كاظم حبيب
الميليشيات الإسلامية الإرهابية تجتاح بغداد وتستبيح الدولة وكرامة الشعب
ليست هذه أول مرة تجتاح الميليشيات الطائفية الإرهابية الولائية المسلحة بغداد ومدن أخرى في العراق، لتهدد الدولة وهيبتها المهشمة وتكمم أفواه قوى الشعب المناهضة للعملية السياسية الطائفية الفاسدة الجارية، وتستبيح شوارع بغداد العاصمة ومدن أخرى في الوسط والجنوب والموصل وبعض المدن الغربية، بل تكررت عدة مرات وبأسماء مختلفة، ولكنها كلها كانت ومازالت ذات ايديولوجية فاشية وقمعية واحدة وانتماء سياسي واحد: إنها أيديولوجيا الإسلام السياسي الفاشي الإرهابي، والانتماء السياسي للدولة الفارسية الصفوية في إيران ونفوذها ومصالحها في العراق ومنطقة الشرق الأوسط، إنه الفكر المتخلف والرجعي والمناهض لحقوق الإنسان وحقوق القوميات وحرية العقيدة والفكر من جهة، وأنه الفكر المتبنى من الأحزاب الإسلامية السياسية العراقية والمساندة لدور إيران الراغب في احتلال واستعمار العراق ودول الخليج وبقية الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط بذريعة الدين والمذهب، لإقامة الإمبراطورية الفارسية بهويتها القومية الشوفينية المتطرفة.
لم تكن هذه القوى التي أطلقت على نفسها ربع الله وسارت في شوارع بغداد مستعرضة قوتها العسكرية الغاشمة غير معروفة للشعب العراقي، فهي تعيش جرائمها يومياً، سواء من حيث ابتزازها مالياً وسياسياً، أو اختطاف واعتقال وتعذيب واغتيال نشطاء الانتفاضة التشرينية والمظاهرات المستمرة، أو نهب موارد الدولة وإيصال كثير منها لإيران وحزب الله والنظام السوري وفي حسابات أحزابها وقادتها في الخارج، أو المتاجرة بأعضاء الإنسان وبالمخدرات وبالعهر البشري، الأنثوي والذكوري، أو بالسيطرة على العقارات ودور الناس وتشريدهم وفرض الهجرة عليهم وفرض التغيير الديمغرافي على مناطق أتباع الديانات الأخرى، كما في حالة مسيحيي وإيزيديي محافظة نينوى. فهذا “ربع الله” الفاسد يمثل جميع الميليشيات الولائية الطائفية المسلحة العاملة لصالح إيران في العراق، والتي تشكل الجزء الأساسي والأكبر والأكثر قوة ضمن الحشد الشعبي “العراقي!”. فجماعة “ربع الله” لم تخف ذلك بل استخدمت بشكل سافر وصريح سيارات الدولة وأسلحتها وعدتها وعديدها بل ارتدت حتى ملابس القوات المسلحة العراقية. وخرج علينا بيان من الحشد الشعبي يقول بأنه يأتمر بأوامر القائد العام للقوات المسلحة وأن “قواته لم تكن في شوارع بغداد!”، في حين أن هذه القوى الأعضاء في الحشد الشعبي رفعت صورة رئيس الوزراء وقد بصمت على وجهه حذاءً وكتبت بأن حان الوقت لقطع أذنيه عقاباً له لأنه “هدد!” باعتقال بعض الإرهابيين المكشوفين والمشاركين في قتل العراقيات والعراقيين. يا له من حشد شعبي نظيف ومخلص للعراق وشعبه! إنها المأساة والمهزلة في آن واحد تلك التي يعيشها شعب العراق منذ 17 عاماً وما يزال يعاني من ذات القوى الطائفية الفاسدة الحاكمة والمتحكمة برقاب الناس. ولم يجد رئيس الجمهورية في لقا صحفي دام حوالي الساعة مع السيدة جيزيل خوري أن يتحدث ولو بكلمة واحدة عن السلاح المنفلت وعن الميليشيات الطائفية المسلحة وعن دور إيران في العراق، وكأن العراق نظيف من كل ذلك أو أنه يخشاها ويخشى إيرانها في آن واحد! أما رئيس الوزراء فقد قال في استحياء كبير دون أن يجرأ باتخاذ الإجراء المناسب لدولة تحترم نفسها ودستورها وقوانينها وشعبها، بعد أن “شهدت شوارع العاصمة العراقية بغداد الخميس استعراضا مسلّحا أقامته إحدى الميليشيات الشيعية وأظهرت خلاله قدرا كبيرا من التحدّي لسلطة الدولة، رافعة لافتات وشعارات مهينة لبعض كبار المسؤولين، ومهدّدة باستهداف المصالح الأجنبية على الأراضي العراقية. وعلى متن العشرات من الشاحنات رباعية الدفع وغير الحاملة لأرقام قام الخميس عناصر ميليشيا ربع الله باستعراض للقوة في شوارع بغداد، وذلك في تصعيد للتوتر القائم مع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي الذي يستعد لاستئناف الحوار مع الولايات المتّحد، قال: “أن “البعض يحاول أن يبتز الدولة العراقية تحت مسميات كاذبة”، مضيفاً أن “هناك من يعتقد أنه بالسلاح يهدد الدولة”. ولن نخاف من أحد. نحن نخاف من ضمائرنا فقط“.. (أنظر: ميليشيا ربع الله تستعرض في بغداد وتهدد رئيس الوزراء العراقي، موقع العرب، 26/03/2021). فهل هذا هو الجواب الشافي من رئيس وزراء العراق والقائد العام للقوات المسلحة، الذي من واجباته الأساسية الحفاظ على هيبة الدولة ودستورها وقوانينها وكرامة الشعب وحماية حقوقه ومصالحه وحياة أفراده من التهدد والابتزاز والاختطاف والتعذيب والسجن السري والقتل؟
لا شك في وجود صراع سياسي محتدمٍ أحياناً ومتحالفٍ أحياناً أخرى بين الأحزاب الإسلامية السياسية يجد تعبيره عسكرياً بين الميليشيات الطائفية المسلحة التي تسعى لفرض نفسها ونفوذها ودولتها العميقة على أرض العراق وشعبه، في وقت لا تريد أو لا تجد الدولة العراقية الهامشية أي رد فعلٍ فعال والجواب المناسب على كل تلك التحديات. إنها المعضلة.
رئيس وزراء العراق يتحدث في لقاء مع الصحفيين عن كثرة منجزاته. ويقول بأن هناك من يحاول التقليل من شأنها وأهميتها. لست ممن يبخس منجزات رئيس الوزراء أن وجدت فيها منجزات فعلية لصالح الشعب، بل لرفعت صوت الانحياز إلى جانبه ودعمه. ليس بين القوى المدنية والديمقراطية، سواء أكانوا كتاباً وسياسيين أم إعلاميين، من يحاول التقليل من أهمية أية منجزات تحققه الحكومة. ولكن أين هي المنجزات؟ ما هو الموقف من التعيينات الطائفية التي تمت في فترة حكمه؟ ما هي الإجراءات المهمة التي اتخذها ثم تراجع عنها بسبب التهديدات الموجهة له، مثل اعتقال مجموعات من الميليشيات الولائية المطرفة، أو إعادة دفع الرواتب المزدوجة لمحتجزي رفحاء؟ ما هو الموقف من ملفات الفاسدين التي لم يظهر منها أي ملف وهم ما زالوا على رأس الأحزاب القائدة للعملية السياسية الفاشلة الجارية؟ وماذا عن السلاح المنفلت والذي يقترب من أن يكون جيشاً كاملاً يهدد القوات المسلحة العراقية بما يملك من سلاح وعتاد وعديد القوى وتأييد إيراني مطلق؟ وماذا عن ارتفاع الأسعار وهموم المواطنين الذي انخفضت القوة الشرائية لهم بمقدار يزيد عن 25% من رواتب صغار ومتوسطي الموظفين دع عنك الكادحين والعاطلين عن العمل والفقراء والمعوزين؟ إنها معضلتك يا رئيس الوزراء لأنك لست مع الشعب ولا مع قوى الانتفاضة التشرينية ومطالبها حتى الآن!
لم يعتمد رئيس الوزراء العراقي على الشعب العراقي وعلى قوى الانتفاضة التشرينية بل سعى إلى قمعها بأساليب مختلفة، بما فيها محاولة شراء البعض القليل منهم، أو تشريدهم من خلال جعلهم عرضة للتهديد بالقتل أو الاختطاف والتغييب أو بضرب المظاهرات أو بالتعاون مع جماعة سائرون وسرايا السلام لضرب الاحتجاجات وقتل النشطاء، كما حصل في النجف والذي عكسته برؤية ناضجة وجريئة السيدة أم مهند القيسي في النجف أو في ذي قار وغيرها.
لا يمكن لسياسي عراقي أن يلعب أو يرقص على حبال عديدة في آن واحد، إما أن يكون مع الشعب أو ضده، وليس هناك من طريق ثالث، فالطريق الثالث هو الموت بعينه، وهو الخسارة الفادحة للشعب العراقي الأعزل والمسالم والراغب في التغيير على أسس سلمية وديمقراطية، في حين تسعى القوى المناهضة للشعب فرض أساليب أخرى على الشعب، فهل ستنجح في إثارة حرب أهلية لكي تستخدم سلاحها في ضرب الشعب، أم سينجح الشعب في الخلاص من كل القوى التي تريد له الشر والذل والبؤس والخراب؟ ولكن هؤلاء الأعداء نسوا الحقيقة القائلة:
الشعب ما مات يوماً وأنه لن يموتا
أن فاته اليوم نصر ففي غدٍ لن يفوتا
وإن غداً لناظره قريب…