الانتخابات العراقية… معارك الصدر
منذ أن أعلن مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري في العراق أوامره لأتباعه بالتهيؤ لخوض الانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق، يكون قد أطلق أولى خطوات التصعيد والمعارك مع الفرقاء السياسيين، ففي يوم الجمعة 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، خرج الصدريون في مسيرات حاشدة في بغداد، وفي عدة مدن في وسط وجنوب العراق، تلبية لدعوة زعيمهم. وقد قال الصدر في كلمته التي قرأها مبعوث الصدر في خطبة صلاة الجمعة، أمام أتباعه في ساحة التحرير؛ «إننا لسنا طامعين بالحكم، لكننا ملتزمون بالدفاع عن العراق، من خلال أغلبية صدرية في البرلمان، مضحية بنفسها من أجل الإصلاح، لأننا نريد رئاسة الوزراء حتى نحمي العراق من سلطة الأحزاب الفاسدة».
إذن تراجع الصدر في نوفمبر عن قسمه الذي أطلقه قبل ذلك، متعهدا بمنع تياره من المشاركة في انتخابات لن تنتج إلا تدوير «الوجوه الفاسدة في العملية السياسية» وبغض النظر عن كون السيد مقتدى وتياره، فاعلين في المشهد السياسي منذ أكثر من عشر سنوات، إلا أنه طالما صور نفسه وتياره السياسي وكأنهم بعيدون، وبمعزل عن الطبقة السياسية الفاسدة، ولطالما سعى لتصوير نفسه وأتباعه وكأنهم معارضون للعملية السياسية، وليسوا جزءا مؤثرا فيها.
يصعد الصدريون صراعهم مع خصومهم، الشيعة أولا، وربما يمتد الصراع إلى بقية الفرقاء السنة والأكراد قبل الانتخابات
إذن الخطوة الأولى في ماراثون سيطرة الصدر على كرسي رئاسة الحكومة المقبلة تمثلت بـ»حنث الصدر بيمينه» وهو رجل دين ومن المفترض أن يكون واعيا لمعنى ذلك، فقد برر الأمر بقوله في تغريدة على حسابه الرسمي في تويتر جاء فيها؛ «إن بقيتُ وبقيت الحياة سأتابع الأحداث عن كثب وبدقة، فإن وجدت أن الانتخابات ستسفر عن أغلبية صدرية في مجلس النواب، وأنهم سيحصلون على رئاسة الوزراء، وبالتالي سأتمكن بمعونتهم، وكما تعاهدنا معا، من إكمال مشروع الإصلاح من الداخل، سأقرر خَوْضَكُمْ للانتخابات». ولتفسير حنثه بالقسم، صرح مقتدى الصدر؛ «السبب الذي أدى إلى قسمي بعدم خوض الانتخابات، سيزول وأكون في حل منه» في إشارة إلى أن هدفه، وهو أن تخليص العراق، يعفيه من وعده، وأضاف؛ «الدين والمذهب والوطن في خطر، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته». كما نقل صالح محمد العراقي المعروف بـ (وزير الصدر) ما دار بينهما من حوار نشره في فيسبوك، نقل فيه قول الصدر؛ «إنني أتجرع السمّ حينما أفكر في دخول الانتخابات المقبلة، وأتجرع الويلات في ما إذا قررت عدم دخولها علنا». «سيقولون إنني متذبذب في القرار في دخول الانتخابات، فقد صرحت بعدم دخولها واليوم قد أغير رأيي، إنني إلى الآن لم أقرّر الدخول، بل إن قررت عدم الدخول والخوض فيها، لكن على جميع المحبين التهيؤ لها على كل حال».
الخطوة الثانية في ماراثون الصدر للإمساك بكرسي رئاسة الوزراء، تمثل في اختيار أسماء المرشحين لتولي رئاسة الحكومة، إذ توجهت الأنظار إلى الحلقة الضيقة المحيطة بالصدر، وتحديدا من أفراد عائلته، إذ أفادت بعض التسريبات بأن هنالك اسمين حظيا بترشيح مقتدى الصدر هما ابن عمه ونسيبه، جعفر الصدر سفير العراق الحالي في بريطانيا، وابن شقيقه، أحمد الصدر، الذي تسلم مؤخرا منصبا في وزارة الخارجية بعد حصوله على شهادة الماجستير في العلوم السياسية من الجامعة اللبنانية في بيروت. وفي خطوة لعرض القوة قام بها التيار الصدري بنشر مقاتلي ميليشيا سرايا السلام التابعة للتيار في العاصمة بغداد، ومدينتي كربلاء والنجف المقدستين لدى الشيعة، يوم الاثنين 8 شباط/فبراير الجاري، إذ قامت الميليشيا الصدرية باحتلال العاصمة بقوات كبيرة التعداد، وبأسلحتها المتوسطة والخفيفة التي سيطرت على الشوارع الرئيسية في العاصمة، في خطوة مفاجئة أرعبت سكان العاصمة. وقد أصدر (وزير الصدر) صالح محمد العراقي، بيانا حذّر فيه من «هجمة داعشية وبعثية» على «المقدسات» في كربلاء والنجف والعاصمة بغداد، كما صرّح المتحدث باسم سرايا السلام صفاء التميمي، بالقول إن الجماعة عقدت اجتماعا لقادتها، خرج بإعلان «الجهوزية التامة والبدء بانتشار السرايا في المحافظات المهددة وهي بغداد وكربلاء والنجف» على أثر تلقي السرايا معلومات استخباراتية عن مخططات لهجمات تنظيم الدولة (داعش) والبعثيين على مقدسات شيعية وسنية في المدن التي تم نشر ميليشيا سرايا السلام فيها.
في المقابل لم يصدر أي تصريح أو بيان رسمي من الجهات العسكرية، أو الأمنية أو الاستخبارية حول ما حصل، كما أن رد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي جاء باهتا، باردا، معلنا بوضوح عن ضعف شخصية الرجل، الذي من المفروض أنه القائد العام للقوات المسلحة، والمسؤول عن هيئة الحشد الشعبي، التي تعد سرايا السلام فصيلا من فصائلها. فقد أعلن الكاظمي بتغريدة على تويتر، عقب استعراض القوة الصدري، قال فيها؛ «إن الانتخابات استحقاق وطني يحتاج إلى التضامن السياسي والاجتماعي» وأضاف «أن البناء لا يتم بالتجاوز على الرموز والمقدسات الدينية والوطنية، وضرب المؤسسات وقطع الطرق، بل بدعم الدولة» وشدد على عدم التهاون مع من سماهم بـ»المتجاوزين». وتوالى تصعيد الخطاب وتهديد الخصوم في حال فشل التيار الصدري في الحصول على رئاسة الحكومة، إذ صرّح حاكم الزاملي النائب السابق والقيادي في التيار الصدري بعد يوم واحد من استعراض القوة، الذي نفذته ميليشيا سرايا السلام تصريحا مستهجنا وغريبا عندما قال؛ «إن ذهاب كرسي رئاسة الوزراء إلى جهة أخرى غير التيار الصدري يعني أن الانتخابات مزورة» لافتا إلى أن «هذا المنصب (هذه المرة) هو استحقاق للتيار الصدري، وأنه سيحصل على نحو 100 مقعد في البرلمان». وهذه الطريقة باتت اسطوانة مشروخة في الانتخابات العراقية، إذ يصرح الفرقاء السياسيون قبل كل انتخابات بتوقعاتهم ذات السقوف العالية، ويعتبرون ذلك شرطا لنزاهة الانتخابات، فإن فشلوا في الوصول إلى ما صرحوا به اتهموا خصومهم بالتزوير.
من جهة اخرى أشعل تصريح النائب السابق مشعان الجبوري حربا كلامية سادها تراشق الاتهامات والتهديدات فقد قال الجبوري في تصريح إعلامي؛ «إن السُّنة لا يرغبون في أن يكون سائق (البطة) رئيساً للوزراء» ردا على تصريحات الزاملي حول استحقاق التيار الصدري لرئاسة الوزراء. التسمية أو مصطلح (البطة)الذي ذكره الجبوري، أطلق صراعا بين الصدريين، وخصمهم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي دخل على خط الأزمة، التي صار محورها أحد مصطلحات الحرب الطائفية التي شهدها العراق عامي 2006 و2007 وهو سيارة (البطة) التي هي سيارة من نوع تويوتا صالون، كانت تستخدم أبان اشتعال الاقتتال الطائفي في عمليات الخطف والقتل على الهوية، وتصفية الخصوم الطائفيين، وهي عمليات قذرة اتهم بها التيار الصدري وميليشيا جيش المهدي.
المالكي صرح مفتخرا بما أنجزه في ولايته الأولى، عندما انقض في معارك «صولة الفرسان» وعمليات «فرض القانون»على جيش المهدي، ميليشيا التيار الصدري، التي تورطت في الحرب القذرة حينذاك، وأخضعهم للقانون بالقتل والاعتقال. وقد قال المالكي في تصاعد الحرب الكلامية في تصريح تلفزيوني؛ إنه لن يسمح بـ»عودة البطة» وإنه لم يسمح لها في السابق، ولن يسمح لها في المستقبل، بأن «تُرعب الناس» وإنه لا يمانع من أن «يصلح حال البلد، في حال تكليفه بأي مهمة» في إشارة لسعيه لتولي رئاسة الوزراء مجددا، بدورهم الصدريون ردوا على هذا التصريح، بتصريح ناري مضاد أصدره صالح محمد العراقي، تحت عنوان (إلفات نظر) في تغريدة على تويتر جاء فيه؛ «من الممكن القول إن (البطة) هي الحل الوحيد للفاسدين، ولمن باعوا ثلث العراق لداعش» في إشارة إلى الاتهامات التي وجّهت للمالكي بالتسبب في سقوط الموصل ومدن عراقية أخرى بيد تنظيم الدولة (داعش) صيف 2014، وأضاف «إلا أن أخلاقنا، نحن (الصدريين القحّ) لا تسمح لنا بذلك، فهي سيرة المنشقين والميليشيات الوقحة، وهم أجمع ليسوا أسوة لنا». إذن ينتظر المراقبون الخطوات المقبلة من تصعيد الصدريين لصراعهم مع خصومهم، الشيعة أولا، وربما يمتد الصراع إلى بقية الفرقاء السنة والأكراد، كلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية في تشرين الاول/أكتوبر المقبل.
كاتب عراقي