كاظم حبيب
وماذا عن السلاح المنفلت والميليشيات المسلحة
والفساد وقتلة المتظاهرين يا رئيس جمهورية العراق؟
كما في أغلب اللقاءات التلفزيونية التي تجريها الصحفية اللبنانية السيدة جيزيل خوري مع سياسيين وصحفيين من الدول العربية والدولية، ، التي اكتوت بنار الإرهاب الدموي للقوى الميليشياوية المسلحة التي اغتالت زوجها الصحفي اللبناني المميز السيد سمير قصيرة بتفجير سيارته في بيروت في 02/06/2005، وهي الجريمة التي لم يعلن حتى الآن عن هوية القتلة، كما في حالات اغتيال أخرى لسياسيين يساريين ومسؤولين لبنانيين، مثلما حصل في اغتيال الباحث والكاتب حسين مرة والمفكر والكاتب مهدي العامل ورئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري …الخ، أجرت بتاريخ 19/03/2021 لقاءً تلفزيونياً مع رئيس جمهورية العراق الدكتور برهم صالح في قصر السلام في المنطقة الخضراء ببغداد، حول أوضاع العراق الراهنة والعلاقات العراقية الأمريكية والعراقية الإيرانية والعلاقات بين الحكومتين الاتحادية وإقليم كردستان العراق وحول الانتخابات العامة المبكرة، حاولت فيه الحصول على إجابات عن أسئلة كثيرة طرحتها عليه بصراحة ووضوح. إلا أن الصحفية البارعة لم تحظ منه إلا بما عاناه العراق في فترة الحكم البعثي الصدامي من ظلم وحروب وموت ودمار، وعن الفقر المدقع الذي يعيش فيه جنوب العراق حالياً، وعن علاقات معقدة لم تحسم بعد بين الحكومتين، وعن انتخابات مبكرة ينتظر أن تكون نزيهة وعادلة وأن العراق يريد أن يكون سيد نفسه…الخ. ثم ركز بشل خاص، وبأسلوب ولغة عربية فصيحة يحسده عليهما كثرة من المسؤولين والحكام العرب، على ما ينتظر العراق من غدٍ مشرق وضاء وسعيد جميل يستحقه العراقيون، ولكن هذا المستقبل هو في الغيب، إذ لا يعلم إلا الله والراسخون في العلم متى سيكون هذا الغد المشرق ولمن سيكون هذا الغد المفقود، إذ ربما سيحصل بعد أن تقوم الميليشيات الطائفية المسلحة وقوى الإرهاب الدولي الأخرى بتصفية نسبة عالية من بنات وأبناء المجتمع العراقي على أيدي الميليشيات الطائفية المسلحة، وبسبب الفقر المدقع والحرمان والأمراض المختلفة وتلوث البيئة العراقية والوباء الجديد كوفيدا 19 أو الهجرة من بلاد الرافدين، كما هاجر منه حتى الآن ما يقرب من 5 ملايين إنسان.
طُرحت عليه أسئلة كثيرة لا أريد التطرق حولها ولا مناقشتها في هذا المقال المكثف، بل سأركز على أسئلتها الخاصة بالانتخابات المبكرة والفساد والسلاح المنفلت والميليشيات المسلحة وقتلى الانتفاضة وما يريد الشعب العراقي. فماذا كان جواب السيد برهم صالح عن أهم الأسئلة التي تمس الشعب العراقي بأسره؟
أكد بأن الانتخابات ستجري في موعدها الذي قرر في أكتوبر 2021، وأن الحكومة سوف تتخذ الإجراءات الكفيلة بـ “نزاهتها وعدالتها!”. كما أشار إلى وجود الفساد والتحرك على الملفات، ولكنها مسألة كبيرة وخطيرة ويفترض أن تتحرك، ولكن متى ستتحرك هذه الملفات وكيف سيجر التعامل مع كبار الحيتان الفاسدة؟ لا جواب بأي حال. ثم أشار بأنه والحكومة يتخذان إجراء لإعادة الأمـوال الموجودة في الخارج إلى العراق عبر العلاقات الدولية وتشكيل لجنة لهذا الغرض. لجنة جديدة ضم اللجان البائرة! ولكن مسؤول الدولة لم يتحدث عن أهم المسائل التي طرحتها عليه السيدة جيزيل خوري، لم يتحدث عن السلاح المنفلت وعن الميليشيات المسلحة وعن محاكمة قتلة المتظاهرين. بل حتى لم يمر عليها، بل ابتلع الأسئلة وكأن المشاهدين والمستمعين لهذا اللقاء صم بكم عمي لا يرون ويعون ولا يسمعون ما يقوله أمام شاشة التلفزة. والأسئلة الأساسية التي ابتعد عنها هي: كيف يمكن إجراء انتخابات نزيهة وعادلة يا رئيس جمهورية العراق وحيتان الفساد ما تزال على رأس الدولة العراقية وفي السلطات الثلاث؟ وكيف يمكن أن تكون الانتخابات نزيهة والسلاح المنفلت بيد الميليشيات الطائفية المسلحة في أغلب البلاد؟ وكيف يمكن أن تكون نزيهة وعادلة والميليشيات الطائفية المسلحة الأعضاء في الحشد الشعبي هي التي تقتل وتختطف وتعتقل وتسجن وتعذب يومياً المزيد من النشطاء المدنيين والناشطات المدنيات؟ وكيف يمكن أن تكون الانتخابات نزيهة وعادلة وقانون الانتخابات غير عادل وغير منصف ولا يتماشى مع الدستور العراقي ولا مع لائحة حقوق الإنسان، ولكنك مع ذلك وقعت عليه؟ وكيف يمكن أن تكون الانتخابات نزيهة وعادلة وإيران تسرح وتمرح في البلاد وتمسك بيديها زمام الدولة العميقة المهيمنة على الدولة العراقية الهامشية والمهمشة وعلى سلطاتها الثلاث وهيئاتها ومؤسساتها؟
إجابات رئيس الجمهورية ذكرتني بذلك الوصف الذي قدمه أحد علماء الاقتصاد بقوله إن الإحصاءات الحكومية لعدد كبير من بلدان العالم، ومنها العراق، لا تختلف عن لباس السباحة النسوي الحديث المسمى بـ “المايوه الپكيني”، الذي يكشف عن كثير من جسم المرأة إلا المناطق الأكثر حساسية فيها. إنك ابتعد عن المقتل الأساسي للانتخابات القادمة لتلك الشروط التي لا تتحدث عنها ويبتعد عنها أيضاً رئيس الحكومة خشية لسعة تأتيه من أفاعي سامة تحيط به من كل الجهات، لتذكره بما اتفقت معه عليه حين وافقت على أن يكون رئيساً لحكومة فاشلة منذ البد في تنفيذ ما وعد به الشعب!!!
تحدث رئيس الجمهورية عن السيادة العراقية والندية مع إيران، وكأنه يريدنا أن نحلم معه بما قاله، ولكنه نسى أو تناسى واقع التدخل اليومي الفظ لإيران في شؤون “الدولة العراقية!” التي تعتبر عملياً شبه محتلة وشبه مستعمرة من جانب “الجارة إيران العزيزة جداً!” عبر الدولة العميقة، فالعراق دولة بل إرادة، وحكم بلا دستور وقانون، وميليشيات ولائية فوق الدستور والقانون والشعب.
أدركت الصحفية الخبيرة بنية وإصرار رئيس الجمهورية عدم الإجابة عن أهم أسئلتها التي تمس مصالح الشعب العراقي مباشرة، تمس عملية التغيير التي يناضل من أجلها شعب العراق وقدم أغلى التضحيات البشرية في سبيلها، فتخلت مع الأسف عن إصرارها المعروف في انتزاع الإجابات الضرورية التي خيبت بذلك الجمهور الذي يتطلع لرؤية لقاءاتها الصريحة والوافية، وكان يتوقع هذا الموقف من رئيس الجمهورية، فهو لم يكن يوماً مع، أو صريحاً، مع الشعب!