سأقتلك لجهلي بلغة الحوار!
الاغتيال السياسي الفكري يؤذي القاتل لا القتيل وحده، لأنه يعني الجهل بلغة الحوار، وبالتالي محاولة إلغاء الآخر.
ربما لا يخطر ببال القاتل أنه ينتحر حين يغتال الآخر، وأنه كإنسان، منحه الله تعالى العقل ليحاور الآخر وقد يتفق معه في الرأي أو يقنعه برأيه. أما الاغتيال فهو «بطولة ضعفاء الحجة».. ولسبب ما نجد الاغتيال السياسي بضاعة رائجة في لبنان، وثمة قائمة من المفكرين الذين تم قتلهم بدلاً من الحوار معهم، وقائمة أخرى من الذين غادروا لبنان هرباً بحياتهم في انتظار أيام أفضل: الحوار بدل الاغتيال.ما لا يخطر ببال القاتل أنه يدين نفسه ويضعف حجته ويمنح القتيل وآراءه قوة معنوية فكرية.
إسرائيل: اضطهاد الفلسطينيين والشكوى منهم!
لا أعرف بلداً يحتل أرض شعب آخر ووطنه ويؤذيه ويهدم بيوته ويطرد أهله ويقطع أشجاره ويسجن شبانه ويحرمهم من العلاج ويؤذي «السكان الأصليين» للوطن الفلسطيني، لكنه فوق ذلك كله يقوم بلعب دور المظلوم، محرضاً على الفلسطينيين، كأن الصهيوني أتقن دور المظلوم لكنه فاق ظالمه ذات يوم في اضطهاد الأبناء (الأصليين) لأرض الميعاد. يقوم الإسرائيليون بالتنكيل بالفلسطينيين بعد استقوائهم بأمثال السيد ترامب الذي ما زال يبكي كرسي الرئاسة بعدما أولع به وغلبه سحره كالكثير من الذين يجلسون على هذا الكرسي المسحور ويصابون بلعنة الرغبة في الالتصاق به.. والمأساة الفلسطينية تخسر كل يوم بعض حلفائها حتى من العرب الذين يتقبلون حضور إسرائيل في قلب الوطن العربي، في أرض محتلة، في بيوت مسروقة، في قرى يتم هدمها أو طرد أهلها واحتلالها، وإذلال حتى صغارها.. ومن يطالع «القدس العربي» ويتأمل الصور المنشورة فيها عن قهر حتى الأطفال الفلسطينيين يشعر بلذعة خجل على الأقل من صمته، ناهيك عن لا مبالاته.
العمر الطويل جداً لكن…
ندعو لأحبائنا بالعمر الطويل.. ليس بالضرورة كعمر الراهبة الفرنسية السيدة اندريه (117 سنة) التي استطاعت التغلب على وباء (كوفيد 19) الذي أصيبت به وشفيت، وستقوم دار المسنين بالاحتفال بعيد ميلادها! وقال أحدهم على لسانها في برنامج تلفزيوني: إن الخالق نسيها، ولذا ما زالت حية! وقلت لنفسي إنها خفيفة الظل وتحب الدعابة، إذ إنها وافقته! كان ذلك حتى شاهدتها في مقابلة على شاشة التلفزيون الفرنسي وبدت لي نصف حية.. لا تسمع معظم ما يقال لها، ولا ترى جيداً ما حولها، ووجهها يشبه ثمرة خوخ مجففة.. بدت لي ميتة مع وقف التنفيذ!.. وهنا فقط وجدت الموت نعمة من الخالق، وأفضل بكثير من أن نموت ونحن أحياء ونستطيع التنفس لا أكثر.
الأدب الغربي اهتم بحكاية رغبة الإنسان في عدم الموت، أو على الأقل إطالة العمر قروناً بعد توقيع عقد مع الشيطان بدمه، مثل «فاوست» بحيث يمنحه روحه مقابل العيش قروناً، وسبق لي أن كتبت عن ذلك مطولاً في كتابي وأطروحتي الجامعية عن مسرح اللامعقول..
وبعيداً عن الأدب والشعر، وأمام مشهد تلك الراهبة الشبيهة بجثة، أشكر الخالق على نعمة الموت؛ فجسمنا البشري لم (يصنع) ليعيش أكثر من قرن..
وأحب تعبيراً لبنانياً يقول: الله يمد في عمرك ما دام العمر يليق بك (يلبقلك) وأضيف من عندي على عبارة: «طال عمرك» عبارة وعمر أحبابك، فالعالم سيصير حول الإنسان خاوياً حين يموت الأصدقاء والأهل والأحباب قبله ويتصادف ألا يكون أباً أو جداً.كثير من صديقاتي الفرنسيات وأصدقائي غبطوا الراهبة على طول عمرها، أما أنا فقد وجدتها على شاشة التلفزيون ميتة مع وقف التنفيذ. فهل تريد أن تعيش أكثر من قرن من الزمن يا عزيزي القارئ؟
لكن تذكر أن التقدم في السن لا يلغي الغيرة، فالمسنة الراهبة أندريه عبرت عن غيرتها من عميدة البشرية جين كالمان (122 سنة) وقالت بحسد إن هذا الرقم كاذب!
أشياء كثيرة تموت مع التقدم في السن، ولكن يبدو أن الغيرة ليست من بينها. أما زلت يا عزيزي القارئ تريد أن تعيش قرناً ونيفاً؟ أم أن الغيرة أقسى من الموت؟
هل صار الإعلام هو المحكمة؟
ثمة حكايات تجتذب القراء حتى صارت الصحافة هي المحكمة التي يدين كاتبها من يشاء ويقوم بتبرئة من يشاء.
ومنها، مثلاً، اتهام الممثل الفرنسي الشهير ريشار بيري باغتصاب ابنته الكبرى حين كان عمرها 15 سنة، ونفى ذلك الممثل تلك الاتهامات (القذرة). وأصدرت كاي كوشنير ابنة وزير الخارجية الفرنسية الأسبق برنار كوشنير، كتاباً بعنوان (لافاميليا غراندي) أي «الأسرة الكبيرة» وفيه تتهم زوج والدتها أستاذ العلوم السياسية أوليفيه دو هاميل بالاعتداء الجنسي على شقيقتها التوأم في الثمانينيات. من طرفي، أكره هذا النمط من الاتهامات (الدعائية) التي قد تكون صادقة أو كاذبة، وأعتقد أن الحديث عنها في الإعلام ليس مكانه هنا بل المحكمة.. ولا أحب أن يلعب الإعلام دور المحاكم، حيث يكتب الكثيرون من أجل الإثارة وجذب القراء.
أكتب ذلك لأنني شاهدت البارحة على شاشة التلفزيون الفرنسي برنامج (كوتيديات) الذي يقدمه بان بارتيز، مستضيفاً السيدة كاي كوشنر، مؤلفة كتاب حول ذلك. فهل من حقنا أن نحاول الحصول على الشهرة باستغلال مآسي الآخرين الحقيقية أو المزعومة والإساءة إلى سمعتهم لتربح مالاً من التوزيع الكبير للكتاب وتباهي بالظهور على شاشات التلفزيونات، حيث شاهدت للمرة الأولى السيدة التي تنشر الغسيل العائلي القذر على الشاشات؟
في نظري أن تلك الحكايات مكان البحث في حقائقها هو في المحاكم ونقابات المحامين وليس على هذه الشاشات أو تلك؛ لأن الفضائح العائلية تثير اهتمام متابعيها، لكنها قد تسبب الكثير من الأذى لبعض الأبرياء، وهو ما أكرهه!
لم أسمع مثلاً قبل اليوم باسم تلك التي أصدرت كتاباً عن صلة جنسية بين قاصر وشخصية سياسية، وبذريعته ظهرت على شاشة التلفزيون، لكن إصدار كتاب لا يعني بالضرورة أن كل ما جاء فيه حقيقة مؤكدة!
أعتقد أنه من الخطر استبدال المحاكم والقضاة والتحقيق العادل المحايد بكتب ليس فيها أي دليل على صحة ما جاء فيها من اتهامات جنسية، لكنها بالتأكيد ستدر المال على الكاتبة والناشر!