هل تعلمون أننا تصدرنا مؤشر التعاسة العالمي؟!
ما أسعدنا! أخيراً وصلنا «مؤشر السعادة العالمي» لسنة 2021، وهو تقرير يقدم لائحة في البلدان الأكثر سعادة حول العالم، ويعتمد في نتائجه على عدة عوامل أهمها إجمالي الناتج المحلي للفرد، والحياة الصحية المتوقعة، بالإضافة إلى آراء سكان الدول.
هكذا احتلت الدول العربية الخليجية مراتب متقدمة على سلم الهناء، ولكن ماذا عن لبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا بلاد الحضارات العظيمة؟
أين هي هذه البلدان في سلم السعادة؟
ولمَ لا نرى لها أثراً على درجات السلم حتى السفلى منه؟
إنها فعلاً موجودة ولكننا نعاني من مشاكل في البصيرة والتبصر!
لو تأملنا السلم لعرفنا أنها قابعة في هوة سحيقة.. وكل ما نحتاجه هو مؤشر آخر مختص بالدول الأكثر تعاسة على الإطلاق!
وسنتصدره بإذن الله. لن يغلبنا أحد ما دمنا نعيش في عهود غير مسبوقة من الفساد والفاسدين.
لقد سبق وذكرنا أن آراء سكان الدول هي من أهم العناصر التي تعتمد في تحديد مدى السعادة التي تعيشها البلاد.
فلو زرنا بيروت على سبيل المثال سيقابلنا رجل سبعيني «سعيد جداً» يقف أمام البنك وهو يبكي بحرقة قائلاً إن الطبقة الحاكمة الفاسدة نهبت شقاء عمره كله وشقاء وأموال المواطنين، وهو يستعد للرحيل النهائي من الوطن في هذه السن الكبيرة.
كان يقف عاقداً ذراعيه إلى الأمام وكأنه يحاول التماسك وعدم الإنهيار أمام مراسلة قناة «أم تي في» اللبنانيّة شاكياً حاله:
«بعت بيتي بشارع الحمراء وحطيته بالبنك وسُرق. مديرة البنك بتقلي مش البنك سرق أموالك دولتك سرقت أموالك»
وحين سألته المراسلة « لمَ تبكي»؟ أجابها: «لأن بعز عليّ تعب عمري 72 سنة وهلأ رايح على أمريكا لأبدأ من جديد».
هذا الرجل المسن نموذج مصغر من «الفرح» المتفشي في البلد. فهناك أيضاً من يقيمون مهرجانات كبيرة من السعادة لكن داخل المتاجر. هناك يتدافعون ويتهافتون ويتضاربون «من شدة الفرح» طبعاً فقط للحصول على المواد الغذائية المدعومة.
أما النموذج الأكبر من السعادة فهو يتدفق في قلوب أمهات لبنان.
هل سمعتم بالفرح المنكسر؟
أمهات يبكين موت الأبناء في انفجار هز المدينة، دمرها، وغيّر معالمها. مؤثراً على العالم كله! انفجار طال طبقات الغلاف الجوي، واهتزازاته وصلت إلى أعلى طبقة، حسب بحث أجري في الهند واليابان. ورغم ذلك كله لا أثر لفاعل أو متهم واحد. أمهات لبنان هنّ الأكثر سعادة على الإطلاق. يمشين في الشوارع رافعات شعاراً موحداً: «أنا أم وقلبي موجوع وما رح أرضى ابني يجوع».
الشعب اللبناني يعاني من فائض في الهناء، لذلك لم تعد لديه القدرة على العيش في الوطن.
لقد انتشر مؤخراً بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع مؤثر جداً من فيديو قصير لطبيبة تدعى نور الجلبوط، عالجت المصابين يوم انفجار المرفأ. تقول، وهي تبكي وتغص بين كلمة وأخرى، إن السقف، يومها، وقع من على الطاقم الطبي. ومع ذلك تماسكت وقررت أن تسعف سيلاً من الجرحى المتدفقين نحو المستشفى. عالجت ما يزيد عن 500 شخص لا تذكر حتى وجوههم من شدة التعب.
أما اليوم وبعد أن قدمت كل ما باستطاعتها للوطن وفقدت كل أمل في التغيير فهي تستعد للرحيل والهجرة إلى الخارج. تقول إن لبنان بالنسبة لها كالأفيون. هي متعلقة بالأرض ولكن الوطن يسبب لها الألم الشديد.
لم تعد قادرة على الاحتمال. فهي ترغب بحياة لا تستثني أحداً من كرامتها.
لبنان وأخوته في الألم، بلدان تعيش في الظلمة والقهر والنسيان. أما السعادة فهي كلمة انقرضت منذ زمن. ولن تعود!
نستحضر في هذه الأيام ما قاله مظفر النواب قبل ثلاثة عقود:
«وطني، هل أنت بلاد الأعداء؟
هل أنت بقية داحس والغبراء؟
وطني أنقذني رائحة الجوع البشري مخيفة..».
صداقة تولد في زمن الوحدة!
ومن الحزن إلى شيء من الفرح. خبر نشرته وكالة رويترز وتناقلته عدة صحف عربية ليلقى إعجاباً وتفاعلاً كبيرين من رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
قصة صداقة حقيقية نشأت بين سيدة عجوز وشاب عمره عشرون سنة.
جاكلين تولو سيدة فرنسية عمرها قارب المئة عام. تعيش في دار رعاية في منطقة قريبة من باريس. تعاني من الوحدة التي ازدادت مع اجتياح وباء كورونا. تجلس بمفردها وكأنها تترقب الموت من بعيد. لا حلم يلوح في الأفق. ما أصعب الحياة حين تنعدم الأحلام.
ولكن القدر جمعها بأليوت بلمان، وهو طالب جامعي في السنة الثالثة من دراسة الفرنسية والإسبانية واليابانية في جامعة «وارويك» البريطانية.
أراد السفر إلى باريس والإقامة فيها لمدة سنة بهدف التحدث باللغة الفرنسية، ولكن الوباء منعه أيضاً من تحقيق مبتغاه.
فوجد خطة بديلة تتيح له إتقانها. وهو برنامج عبر تطبيق «سكايب» يعرف بـ»شير آمي» أو صديقي العزيز. يجمع البرنامج بين المسنين والطلاب الجامعيين الذين يرغبون في تعلم اللغات من خلال محادثات متبادلة.
هكذا تعرّف أليوت على جاكلين واستمرت المحادثات بينهما لأكثر من ستة أشهر إلى أن أصبحا صديقين مقربين.
لم تكن السيدة المسنة تتوقع أن تجد صديقاً يخفف من وحدتها ويعيد لها الحياة وهي على كرسيها المتحرك في غرفة صغيرة.
ولم يخطر لأليوت الشاب أنه سيكسب لغة في كيان صديقة وفية.
صدق من قال إن مصائب قوم عند قوم فوائد.
كورونا الذي فرق العالم وجعل الفرد يعيش في عزلة حتى عن ذاته ويشعر بحالة اغتراب دائمة، هو نفسه من جمع بين صديقين من عالمين مختلفين.
كورونا الذي تسبب في موت الملايين منح معنى لحياة امرأة عجوز.
فلولا تلك الجائحة لما التقت جاكلين تولو بصديقها الشاب أليوت بلمان.
كاتبة لبنانيّة