التمييز والقسوة إزاء المرأة في العراق في العهود المختلفة
المرأة في ظل النظام السياسي الطائفي المحاصصي الفاسد في العراق
7-7
الدكتور ضرغام الدباغ .
“يمكن للمجتمعات أن تكون جاهلة ومتخلفة،
ولكن الأخطر هو أن ترى جهلها مقدساً”.
الفيلسوف البريطاني بيرتراند راسل
واقع المرأة في المجتمع في العراق
لم تكن معاناة المرأة في ظل النظام الاستبدادي القمعي البعثي-الصدامي إلا مغالاةً وإمعاناً في اغتصاب “حقوق المرأة وجعلها جزءاً هامشياً تابعاً وخاضعاً لسيادة الرجل وكجزء من اغتصاب حقوق الإنسان في العراق واستباحة حرياته وحقوقه الأساسية. إذ أن الأصل في كل ذلك هو موقف الرجل عموماً من المرأة في المجتمع العراقي. فالمعايير التي يعتمدها علم الاجتماع في التعرف على الموقع الذي تحتله المرأة في أي من المجتمعات البشرية كثيرة ومتعددة الأوجه، ومن خلالها يمكن التعرف على واقع ومستوى تطور تلك المجتمعات. ويمكن في هذا الصدد إيراد ثلاثة معايير جوهرية تعتبر معايير مركزية لاختبار موقع المرأة ومكانتها في مجتمع ما، وهي:
- طبيعة علاقات الإنتاج السائدة في هذا البلد أو ذاك ومستوى تطور القوى المنتجة المادية منها والبشرية فيه، بما في ذلك مستوى تطور التعليم والمهارة الفنية وتطور العلوم والبحث العلمي والحياة الثقافية والمعارف العامة، أو ما يطلق عليه اليوم بالتطور البشري أو الإنساني. وهذا يشمل المرأة والرجل في آن واحد.
- مستوى الحياة الديمقراطية ومدى وجود دستور ديمقراطي ينظم العلاقات في المجتمع ومدى تمتع شعوب هذا البلد أو ذاك بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات وحرية أتباع الديانات والمذاهب في ممارسة تقاليديهم وطقوسهم الدينية والعدالة الاجتماعية. وهنا أيضاً لا فرق بين الرجل والمرأة.
- دور المرأة ومكانتها في المجتمع إلى جانب الرجل، وكذلك مكانتها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومدى تمتعها بحريتها وحقوقها كاملة غير منقوصة من جهة، ومدى تمتع الطفل بالرعاية والحماية والتربية العلمية من جهة أخرى، إضافة إلى سبل التعاون والتفاعل بين المرأة والرجل في البيت والمجتمع وعلى مستوى الدولة.
وإذا حاولنا دراسة واقع المجتمع العراقي من خلال هذه المعايير، أي من خلال الربط العضوي فيما بين البناء التحتي للمجتمع والبناء الفوقي المهيمن عملياً لوجدنا الحقائق التالية:
1- لقد سادت في العراق العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية وتقاليدها وعاداتها، بما في ذلك العلاقات العشائرية التي تعود إلى حد ما إلى العلاقات الأبوية التي تسبق العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية في الريف، ولكن تعكس تأثيراتها وممارساتها البارزة على المدينة بشكل كبير وبشكل خاص في المجمعات المهمشة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً من قبل الدولة والمجتمع والمنحدرة من أصل ريفي فلاحي ولم تدخل عالم الصناعة والعلاقات الإنتاجية الرأسمالية. وهي علاقات تحترم المرأة نسبياً في داخل العائلة، ولكنها تحتقرها خارج إطار العائلة والمجتمع وتعتبرها ناقصة العقل وعاجزة عن التفكير والتصرف العقلاني وهي دونية ينبغي الحذر منها، إذ حتى عندما يأتي ذكر المرأة في حديث بين الرجال يرفقها الرجل “حاشاك!” أو “تكرم!”، وكأن المرأة شيءٌ محتقرٌ أو غير نظيف. وهو تعبير يحط من قدر الأنثى، وكأن الذكور يتحدثون عن شيء لا قيمة له بل أن ذكره يسيء للإنسان الذكر الذي هو “أفضل خلقاً وأكثر عقلاً وأوفر حصافة وأعلى قدراً من الأنثى في المجتمع”! ورغم أن قانوني الإصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958 والقانون رقم 117 لسنة 1970 قد أجهزا على هذه العلاقات منذ فترة غير قصيرة من الناحية التشريعية والرسمية، إلا إن بقايا هذه العلاقات في الجانب الفكري والاجتماعي، ومن ثم السياسي، ماتزال فاعلة في المجتمع العراقي، لاسيما في ظل الواقع العراقي الراهن حيث يسود النظام السياسي الطائفي المحاصصي الفاسد في البلاد. إن الواقع القائم لا يحرم الفلاحات من القدرة على التعلم والتمتع بالثقافة وفهم أمور الحياة بشكل أعمق فحسب، بل وكذلك الذكور أيضاً، كما يشمل ذلك أوساطاً واسعة من الفئات المهمشة اقتصاديا واجتماعيا في المدن.
2- لم تكن الحياة السياسية في العراق على امتداد العقود الثمانية المنصرمة سوى حياة خالية من ممارسة النصوص الدستورية، سواء أكانت نصوصاً دستورية دائمة أم مؤقتة، رغم أن تلك الدساتير كانت تتضمن بعض المبادئ الديمقراطية، ولكن الممارسة العملية كانت تشير إلى عكس ذلك وخاصة في العقود الأربعة الأخيرة. فالمجتمع خلال فترة حكم البعث الصدّامي لم يعرف الحرية والديمقراطية واغتيلت بالكامل حقوق الإنسان وحريته وكرامته بصيغ وأساليب وأدوات شتى. وكانت حصة المرأة تمثل الجزء الأكبر من الحرمان والظلم والعذاب والتمييز المقيت في كل شيء. فإذا كانت حصة الرجل الزوج في الحروب حمل السلاح واللقاء بالموت يومياً، حيث سقط منهم مئات الألوف، فأن المرأة فقدت حتى ذلك الجزء الضئيل من الحرية التي تمتعت بها في العهد الملكي، وخاصة حرية الفئة الأرستقراطية أو الفئة المثقفة، أو في العهد الجمهوري الأول على وفق قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، رغم نواقصه غير القليلة. وتعرضت المرأة إلى الموت تماماً كما تعرض الرجل في إطار الاعتقالات والتعذيب والحملات العسكرية التي نظمها النظام الاستبدادي ضد الشعب الكردي والقوميات الأخرى في كردستان العراق والعراق عموماً، وضد عرب الأهوار والوسط والجنوب، أو ضد الأكراد الفيلية، أو في ولوج السجون والتعذيب والموت تحت التعذيب أو التهجير الإجباري بتهم التبعية لإيران. كما تحملت المرأة مع أطفالها معاناة كثيرة بما في ذلك جرائم الحرب وسقوط القنابل والصواريخ على رؤوس المدنيين في تلك الحروب القذرة وموت كثرة من البشر بسببها. لم تتمتع المرأة بحريتها واستقلالها الاقتصادي ونشاطها الاجتماعي ولم تُظلم من قبل الدولة والحكومة وحدهما فحسب، بل من قبل المجتمع، والذكور منهم بشكل خاص. وهي إشكالية مرتبطة بالعامل الأول. ورغم إن العراق قد تمتع بدستور جديد في عام 2005 فيه جملة من الأسس المدنية والديمقراطية، إلا أنه حمل معه جملة من المواد التي لا تجسد العقلانية والديمقراطية في وضع وصياغة تلك المواد، منها مثلاً الإسلام دين الدولة، أو لا يجوز وضع قوانين تتعارض مع الشريعة الإسلامية.
3- فلو ألقينا نظرة فاحصة على المجتمع العراقي الراهن لصدمنا بردة فكرية واجتماعية وتخلف شديد يتجلى فيما يلي:
** تراجع فعلي في دور المرأة في الحياة الاجتماعية والثقافية وفي التأثير الإيجابي على المجتمع وفي حياة الأندية الفكرية والرياضية والمحافل الثقافية والفنية على نحو خاص.
** تراجع حقيقي للمرأة عن المشاركة في الحياة الوظيفية والخدمة العامة وفي النشاط الاقتصادي، وبالتالي تبعية فعلية لغالبية النسوة للرجل في تأمين لقمة العيش والمأوى.
** تراجع شديد في عدد الطالبات في المدارس والمعاهد والجامعات بما يعكس موقف الرجل من المرأة بالمقارنة مع نمو السكان. وكل المعطيات المتوفرة تشير إلى ذلك.
** انتشار البطالة بشكل واسع في صفوف الإناث أضعاف حجم البطالة في صفوف الذكور.
** التأثير الصارخ لشيوخ الدين الأكثر الرجعية وتشدداً، وليس لبعض شيوخ الدين الذين يقرأون القرآن والسنة قراءة سليمة عقلانية واعية لأمور الدين والدنيا والعصر الحديث والتغيرات الطارئة على هذه الحياة، وكذلك الجهلة والمشعوذين والسحرة واللاعبين بعقول كثرة من الذكور البسطاء والمسيطرين على عقول نسبة كبيرة من النساء وعلى تصرفاتهن وممارساتهن اليومية.
4- وقوع المرأة حبيسة الدار والمطبخ والعباءة المركبة والحجاب الخانق الذي لم يأمر به القرآن ولا السنة المحمدية ولا الخلفاء الراشدين ولا فقهاء الدين المدركين لأمور الدين والدنيا، بل بعض أولئك الذين قرأوا القرآن بالصورة التي يمكن أن تفهم باعتبار بعض الصياغات حمالة أوجه، وغير عقلانية وظالمة وعلى وفق ما يريدونه مسبقاً للنساء المسلمات. إنها تجسد الرغبة الجامحة لدى الرجال في الهيمنة على المرأة والغيرة غير العقلانية عليها، وهي تنطلق من وعي مسطح ونزعة جنسية ذكورية إزاء المرأة. إن من ينظر إلى المرأة المثقفة والمتعلمة في عراق اليوم، تلك المرأة التي كانت قبل عشرين عاماً قد وضعت العباءة جانبا، لاسيما في المدن الكبيرة كبغداد والبصرة والموصل والسليمانية، يراها اليوم قد عادت إلى عشرينات القرن العشرين، وهي أزمة فكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية يعيشها الشعب العراقي وتعيشها المرأة بالذات، كما يلعب الإرهاب الديني المشوه دوراً كبيراً في كل ذلك، وهو ما يفترض مواجهته والتصدي له بكل حزم. تأمل ما جرى قبل أسابيع قليلة في مدينة حلبچة الشهيدة في إقليم كردستان العراق من احتفال بـ “تتويج ذهبي!” للمرأة بارتدائها الحجاب. فقد نشرت أجهزة الإعلام ما يلي: “احتفلت 1357 شابة من محافظة حلبچة التابعة لإقليم كردستان (شمالي العراق) بارتداء الحجاب، في حفل كبير أطلق عليه المنظمون “التاج الذهبي“.. وقالت منظمة التنمية لطلبة إقليم كردستان المشرفة على الحفل إن التاج الذهبي أحد مشاريعها السنوية، وهذا الموسم هو السابع له، مشيرة إلى أنها تقوم بتنفيذ الحفل كل عام في إحدى محافظات الإقليم لتقدير وتهنئة الشابات اللائي قررن ارتداء الحجاب.)! (أنظر: 1357 شابة في إقليم كردستان العراق يحتفلن بارتداء الحجاب، المنظمون أطلقوا على الحفل اسم “التاج الذهبي”، موقع الجزيرة، بتاريخ 13/02/2021).
وإذا كانت المرأة قد احتلت في ضوء قرار مجلس الحكم الانتقالي وقانون الإدارة العراقية المؤقت ثم في الحكومة المؤقتة والمجلس الوطني بنسبة 25% من المقاعد، فذلك جاء بتأثير المدنيين العلمانيين الديمقراطيين في قوى المعارضة العراقية السابقة وربما بتأثير مباشر وإيجابي من قبل بريمر، لا بتأثير المجتمع العراقي أو القوى التي لا تريد الخير للمرأة ولا للنخب الحاكمة الحالية. لأن قوى الإسلام السياسي وفي وقت مبكر طالبت وطرحت عبر أحد ممثليها البارزين عبد العزيز بن محسن الحكيم نص مشروع إلغاء قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، وأقر هذا القرار، ثم أعد بريمر طرح الموضوع وتقرر نقض ذلك القرار وإبقاء القانون دون تغيير مع التعديلات التي أجريت عليه في فترات البعث والوميين ثم البعثيين اللاحقة. (أنظر: شعبان، عبد الحسين، د.، حقوق المرأة والخلاف في الجوهر، موقع الحوار المتمدن، العدد 4277، بتاريخ 16/11/2013).
يمكن هنا إيراد العشرات من الظواهر الأخرى التي تؤشر واقع تخلف المرأة في العراق وحرمانها من الدور والمكانة التي تليق بها باعتبارها النصف الأكثر حيوية في المجتمع والمسئول الفعلي عن إعادة إنتاج الإنسان مع الرجل. فالمرأة لها كل الحق في أن تكون نداً للرجل ومالكاً لكامل الحقوق والواجبات التي يتمتع بها الرجل دون استثناء وفي جميع المجالات. ليست مهمة المرأة الإنجاب فحسب، بل هي للحياة كلها بمختلف جوانبها ومستوياتها، وهي نبع الحياة وعلى النبع أن يمتلك الحياة بكل معانيها مع الرجل سواء بسواء.
على امتداد الفترة المنصرمة، أي خوض الحرب الخارجية لإسقاط العراق والوقوع تحت الاحتلال الأمريكي-البريطاني تشكلت في فترة مجلس الحكم الانتقالي وفي أعقابه عدة حكومات عراقية كانت الأولى برئاسة الدكتور أياد علاوي، بعدها كانت كل الحكومات بتحالف شيعي كردي وسني بقيادة حزب الدعوة الإسلامية الذي كان ومازال يقود البتي الشيعي الطائفي، ابتداءً من إبراهيم الجعفري ومروراً بالمستبد بأمره وبالشعب العراقي نوري المالكي، ثم الدكتور حيدر العبادي، ثم جزار الشعب العراقي عادل عبد المهدي، وأخيرا مصطفى الكاظمي، الذي يعد نفسه مستقلاً في حين أنه جاء بموافقة وتأييد البيت الشيعي الطائفي.
بسبب وجود وسياسات الاحتلال المباشر حتى عام 2012 أولاً, وبسبب السياسات الطائفية المحاصصية الفاسدة التي مارستها وما زالت تمارسها الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية وبتعاون مشبوه مع الأحزاب الإسلامية السياسية السنية ثانياً، ومن ثم التأييد والدعم والتدخل المباشر في شؤون العراق الداخلية من جانب حكام إيران، تعرض فيها شعب العراق إلى أصناف من الكوارث والمآسي المريرة، وكانت حصة النساء كبيرة حقاً في هذا المجال. وهنا نشير إلى أحداثٍ بعينها وبسرعة للتذكير بها لا غير:
** التعذيب بأساليب وحشية غير معتادة وتجاوز واغتصاب على المعتقلين من النساء والرجال على أيدي أجهزة الأمن الأمريكية في سجن “أبو غريب” حيث أتحولت إلى فضيحة كبرى ولطخة عار في جبين الولايات المتحدة وسلطة الاحتلال في العراق والقوى العراقية التي سكتت عنها وكانت تعرف بها.
** قيام عصابات تنظيم القاعدة ومنتجاتها في العراق بعمليات قتل جماعي عبر المفخخات والانتحاريين وإشعال الحرائق في الكنائس وغيرها إلى قتل عدد كبير من النساء والرجال.
** قيام الميليشيات الطائفية المسلحة التي تشكلت في إيران أو في العراق والتابعة كلها لإيران عملياً بقتل الأبرياء من الناس وابتزازهم أو اعتقالهم وتعريضهم للتعذيب والموت، سواء أكانوا رجالاً أم نساء. وكانت حصة النساء في الاغتيال والاعتقال والتعذيب والتغييب والقتل كبيرة حقاً.
** قيام أجهزة الدولة الأمنية بممارسة ذات الأفعال الدنيئة بحق المتظاهرين والمحتجين على نظام الحكم وسياساته، سواء بالاعتقال والتعذيب أو الاغتيال بطرق شتى.
** تسهيل إمكانية عصابات داعش الإجرامية، من خلال السياسات المعادية لأهل الموصل من قبل حكام العراق ورئيس الوزراء الطائفي حتى النخاع حينذاك على اجتياح الموصل ومن ثم محافظة نينوى وتعريض أهل المنطقة بالكامل إلى عمليات إجرامية هائلة. يمكن هنا الإشارة مباشرة إلى الإبادة الجماعية التي تعرض لها الإيزيديون إلى النزوح والتهجير القسري والإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية شملت كل الإيزيديين، لاسيما النساء والأطفال بالأسر، والنساء بالاغتصاب والبيع في مزاد النخاسة الإسلامي، كما شمل ذلك العائلات المسيحية والتركمان والشبك. لقد وقعت جرائم كبرى لم يحاسب عليها النظام ورؤوسه حتى الآن، كما لم تجر إعادة تعمير المناطق المحررة وعودة النازحين بسلاسة إلى مناطق سكناهم.
** وأخيراً وليس أخراً الجرائم التي ارتكبت في عهد عادل عبد المهدي أثناء حكمه في عام 2019و 2020 حيث سقط أكثر من 700 شهيد وأكثر من 27 ألف جريح ومعوق، نسبة مهمة منهم من نشطاء النساء ومن الصحفيات والفنانات والمسعفات…الخ.
وعلى امتداد هذه الفترة كانت رابطة المرأة العراقية على اتصال وثيق بالحركة المدنية، بل هي جزء طليعي منها، رافقت وشاركت في العمليات الاحتجاجية والمظاهرات المطالبة بحقوق الإنسان وبالخدمات العامة، لاسيما الطاقة الكهربائية والماء الصالح للشرب وفرص عمل للعاطلين والعاطلات وضد الفق المدقع والنهب والسلب لموارد البلاد النفطية والمالية، وكذلك تلك المطالبة بحقوق المرأة ومساواتها بالرجل وشجب الاعتداءات التي تعرض لها المتظاهرون والمتظاهرات طيلة فترة الانتفاضة التشرينية المقدامة وحتى الآن.
نحو تغيير موقف المجتمع من المرأة وموقف المرأة من نفسها في العراق
إن المجتمعات الغربية، رغم كل النواقص التي ما تزال المرأة تعاني منها، إلا أنها تمتلك حقوقاً يصعب على غالبية النساء العراقيات أن يحلمن بها، بسبب حالة القهر والحرمان والتخلف والظلم التي يعشن تحت وطأتها. وهذه الحقوق ناجمة عن اختلاف في الوقائع التي أوردناها قبل ذاك، إذ تسود في البلدان المتقدمة التي تسود فيها العلاقات الإنتاجية الرأسمالية، وهي مجتمعات مدنية تسودها دساتير وحياة ديمقراطية تحترم كرامة الإنسان وحقوقه وحرياته ما دام النظام الاقتصادي الرأسمالي غير مهدد، وللمرأة في هذه المجتمعات مكانة ودور كبيرين ينموان باستمرار، رغم نسبة عالية من المجتمع، لاسيما المنتجين للخيرات المادية إلى الاستغلال بسبب طبيعة العلاقات الإنتاجية الرأسمالية، وتفاقم فجوة الدخل بين ومستوى حياة ومعيشة الفقراء والأغنياء فيها، واستغلال الإناث فيها أكبر من استغلال الذكور حتى الآن واستمرار وجود جوانب تمييز صارخة أخرى بما في ذلك التمييز في الأجر إزاء العمل ذاته وعدد ساعاته، أو التمييز ضد السود من النساء، كما في الولايات المتحدة الأمريكية أز إزاء العمال الأجانب. ولكن المرأة تسير على خط نضالي متصاعد لانتزاع كامل حقوقها ومساواتها التامة بالرجل. وأول شيء تحتاجه المرأة هو التعليم بمختلف مراحله لتأمين القدرة على وعي ما يجري حولها والمشاركة في ذلك. إن المرأة في الغرب تحتل مواقعها في السياسة وفي قيادات الأحزاب وفي الوزارات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية وكذلك في المجالس النيابية على مختلف المستويات، كما أنها تلعب دوراً متميزاً في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، وفي الحياة الثقافية والتأليف والنشر وفي مجالات العمل الإبداعي بمختلف جوانبه. ومع ذلك هناك الكثير من العوائق والمصاعب التي تواجه المرأة ومنها التمييز في بعض مجالات العمل والتوظيف والأجر والاستغلال والبطالة وانتشار ظاهرة العهر النسوي بسبب الحالة المادية لعدد متزايد من النسوة، وخاصة القادمات من أوروبا الشرقية. ولا شك في وجود فجوة كبيرة بين النساء والرجال لصالح الرجال في نسبة احتلال عالية جداً لمواقع الرئاسية والقيادية في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني في الدول الرأسمالية.
إن ما ينبغي النضال من أجله في العراق في المرحلة الراهنة يتلخص في:
- تضمين الدستور مساواة تامة بين المرأة والرجل في كل الميادين والمستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والفنية والعسكرية دون استثناء. وهذا يتطلب إصدار قانون خاص يستند إلى لائحة حقوق المرأة الدولية، وإلغاء جميع القوانين المخالفة للائحة حقوق الإنسان ولائحة حقوق المرأة الدولية وتلك التي تستهين بدور المرأة ومكانتها في المجتمع أو تمارس التمييز ضدها.
- رفض أي شكل من أشكال التمييز إزاء المرأة وإدانته ومكافحته وتقديم من يمارسه إلى القضاء لمقاضاته.
- دعم جهود المرأة في مكافحة أمية كبيرات السن وخاصة في الريف، وكذلك النهوض بمستواها التعليمي والثقافي وقدرتها على مزاولة مختلف النشاطات الفكرية والثقافية والاجتماعية والفنية وتشكيل منظماتها غير الحكومية.
- دعم جهودها للحصول على فرص عمل وضمان استقلالها الاقتصادي وأجر مساو لأجر الرجل لعمل مماثل.
- حق المرأة في احتلال جميع المناصب في الدولة ابتداء من رئيس الجمهورية وانتهاء بالوزراء ورؤساء المؤسسات وكبار الموظفين والمستخدمين والقضاء العراقي ومجلس النواب والمجالس البلدية … الخ.
- تأمين فرص مناسبة لضمان مساعدة المرأة في تحمل أعباء تربية الأطفال مع الرجل ومن خلال فتح دور الحضانة ورياض الأطفال … الخ.
- إصدار قانون حرم تعريض الأطفال والصبية إلى الضرب في البيت أو المدرسة أو في أي مكان آخر وحمايته ومنع تشغيله وإلزامه بدخول المدرسة حتى نهاية الصف العاشر، نهاية الدراسة المتوسطة، وتامين الظروف المناسبة لنشأته على أسس صحيحة.
- احتلال المرأة موقعها المناسب في مختلف المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتخصيص نسبة مناسبة لها تقترب تدريجاً مع تطور دورها ومع نسبتها في عدد السكان.
- رفض القيود التي يراد فرضها على المرأة من خلال تطبيق الشريعة، التي هي من عمل الذكور بالأساس ومتباينة من مشرع إلى آخر ومن بلد إسلامي إلى آخر، ووضع قانون الأحوال الشخصية بما يتماشى والعصر الذي نعيشه والحقوق التي حققتها المرأة على الصعيد الدولي.
- رفض مبدأ تعدد الزوجات وحماية المرأة من اضطهاد الرجل وتطبيق لائحة حقوق المرأة الصادرة عن الأمم المتحدة بالكامل.
- رفض إلزام المرأة المسلمة بارتداء الحجاب أو العباءة، وتركها تمارس ما تريده ومساعدتها على الخلاص من أي قيد يحد من حريتها وحركتها وتنقلاته داخل وخارج الوطن ونشاطها ومشاركتها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقوات المسلحة وقوات الشرطة وشرطة المرور والأمن الداخلي.
- تحريم التجاوز على المرأة أو ضربها وتحريم ما يطلق عليه “القتل من أجل غسل العار” ومعاقبة صارمة لفاعليه ومروجيه والمدفعين عنه، فالمحاكم المدنية هي المسئولة عن البت في مثل هذه الأمور.
إن مثل هذه البنود تستوجب إقامة دولة فيدرالية مدنية ديمقراطية حديثة تأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات واحترام استقلالية القضاء والفصل بين الدين والدولة مع الاحترام الكامل لكل الأديان والمذاهب والأفكار والاتجاهات السياسية السلمية ورفض العنف في الوصول إلى السلطة أو فرض الرأي.
إذا كان هذا الجانب هو الأساسي في النضال من اجل انتزاع حقوق المرأة وتأكيدها تشريعاً، فإن المجتمع العراقي، وخاصة المرأة، بحاجة إلى نضال خاص مع المرأة ذاتها لإقناعها بأهمية تمتعها بحقوقها المشروعة وعدم الرضوخ لهيمنة الرجل أو القبول بالتبعية له. وهي عملية نضالية ليست اقل أهمية من الشق الأول، إذ أن القرون والعقود المنصرمة جعلت المرأة تعتقد بأن لا حقوق لها وأن الله قد كتب عليها العيش بهذه الصورة لا غيرها، وأن أفضل ما تقوم به هو إرضاء زوجها. إن النضال لتغيير هذه النظرة، لتغيير ما في النفس، أصعب بكثير من القيام بثورة ضد القيم القديمة البالية والراسخة في أذهان الناس. إن مهمة الرجال هو الاقتناع بذلك أولاً، والبدء بممارسته في البيت والمحيط الذي يعيش ويعمل فيه وفي عموم المجتمع، إنها عملية معقدة ولكن لا مناص منها.
كما أن من واجب المرأة الواعية لحقوقها وواجباتها في البيت والمجتمع والدولة أن تمارس النضال لإقناع النسوة اللواتي يعملن معها والمحيط الذي تعمل وتعيش فيه والمجتمع، إذ بدون ذلك لن نحقق النتائج المرجوة. علينا أن نعمل لإقناع النساء، كل النساء، بحقوقهن المشروعة والعادلة وبواجباتهن.
ويمكن لمنظمات المجتمع المدني النسوية ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية الأخرى أن تلعب دوراً كبيراً في هذا الصدد. والخطوة الأساسية على هذا الطريق تبدأ بالتخلص من الجهل والأمية التعليمية والثقافية والسياسية.
إن المجتمع العراقي افي ظل النظام الطائفي المحاصصي القائم غير مؤهل لبناء حضارة جديدة ويستفيد من حضارة العصر الجديد لتطوير قدراته وكفاءاته وتعزيز دوره للمساهمة في بناء الحضارة البشرية الحديثة، تماماً أو حتى أفضل من الدور الذي قام به المجتمع العراقي القديم في بناء أول حضارة إنسانية في هذه العالم الواسع الأرجاء. إن على الشعب العراقي مهمة قبول هذا التحدي الذي يفرضه العصر، والمرأة العراقية، سواء أكانت عربية أم كردية أم تركمانية أم آشورية وكلدانية، وسواء أكانت مسلمة أم مسيحية أم إيزيدية أم مندائية أم يهودية أم زرادشتية أم كاكائية أم أي دين أو مذهب آخر تؤمن به وتتبعه، ستكون في طليعة هذا الركب الإنساني الحديث. إنها ليست أمنيات فحسب، بل هي طاقات وإمكانيات كامنة يفترض تفجيرها بعناية كبيرة ورعاية تامة ووعي بالمسئولية التاريخية الملقاة على عاتق الجيل الجديد من الشابات والشباب العراقي، ولكنها تبقى مهمة الجميع.
إن قوى النظام السياسي الطائفي الفاسد القائم حالياً تسعى لفرض الظلمة والتخلف والتبعية على حياة ودور المرأة العراقية الذي تجلى بما طرحته من قانون للأحوال الشخصية الذي أطلق عليه بـ “القانون الجعفري”، نسبة إلى المذهب الشيعي، ونسبة إلى الإمام جعفر الصادق (83-148 هـ) الأمام السادس عند الشيعية الاثنا عشرية. وقد رفض هذا القانون ولم ينجحوا في رفضه بسبب نهوض حملة واسعة ناجحة حتى الآن لرفضه، ولكن لم يتحقق للمرأة ما تسعى إليه من قانون جديد يتجاوز ما تحقق في القانون 188 لسنة 1959. إن وحدة نضال المرأة العراقية بغض النظر عن قوميتها أو دينها أو مذهبها، من أجل حقوقها العادلة والمشروعة ومساواتها بالرجل أولاً، وتعاونها مع الرجل وتضامن الرجل معها ثانياً، ودعم الرأي العام النسوي العالمي لها في هذا النضال سيحقق النتائج المرجوة لحركة المرأة العراقية التي بدأن بها مجموعة رائعة من رائدات الحركة النسوية العراقية المقدامة، منذ قيام الدولة العراقية الحديثة عام 1921، لاسيما في عقد الثلاثينيات وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، ومن ثم بعد تأسيس رابطة المرأة العراقية بتاريخ 10/03/1952 في بغداد وتحت اسم رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية وحددت أهدافها على النحو التالي:
1- نضال من اجل السلم والتحرر الوطني والديمقراطية.
-2النضال من اجل حقوق المرأة ومساواتها.
-3النضال من اجل حماية الطفولة وسعادتها.
كما تشكلت لها فروع في كردستان والمحافظات الاخرى، وأصدرت نشرتها الدورية باسم حقوق المرأة، ثم قبلت الرابطة في الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي “أندع” كعضو عام 1953 .(أنظر: رابطة المرأة العراقية، عن الموقع الرسمي لرابطة المرأة العراقية).
هذه الرابطة النسوية المقدامة قدمت منذ تأسيسها، حيث نحتفل معها بالذكرى ألـ 69 لتأسيسها، وماتزال تقدم بجدارة، ما يؤكد تبنيها المخلص والتزامها الكامل بحقوق المرأة العراقية غير المنقوصة ومساواتها التامة بالرجل من حيث الواجبات والحقوق، فالتهاني الحارة بذه المناسبة العطرة، وبالذكرى السنوية المتجددة لعيد المرأة العالمي في اليوم الثامن من كل عام، لنساء العراق جميعاً ولنساء العالم ولرابطة المرأة العراقية.
يؤكد واقع العراق الراهن ضرورة خوض نضال إنساني نبيل وكثيف ودؤوب ومتعدد الأوجه تشارك تساهم فيه جميع منظمات المجتمع المدني و، ومنها رابطة المرأة العراقية، وجمع قوى الإعلام الديمقراطية والتقدمية والمواقع وشبكات التواصل الاجتماعي ذات المنحى الإنساني الديمقراطي، التي تتبنى مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ومنها حقوق المرأة وحقوق الطفل، والعدالة الاجتماعية ورفض الاستغلال ومختلف أشكال التمييز والعنف بمختلف أشكال ظهوره وممارسه، ومن أجل حقوق المرأة والسلام في العراق، خوض نضال من أجل التخلص من الأمية والجهل والتصدي الجريء ضد نشر الضلالة والظلامية والغيبيات والخرافات والأساطير المضللة، خوض النضال من أجل تنوير المجتمع حقوقياً وإعلامياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وفنياً وبيئياً، لأنه الطريق الوحيد لوعي ما جرى في العراق منذ قرون، أو على الأقل منذ بداية تكوين الدولة العراقية عام 1921 وما يجري اليوم في ظل هذا النظام السياسي الطائفي الفاسد والمقيت والمعادي فكراً وممارسة للمرأة وحقوقها، لاسيما حريتها وكرامتها ودورها الكامل في العائلة والمجتمع والدولة في آن واحد. شعب العراق بحاجة إلى كل الجهود الخيرة لكي لا يصبح الجهل مقدساً لدى بسطا الناس والمؤمنين، ولا يبقى العلم رذيلة لدى الجهلة من حكام العراق الحاليين والمرأة ناقصة عقل لديهم. لنزرع الأمل بالعمل في نفوس نساء العراق ورجاله ليخوضوا النضال المشترك من أجل عراق أفضل يستحق العيش به وتنميته وتطيره واللاحق بركب الحضارة الإنسانية.
الخلود والذكر الطيب لشهيدات الحركة النسوية والحركة الديمقراطية والتقدمية في العراق وكل شهداء الوطن، الخزي والعار لأعداء المرأة وسالبي حقوقها ومغتصبي إرادتها والمشاركين في اغتيال أو اعتقال وتعذيب وتغييب النساء العراقيات المناضلات. الحرية للمختطفات والمغيبات في السجون والمعتقلات. العزاء لعائلات الشهيدات والشفاء للجريحات منهن وكذلك الجرحى والمعوقين.
كاظم حبيب، الثامن من أذار/مارس 2