ديون مهجورة قد لا تُسدد أبداً تثير حيرة المستثمرين والبنوك في عالم شركات دبي المُبهم
بيدر ميديا ..
ديون مهجورة قد لا تُسدد أبداً تثير حيرة المستثمرين والبنوك في عالم شركات دبي المُبهم
دبي – رويترز: يقول البعض أن ديون دبي كانت على الدوام أشبه بالطلاسم في نظر المستثمرين، إلا أن الأمور ازدادت غموضاً منذ أصابت تداعيات وباء كوفيد-19 اقتصاد الإمارة.
فخلال الإثنى عشر شهراً الأخيرة قالت شركتان، تربط إحداهما صلات بحكومة الإمارة والثانية صلات بحاكمها، أنهما لن تسددا مدفوعات قيمتها مئات ملايين الدولارات وفاءً بديون، وذلك في خطوة نادرة في دبي، مركز الأعمال في الشرق الأوسط، حيث إعادة التفاوض على الديون أمر معتاد، والدعم من الدولة يكون ضمنياً في كثير من الأحيان.
وحسبما قال مصدر وأوضحت وثيقة تم إرسالها إلى المستثمرين في ديسمبر/كانون الأول الماضي وتم الاطلاع عليها، فإن «دبي القابضة» أداة الاستثمار الخاصة بالشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي، أبلغت الدائنين أنها لن تسدد المستحقات عن قرض قيمته 1.2 مليار دولار مستحق على «مجموعة دبي القابضة للاستثمار» التابعة لها، وأنها مستعدة للسير في تصفيتها.
مصرفي يتساءل: أين تنتهي التزامات الحاكم المالية بصفته الخاصة؟ وأين تبدأ التزامات الإمارة؟
أما الشركة الثانية، وهي شركة التطوير العقاري «ليمِتلِس» المملوكة للإمارة فقد قالت للدائنين في مارس/آذار الماضي، أنها عاجزة عن الوفاء بالمدفوعات عن قرض قيمته حوالي 1.2 مليار دولار، وذلك وفقا لوثيقة من الشركة تم الاطلاع عليها. وتسعى الشركة منذ ذلك الحين إلى إعادة هيكلة الدَين.
وامتنعت «دبي القابضة» التي تملك أصولاً وممتلكات في القطاع العقاري وقطاع الضيافة قيمتها 35 مليار دولار، عن التعليق على ديون الشركة التابعة لها وخطط سداد المستحقات عن الوحدات الأخرى.
وقالت متحدثة باسم «ليمِتلِس» أن مباحثات إعادة الهيكلة مع الدائنين مستمرة، لكنها لم تُدلِ بأي تعليق آخر.
ومن بين دائني الشركة بنوك في دبي، مثل «بنك الإمارات دبي الوطني» و»بنك المشرق» و»بنك دبي الإسلامي». وامتنعت هذه البنوك عن التعليق.
ويقول مستثمرون إن الخطوات التي اتخذتها «دبي القابضة» و»ليمِتلِس» أضعفت فرضية أن دعم الإمارة أمر مُسلَّم به، مما دفع بعض الدائنين إلى إعادة تقييم استعدادهم للانكشاف على الديون المرتبطة بإمارة دبي.
وقالت ثلاثة مصادر مصرفية أنه في ضوء حلول مواعيد سداد عشرات المليارات من الدولارات خلال السنوات القليلة المقبلة، فقد عمد بعض الدائنين إلى بيع ما في حوزتهم من ديون (*) أو تجنيب مخصصات تحسباً لخسائر في المستقبل.
وتوضح قوائم أسعار تم الاطلاع عليها أن سعر دَين «ليمِتلِس» هبط بشدة في السوق الثانوية. وتبين معلومات «رفينيتيف» أن سعر الصكوك الإسلامية التي أصدرتها شركة «مراس» العقارية التي تم ضمها إلى «دبي القابضة» العام الماضي انخفض باطِّراد هذا العام.
وقد تأثر اقتصاد دبي، المعتمد على التجارة والسياحة، بشدة جراء تداعيات وباء كوفيد-19، وانخفاض أسعار النفط. ومن شأن تكبد مبالغ كبيرة في دعم الكيانات المرتبطة بالحكومة أن يزيد الضغوط على المال العام.
وقال سيدريك بري، المحلل في وكالة «فيتش» للتصنيفات الإئتمانية «حالات العجز الأخيرة عن السداد سلطت الضوء على مخاوف قائمة منذ فترة طويلة من ارتفاع الدَين العام ودَين القطاع الخاص، وسط انخفاض النمو والضعف الشديد في السوق العقاري الذي يتسم بزيادة مزمنة في العرض عن الطلب».
وأضاف «اعتماد سياسة تقوم على تقليص الدعم هو في حد ذاته أمر إيجابي لمالية الحكومة وجدارتها الإئتمانية. ومع ذلك فالشفافية محدودة في القوائم المالية للكيانات المرتبطة بالحكومة، كما أن البيئة الاقتصادية الصعبة زادت من خطر احتياج بعض الكيانات للدعم المالي، مما يفرض ضغوطا على مالية الحكومة».
ولم يرد المكتب الإعلامي لحكومة دبي على استفسارات رويترز عن مديونية الإمارة، أو ديون «دبي القابضة» أو خطط الإمارة لمعالجة التزامات الكيانات التابعة لها.
وامتنع مصرف الإمارات المركزي عن التعليق رداً على سؤال عما إذا كان يشجع البنوك على تجنيب مخصصات للديون المستحقة المرتبطة بدبي.
صعوبة رسم الخط الفاصل
في حالتي «ليمِتلِس و«مجموعة دبي القابضة للاستثمار» لم يكن على أي من الإمارة أو «دبي القابضة» التزام تعاقدي بالسداد للدائنين.
وتبين وثيقة أُرسلت إلى الدائنين في ديسمبر/كانون الأول أن «دبي القابضة» مسؤولة فقط عن مدفوعات الفوائد على القرض البالغ 1.2 مليار دولار. وعند استحقاقها أخطرت الدائنين أنها «مستعدة لمباشرة تصفية إعسارية في غياب أي بديل مُستطاع».
وقد شرحت حكومة دبي نهجها فيما يخص الكيانات المرتبطة بالحكومة في النشرة الخاصة ببيع عام نادر لديون سيادية في العام الماضي.
وقالت الإمارة أنه إذا عجزت مثل هذه الشركات عن الوفاء بما عليها من التزامات، فإن الحكومة قد «تقرر بناء على تقديرها وحدها أن تقدم مثل هذا الدعم حسبما يتراءى لها».
غير أن اثنين من المصرفيين قالا أن بعض المستثمرين يعملون على أساس أن هناك ضماناً حكومياً مستتراً، وهو أمر يعززه دعم دبي لـ»مجموعة الإمارات» وهي شركة الطيران المملوكة للإمارة خلال أزمة فيروس كورونا.
فقد ضخت الإمارة ملياري دولار في الشركة من خلال رأس المال العام الماضي. وقالت متحدثة باسم الشركة لرويترز إنه لا شيء من ديونها يخضع لضمانات من الحكومة أو «مؤسسة دبي» للاستثمارات الحكومية وهي صندوق الثروة السيادية في الإمارة.
ومما فاقم حيرة المستثمرين تفتت دَين دبي. فبعضه محسوب على الحكومة، والبعض الآخر على صندوق الثروة السيادية، وقسم ثالث يقع تحت مظلة «مجموعة دبي القابضة» التي تمثل قوة رئيسية في تطوير الاقتصاد المحلي.
وقال مصرفي في أحد بنوك دبي «الأمر يرجع إلى السؤال القديم ذاته: أين يتوقف الحاكم بصفته الخاصة وأين تبدأ التزامات الإمارة. وعندما تتحدث عن نظام حكم ملكي مطلق، فمن الصعب رسم الخط الفاصل».
وجرى تداول بعض الديون المستحقة على «ليمِتلِس» للتطوير العقاري بسعر 20 سنتاً للدولار خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، انخفاضاً من 30 سنتاً قبل ذلك ببضعة أشهر، وذلك وفقا لقوائم أسعار التعاملات في القروض الثانوية التي اطلعت عليها رويترز.
وتوضح بيانات البنك المركزي إن مخصصات البنوك للديون المعدومة والمشكوك فيها في الإمارات العربية المتحدة بلغت نحو 42 مليار دولار حتى نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، ارتفاعاً من 36 مليار دولار في نـهاية 2019.
ويقدر «معهد التمويل الدولي» أنه من المتوقع أن تبلغ القروض المتعثرة 7.6 في المئة من إجمالي القروض في 2020، ارتفاعاً من 6.5 في المئة قبل عام.
هل ستتدخل أبوظبي
مما يجعل من الصعب تكوين صورة كاملة عن الوضع المالي في دبي ندرة الإحصائيات. فسندات الإمارة السيادية لا تخضع لتصنيف وكالات التصنيف الإئتماني. كما أن الإمارة استخدمت في الغالب اكتتابات خاصة وقروضا ثنائية في تدبير المال.
وقالت الحكومة في أغسطس/آب أن مستويات دَينها تعادل حوالي 28 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019. غير أن هذا الرقم يرتفع لما يتجاوز 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إذا ما أُخذت ديون الكيانات المرتبطة بالحكومة في الحسبان.
وفي نشرة السندات في العام الماضي قالت حكومة دبي أنه ليس لديها تقدير رسمي لديون هذه الكيانات.
وقدّرت «كابيتال إيكونوميكس» الاستشارية في لندن أن 38 مليار دولار من ديون الكيانات المرتبطة بحكومة دبي ستستحق السداد قبل نهاية 2024، وجانب كبير منها في 2023.
ويرجع الكثير من هذه الديون للأزمة المالية عامي 2008 و2009. ويومها تدخلت إمارة أبوظبي الغنية بالنفط لمساعدة دبي لدعم شركاتها الخاضعة لسيطرة الإمارة. وأعيد التفاوض على الديون وتمديد فترة السداد. أما هذه المرة فلم يكن هناك شيء من هذه المساعدة.
وقالت مصادر العام الماضي أن أبوظبي ودبي تجريان محادثات لدعم اقتصاد دبي وذلك بالربط بين أصول في الإمارتين. ونفت دبي صحة هذا التقرير. ولم ترد أبوظبي على طلب للتعليق.
ومع ذلك يقول متعاملون أن توقع تدخل أبوظبي لدعم دبي، إذا اقتضى الأمر، مأخوذ في الاعتبار في تسعير دَين دبي السيادي.
ويجري حاليا التعامل في سندات باعتها دبي العام الماضي وتستحق في 2050 بعلاوة تزيد قليلا على نقطة مئوية واحدة على سندات أبوظبي بالأجل ذاته، وذلك رغم أن أبوظبي تتمتع بتصنيف إئتماني عالٍ وكونها صاحبة ثروة مالية أكبر كثيرا.
وقال مدير الاستثمار لدى «جي.ايه.إم» ريتشارد بريجز «دبي تستفيد من الدعم المفهوم ضمناً من جانب أبوظبي التي لا تزال في وضع إئتماني في غاية القوة وربما تختار تقديم الدعم إذا دعت الضرورة».
(الدولار يساوي 3.67 درهم إماراتي).
(*) ملاحظة: بيع الدَين إجراء يقوم بموجبه دائن يخشى أن لا يحصل على مستحقاته كاملة من المدين في موعد السداد بالتنازل عنها مقابل مبلغ أقل، تاركاً مسؤولية تحصيل ما يمكن تحصيله على المشتري.
وعندما يقال أن دَيناً معيناً تم بيعه بسعر 50 سنتاً للدولار، فهذا يعني أن صاحب الدَين يقبل بخمسين سنتاً مقابل كل دولار كان قد قدمه للمدين.
وكلما كان موعد سداد الدَين بعيداً، وقدرة المدين على السداد مشكوكاً بها، فإن سعر بيع الدَين يكون أقل.
التعليقات