذا القطع البائس بالضبط في يوم انقلاب 8 شباط الدموي ليذكروا الناس بأنهم أحفاد ذلك البعث ولن يتخلوا عن محاربة كل القوى التي انتفضت ضد انقلاب شباط في حينها، وأنهم لن يتسامحوا مع الشيوعيين الذين دافعوا عن ثورة تموز 1958 وقاوموا انقلاب شباط الفاشي. إن هتافهم يقول ها نحن في 8/2/2021 الدموي ندافع عن الدين والمذهب ومقتدى الصدر!
تؤكد المعلومات المتوفرة أن تحالف الصدر-الكاظمي يسعى إلى توفير أجواء جديدة لمقتدى الصدر ليصبح حسن نصر الله لبنان، رجل إيران الأول هناك والمعلن صراحة ولاءه لإيران لا للبنان، وسوف لن تطول الفترة التي يعلن مقتدى الصدر ولاه لإيران كحسن نصر الله. ها هي الأقنعة ترفع عن وجوه كالحة تساهم في إيذاء العراق وشعبه والتنكر لإرادته ومصالحه.
علينا اليوم وقبل غدٍ أن نعي بوضوح وشجاعة ما يجري في العراق، علينا التعرف الجيد والدقيق على “العملية السياسية المشوهة” الجارية منذ عام 2005/2006 حتى الآن في توزيع الأدوار بين قوى الإسلام السياسي ووكلاء المراجع الدينية الشيعية وإيران في العراق، علينا أن نفهم العلاقات الفعلية بين الدولة العميقة بمؤسساتها العسكرية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية، لاسيما الدينية، وبين قادة الحكم والحشد الشعبي، وما يراد للعراق خلال الفترة الجارية والقادمة. دون هذا الوعي الواضح والإدراك الصحيح لما يجري سوف تعجز القوى الديمقراطية والتقدمية والمناهضة للفساد والسلاح المنفلت والطائفية أن تتحرك وتحرك الشارع العراقي لصالح التغيير. ينبغي أن نبتعد عن الأوهام بما يمكن أن يحققه رجل البيت الشيعي الحاكم حالياً أولاً، وأن نسرع بالعمل لتأمين وحدة القوى المناضلة من أجل التغيير لا أن نغرق في نقاش التفاصيل بل وضع الأهداف المركزية المكثفة التي تجمع عليها كل القوى المناضلة لصالح التغيير الجذري المنشود ثانياً، إذ أن هذه الوحدة هي التي ستحرك أكثر وأسرع وأقوى من السابق الشارع العراقي وقوى الانتفاضة التشرينية الباسلة. إن أوضاع العراق تزداد نضوجاً، فالقوى الحاكمة مكشوفة على الشعب بكل مخازيها وجرائمها بحق الشعب، كما أن الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي مدرك تماماً لطبيعة هذا النظام الطائفي الفاسد، وبالتالي فالعامل الذاتي هو العقبة الكأداء حتى الآن، فهل لنا أن نعمل على توفير شروطه. إنه الهدف والمحك الرئيسي لدور القوى المدنية والديمقراطية والمناضلة من أجل التغيير، فلنعمل من أجله بقوة ودأب وحكمة.
إن المستبدين لا يتعلمون ممن سبقوهم في الاستبداد، فهم في غيهم ساهون، وفي ظلمهم سادرون، وفي ذبحهم لأبنائنا وبناتنا جادون، ورغبتهم البقاء في السلطة مجمعون، وعلى عاتق الشعب وقواه الحية الواعية تقع مسؤولة إزاحة الطغمة الباغية.
أعرف جيداً واقع ميزان القوى الراهن، ولكن هذا الميزان في حراك مستمر، وفي تغير مستمر، والقوى الحاكمة تساهم يومياً في تحريكه ضدها ولصالح الشعب، من خلال سدرها في غيها وظلمها الموجه ضد الشعب، وبالتالي فبوادر النهوض متوفرة والأسباب التي انطلقت انتفاضة تشرين 2019 ما تزال قائمة ومتفاقمة. هذه هو الواقع الذي يفترض أن نراه نعمل عليه.