نحن والغرب… النساء لسن أخوات كما يقال لنا
لم تحظ المرأة، في أرجاء العالم، على مدى قرون، بالاهتمام الإعلامي الذي حظيت به في الشهور الأخيرة، ولأسباب مختلفة. من بين أسباب هذا الاهتمام المتأخر نجاح المرأة في تحقيق انجاز مؤثر، في مجالها الذي تعمل فيه، وهناك ما يدل على انه سيؤدي الى تغيير حياة آخرين مستقبلا بالاضافة الى تأثيره الحالي، بالإضافة الى النجاح في تطبيق القوانين المشرعنة لحماية حقوق المرأة، وأولها حق الحياة، في بعض الدول.
هناك، ايضا، الاهتمام الإعلامي المرتبط بـ« نجومية» عدد من النساء، على مستوى كوني، وكونهن محط متابعة شعبية لأسباب فنية او تجارية، أو ضحية اعتداء أو جريمة تهز المجتمع أو تأسيس مشروع بحاجة الى التسويق الإعلامي التجاري من خلال تسويق نفسها. واذا كانت هذه الموضوعات لا تختلف كثيرا عما يحظى به الرجل، الا ان منبع الاختلاف هو التركيز والتكثيف الذي نالته، أخيرا، وساعدت مناسبة اليوم العالمي للمرأة في الثامن من الشهر الحالي، على زيادته، خاصة وقد أصبح اليوم، مثل عديد الايام المناسباتية، عابرا للحدود ويكاد يكون جسرا يوصل بين نساء العالم. أو هذا ما تحاول شعارات الاحتفالات التي تقيمها الحكومات والمنظمات الدولية والمحلية، ارتدائه للاحتفاء بـ « نخبة» من نساء يتم انتقائهن من قبلهم. ونادرا ما تكون عملية الاختيار واقعية بمعنى تمثيل غالبية النساء، بل تخضع لحسابات سياسية وإيديولوجية أو دينية. مما يؤدي الى اقصاء المبدعات والمؤثرات الحقيقيات، وتهميش أدوارهن، وطمس امكانية ان يصبحن نموذجا يحتذى من قبل الأخريات.
ويتبدى هذا بشكل واضح، أكثر من غيره، في بلداننا الخاضعة لأنظمة يعيش ساستها حالة انفصام الشخصية (شيزوفرينيا) أسمها « وجود المرأة». حيث يحبذون توقيع الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بحقوق المرأة كمواطنة، ويتباهون بها، ولا مانع لديهم من سن القوانين التي تدين وتعاقب مرتكبي العنف ضدها، الا انهم نادرا ما يعملون على تفعيلها، لتصبح القوانين مجرد بودرة مكياج لتجميل وجه قبيح. فهم بحاجة دائمة الى تبييض وجوههم أمام العالم الخارجي/ الغربي، والتصريح الدائم بانهم يعملون على تحقيق المساواة وردم هوة التمييز بين المرأة والرجل.
كشف الاهتمام الإعلامي المكثف، اخيرا، المستويات المتعددة للعنف ضد المرأة، من خلال مقارنة وضعها بين دولة وأخرى، ومدى التقدم الذي احرزته في الغرب، حتى على مستوى الاستخدام اللغوي للتعابير والمصطلحات، بالمقارنة مع بلداننا. مما يضيف الى شيزوفرينيا ساسة الانظمة لدينا، ازدواجية المعايير في الدول الغربية، والتلاعب الذكي بالقوانين والاتفاقيات الدولية.
فالعنف الذي يستهدف امرأة واحدة في الغرب، مهما كانت درجته، يطرح للنقاش العام، والمساءلة، ومحاسبة مرتكبه، واحتمال اجراء تغيير لصالح المرأة ضمن القوانين المرعية. فجريمة قتل الشابة البريطانية سارة إيفرارد، وهي في طريق عودتها الى دارها بلندن، صار حدثا شغل المسؤولين والقانونيين والمنظمات النسائية حول حرية المرأة في الأماكن العامة وكيفية حماية حقها هذا. كما أثار ظهور الممثلة الأمريكية ميغان، زوجة الامير هاري، في مقابلة تلفزيونية، أشارت فيها ألمها، اثناء حملها، حين سأل احد اعضاء عائلة زوجها، عن لون بشرة ابنها، ضجة كبيرة حول العنصرية داخل العائلة المالكة والمجتمع عموما، باستقطاب لم تشهده بريطانيا من قبل، مع تدخل سياسي وشعبي أمريكي، فاكتسب الحدث الشخصي، بعدا تجاوز الخاص الى العام، بسبب نجومية ميغان وانتماء الزوج الطبقي والتسويق الإعلامي المثير للمقابلة.
إن العمل المشترك، بكل السبل الممكنة، لترسيخ حق المواطنة في بلد حر ومستقل، هو المسار الذي سيُنّمي ثقافة مجتمعية تعيد تنظيم العلاقات بين مواطني البلد الواحد وتمتد للتواصل مع بقية البشر، على قدم المساواة
في ذات الوقت، تمر معاناة ملايين النساء في بلداننا، كحاشية في مقالة قلما يقرأها أحد. حيث تعيش المرأة أوضاعا وانتهاكات مرعبة في معسكرات تضم ملايين النازحين. أرقام واحصائيات من الصعب جدا استيعابها. اربعة ملايين ونصف المليون نازح ومهجر سوري في معسكرات ببلدان مختلفة. ووصل الاحساس بالخوف وعدم الأمان والفقر المدقع بالعوائل العراقية النازحة، منذ سنوات، في المخيمات الى توسل العوائل البقاء في المخيمات. فما بدأ مؤقتا صار دائميا في بلد يعتبر من الدول الغنية بالعالم. وتعيش المرأة اليمنية لحظات احتضار ابنائها بسبب سوء التغذية بينما تقف مع بقية النساء في طوابير طويلة، بانتظار استلام «المساعدات الإنسانية» من بلدان يقوم معظمها ببيع السلاح لتغذية الحرب في ذات البلد. فأي مستقبل تحمله الايام المقبلة لأبناء هذه العوائل سواء كانوا اناثا أو ذكورا، في ظل مفارقة مبكية يصبح فيها الموت، جوعا وقصفا، هو من يحقق المساواة بين الجنسين؟
كيف يمكن للمرأة، في بلداننا، تحقيق ما تصبو اليه من كرامة وعدالة وحرية؟ وكيف تتمكن من تحسين وضعها وهي تواجه زيف ادعاءات الأنظمة القمعية بتحقيق المساواة بالتعاون مع نساء يدرن منظمات «نسوية» وورشات تنتهي، غالبا، بتخريج نساء، يحفظن ويكررن عن ظهر قلب شعارات جاهزة عن « تمكين المرأة» و« تعزيز مشاركة المرأة في القيادة وعملية صنع القرار» و«الديمقراطية والنوع الاجتماعي» بينما لايتم التطرق الى الأسباب الحقيقية لتدهور وضع المرأة، على كافة المستويات، كما نرى في وضع المرأة العراقية، بسبب الاحتلال وانعكاساته وتنصيب حكومات فاسدة يجمع افرادها ما بين التخلف الديني والمجتمعي واحتقار المواطنين بلا استثناء؟
لقد أثبتت لنا سنوات الاحتلال الصهيوني لفلسطين والاحتلال الانكلو أمريكي للعراق، مثلا، ان تجزئة القضايا يساعد على تجذير الاختلاف، بشكل مَرَضي، وتمديد بقاء الاحتلال ولكن تحت مسميات جديدة. وان هذه التجزئة لا ترتقي بالعلاقات الانسانية بل تبين ان مفهوم نضال المرأة ليس واحدا، وان النساء لسن « أخوات» كما يقال لنا.
مما يجعل جوهر الحل هو الإيمان بان قضية المرأة هي قضية الرجل. وليس كافيا جلب امرأة للجلوس على منصة الخطب بين عشرة رجال يحتكرون الحديث عن السياسة والاقتصاد والسيادة، تاركين مساهمة زميلتهم على المنصة « عن المرأة» فقط وليس عن السياسة والاقتصاد والسيادة، وكانها امور لا تعنيها. الأمر الذي يدفعها، فورا، خارج خريطة الحياة العامة التي يرون أنفسهم معماريها. بينما المطلوب ان تكون حاضرة ومساهمة فاعلة في كل الجوانب، وجنبا الى جنب مع الرجل الذي هو نفسه بحاجة الى التحرير. إن العمل المشترك، بكل السبل الممكنة، لترسيخ حق المواطنة في بلد حر ومستقل، هو المسار الذي سيُنّمي ثقافة مجتمعية تعيد تنظيم العلاقات بين مواطني البلد الواحد وتمتد للتواصل مع بقية البشر، على قدم المساواة.
كاتبة من العراق