حيال مشكلات الأمن القومي الإيراني
المشروع النووي عبث لا طائل منه
ضرغام الدباغ
هل يغير السلاح النووي من سياسات دولة معينة، وهل يرفع من قيمتها الاستراتيجية، وهل يطمئن هواجسها الأمنية ..؟ أسئلة مهمة
في استعراض للتاريخ النووي، وحالات استخدامه (مرتان فقط)، والمرات (القليلة جداً) التي بلغ التوتر عتبة اتخاذ القرار بأستخدام السلاح النووي (الإنذار الذري)، ولكن بأعتبار أن الدول التي تمتلك السلاح النووي لها عقيدة (Doctrine) وأن استخدامه ليس مزاجياً وغير خاضع لحالات عابرة من الغضب، أو الشعور بالخطر، ذلك أن لهذا السلاح آثاره ونتائجه السياسية والمادية المباشرة وغير المباشرة على كافة الأطراف المتشاركة في النزاع المطروح على بساط البحث، بما في ذلك، بل في المقام الأول مستخدم السلاح نفسه.
1ــ السلاح النووي (المكلف في إنتاجه، والمكلف أكثر في إدامته وإدامة جاهزيته) لن يحل أزمة داخلية، ولا يعني تقدماً اقتصادياً، بل ولا يساهم في تحقيق التقدم الاقتصادي، بل ويحتمل أن يفاقم هواجس الأمن، ويساهم في المزيد من الإشكالات الاقتصادية،(كوريا الشمالية ــ الهند ــ باكستان ــ إسرائيل) وهناك من الدول من تمتلك هذا السلاح، ولكنه لم يقدم لها الحلول لأزماتها (اوكرانيا ــ كازخستان ــ بيلاروسيا ــ جنوب أفريقيا)، فأقرت بعبثية القضية فأقدمت بنفسها على التخلي عن ترسانتها النووية وقامت بتفكيكها.
2ــ وقد يتحول السلاح النووي ومكوناته إلى عبأ حقيقي، فتتسرب مكوناته أو تتعرض للسرقة، وقد يتحول إلى مشكلة حين يهدد قائد سياسي، أو جنرال عسكري أهوج بأستخدام السلاح، وقد بلغ هذا الأمر لهذا الحد فعلاً أكثر من مرة، كما أن احتمال الخطأ البشري وارد بدرجة كبيرة، فتحدث كوارث غير مقصودة، قد يتضرر منها مالكوا القدرات النووية في المقام الأول (كارثة مفاعل تشيرنوبل الأوكراني 1986 ــ كارثة المفاعل الياباني فوكوشيما 2011)، عدا عن حوادث عديدة كانت بمستوى الكارثة في الدول المستخدمة للطاقة أو السلاح النووي.
3ــ وقد حدث لأكثر من مرة، (نحو 4 مرات) أن تحطمت طائرات (أمريكية غالباً) كانت تقوم بنقل السلاح النووي، أو طائرات تقوم بواجب الدورية في عهد ذروة الحرب الباردة، كما حدث أن أستلمت غواصة أمريكية الأمر بإطلاق صاروخ نووي (من طراز بولاريس) صوب أهداف محددة في الاتحاد السوفيتي، وتبين أن هناك خطأ بشري في إرسال الشيفرة للغواصة، قبيل ثوان فقط من إطلاق الصاروخ وتجنب كارثة بل كوارث محققة……!
4ــ يطلق التسلح النووي موجة تسلح (في مجالات الأسلحة التقليدية والشاملة بأصنافها) في المنطقة، وسوف تسعى على الفور عدة دول إلى إنتاج الأسلحة النووية، وتخزينها، وبالطبع سيكون لهذا الأمر (سباق التسلح) نتائجه الوخيمة جداً على نمو الاقتصاد الوطني، فيما تبقى الأسلحة النووية مخزنة في أماكن خاصة وبشروط غير سهلة، عشرات السنين دون فائدة، وأبسط الأدلة أن الأسلحة النووية صارت عبئاً على منتجيها الأثرياء منهم، وغير الأثرياء.
في المقاطع الاربعة أعلاه أردت أن أستعرض مخاطر حيازة السلاح النووي، وعدم جدواه …. فالدولة (س كمثال) قد تتوصل لإنتاج السلاح النووي، وصيانته، وحسن استخدامه، ولكن عليها أن تجد السلاح الناقل للقنبلة النووية (صاروخ أو طائرة) وأن تتأكد من أنه سيصل هدفه بدقة، (إذ قد يتعرض، الصاروخ الناقل أو الطائرة، للإسقاط)، وتحمل أعباء ما ينتج من حيازة السلاح أو أستخدامه، سياسيا وعسكرياً وبيئياً، وجميع هذه الاحتمالات هي أبعاد ينبغي أن تكون مضمونة بدرجة مؤكدة للغاية، وإلا ستكون وبالاً على من يمتلكه ومن يستخدمه قبل غيره.
بالنسبة لمعطيات الوضع الإيراني، فإن المشروع النووي يلتهم جزءا كبيرا من الاقتصاد الإيراني المتعب أصلاً بسبب الحروب التوسعية، وشعارات دونكيشوتية، والأحتراب الداخلي بين فئات الشعب الإيراني من القوميات والطائفيات والسلطة المركزية.. ولا يبدو أن التوجه للتسليح وإثارة التوتر هو الحل الناجح للمشكلات، وخارجيا يثير مع جيرانه نزعات سباق التسلح. وإيران محاطة بأمم قوية تمتلك اقتصاديات قوية في الخليج العربي، وتركيا والباكستان، وبدول تعمل في الاتحاد الروسي، الأحتكاك معها سيتسبب بمشاكل ونزاعات صعبة. وبعد 41 عاما من السياسات الديماغوجية، فالحصاد هو المتاعب وتعميق للازمة السياسية والاقتصادية، وتردى للموقف الداخلي والخارجي على حد السواء.
بالطبع لست مولجاً بوضع حلول للمشكلات الإيرانية، ولكني أعتقد أن سلماً عميماً، وبلدا مرفهاً، يعيش مواطنوه في حياة حرة، يدفع كل من يعيش فيه للتمسك به. وليس الأنفصال عنه، وأفضل مثال على ذلك هي سويسرا (الألمانية الفرنسية الإيطالية)، ولكن الشعب بغالبيته العظمى (ربما هناك قلة من المتطرفين) يرغبون العيش في هذه الجنة التي ترفل بالأمن والسلام، ويفضلون الحفاظ على هذه التشكيلة، التي بفضلها لا يصاب رأس أحدهم حتى بالصداع .. وما تورث من هموم.
42 عاماً وهذا البلد ينوح ويبكي .. حتى صار البكاء بحد ذاته نظرية سياسية / اجتماعية .. 42 ينتقل من حقل نار ولهب إلى آخر، وفي كل مرة يعلق همومه على شماعة الآخرين .. ولا يخطر بباله أن يفحص نفسه ليجدها مصدر العلل والمشاكل في بلده وفي المنطقة .. فالفرس يكرهون العرب والترك والآذرييين، والأفغان، والباكستان، والتركمان … ولا أعتقد أنهم يحبون أحداً، فثقافة الكره والبغض والشتم متأصلة في دواخلهم بعمق شديد .. واليوم تحديداً (23 / أيلول) قرأت تصريحاً للرئيس روحاني يحذر جيران إيران ..وكأن إيران تحمل الود والمحبة والصداقة منذ 41 عاماً وليس تصدير الحقد والسلاح والتجسس والتهريب والتخريب ..! والتوجه النووي يتسبب ويعمق التعاسة …الاسلحة لن تسعد شعوبكم، وحيازة الأسلحة النووية لا تعني مطلقا أنك على حق .. ولن تقنع أحداً لا من شعوبكم ولا من العالم الخارجي ..!
لهذا السبب يهرب الإيرانيون من بلادهم، ويتصدرون قوائم طالبي اللجوء الإنساني، ولهذا السبب يتخلى الإيرانيون عن الدين إلى المسيحية في بلاد الهجرة، وحتى داخل إيران … لهذا يلتحق الإيراني (ولاسيما الفرس منهم) فورا بمجتمعات الدول التي يصلون إليها .. ظواهر كثيرة في الداخل والخارج تستدعي أن يهتف الإيراني الجملة التاريخية المشهورة ” ايها الشعب الملك عار ” .. الدول والشعوب يعلمون هذه الحقيقة، ولكن هناك توليفة من الخدع والمصالح، وغش وتدليس أمتنه كل من يصل سدة الحكم في هذا البلد … لا يرتاح ولا يدع الآخرين يرتاحون ..