خيار القوة في السياسة الأمريكية
ضرغام الدباغ
هذا تبسيط لفلسفة القوة، أو بالاحرى للاستخدام غير العادل لمن يمتلك القوة، أستخدام ينطوي على الجور، وإذا طبقناه على عالم العلاقات الدولية (وهو مطبق) نرى أن الأقوياء يفرضون إرادتهم ومصالحهم حتى وإن تعارضت مع مصالح أمم وشعوب ذات العلاقة أو المصالح المشتركة، ويمارسوه بصيغ طغيانية جائرة .
القوة هي أساس الموقف في السياسة العالمية، وقد كانت هكذا على مدار التاريخ، باستثناء فترة الاتحاد السوفيتي الذي كان يسعى جاهداً إلى التعايش السلمي ونزع السلاح، وكان يمثل قوة لها حسابها وثقلها في العلاقات الدولية انطلاقا من مفاهيم سياسية / اجتماعية / إنسانية. أما الفكر السياسي الغربي الذي يستمد أصوله وجذوره من الفكر السياسي الاغريقي القديم الأفلاطوني الارسطوي، فيضع القوة في المقام الأول ويعتبرها رأس الحق، وليس من حيث صلاحية الفكرة، وعدم أنطوائها على العدوان على الغير.
والديمقراطية الغربية وهي تستمد جذورها من مصادر الفلسفة الغربية سواء السياسية أو الاقتصادية منها، تطورت على مدار قرون من أفكار الاكويني إلى مارتن لوثر، ثم تحررت على يد ميكافيلي وابتعدت عن محيط الكنيسة وتأثيراتها، ثم مونتسيكيو وروسو، حتى بلغت ما نعرفه اليوم، والولايات المتحدة عبر مراحل تطورها، تأسست ككيان متفرد بطبيعته، التاريخية والاجتماعية والعرقية، ووفرت لها المساحة الهائلة خيرات وقدرات ومستلزمات صعود خلقت منها قوة عظمى، ساعد على ذلك ابتعادها عن بؤر التوتر في آسيا وأفريقيا، فلم تسقط قذيفة واحدة على الأرض الأمريكية طيلة الحربية العالميتين الأولى والثانية، بل هي استثمرت كافة الصراعات الدولية لصالحها، وانتهت الحرب العالمية الأولى والثانية بنتيجة واضحة، أن الولايات المتحدة في المرتبة الأولى اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. بل كانت الولايات المتحدة هي الرابح الأعظم في حسابات النتائج السياسية والاقتصادية للحربين العالميتين.
تحولت معظم أرصدة العالم من الذهب إلى الولايات المتحدة، وغطست معظم الدول الصناعية الكبرى في الديون لصالحها، واستولت الولايات المتحدة على معظم الصناعات الثقيلة في العالم الصناعي (عدا الاتحاد السوفيتي)، وتأسس النظام النقدي الدولي بناء على مؤتمر برتون وودز (Bretton Woods) وينص على أعتبار الدولار عملة وحيدة قابلة كقاعدة للتحويلات المالية، وتأسست منظمة الأمم المتحدة على أراضيها (نيويورك)، وتزعمت ما يسمى بالعالم الحر، وقادت الاحلاف العسكرية في جميع أنحاء العالم، وترجمتها العملية تمثلت بمئات القواعد العسكرية البرية والبحرية والجوية.
ومن يطالع التاريخ الحديث للولايات المتحدة، (وهي دولة حديثة لا تأريخ لها) سيكتشف سرعة ميل الإدارات الأمريكية إلى اتخاذ قرار استخدام القوات المسلحة (أو التلويح بأستخدامها) بدل التوجه للمفاوضة الدبلوماسية، والعنصر الوحيد الذي يتحكم بأتخاذ هذا القرار الخطير هو المردود والمكسب من هذا القرار، والإدارات الأمريكية تفكر مليا فقط في التكاليف المالية لزج القوات المسلحة، ولكنها (الإدارات) تأمل أن ينحسر غبار الحرب عن مكتسبات مالية وسياسية تتجاوز قيمة ما بذل لتحقيق النتيجة أو الهدف الذي سيبقى مائلاً أمام تحركها السياسي والعسكري.
الولايات المتحدة لم تخض حربا دفاعية، عن أراضيها الوطنية، بل كانت جل حروبها في قارات بعيدة، وتذكر مراجع في السياسة الخارجية الأمريكية، أن المصالح الأمريكية تكمن في القارات البعيدة، وينبغي الدفاع عنها هناك. وفي الواقع لهذا السبب وطد صانعوا القرارات في الولايات المتحدة على أن يكون الجيش الأمريكي قادر لوحده القيام بالمهام العيدة في بؤر التوتر، ومع ذلك لا تتواني الولايات المتحدة عن تكوين كتل من دول (حليفة)
ولذلك تخصص الولايات المتحدة ميزانية ضخمة لقواتها المسلحة، والأنفاق على التسليح والتواجد العسكري الأمريكي خارج أراضيها. وجاءت الولايات المتحدة الأمريكية(2019) في المرتبة الأولى عالمياً، بتخصيصها أكثر من 800 مليار دولار كميزانية للدفاع ، أي أنها أكبر من إجمالي ميزانيات الدفاع للدول العشر التالية لها وتضم بينها دولا كبرى مثل روسيا والصين والهند واليابان وبريطانيا وفرنسا وغيرها.
تتيح هذه القوة الاقتصادية والبشرية (328 مليون نسمة) بناء قوات مسلحة ضخمة، تتواجد في 29 دولة في العالم وهي: قائمة القواعد العسكرية الأمريكية في الخارج:
أفغانستان – معسكر دواير؛ القاعدة العسكرية المتقدمة في دلهي؛ القاعدة التشغيلية المتقدمة في غيرونيمو؛ Firebase Fiddler’s Green
البحرين – القاعدة البحرية الأمريكية البحرين؛ قاعدة الشيخ عيسى الجوية
بلجيكا – قاعدة تشيفريس الجوية؛ قاعدة كلين بروغيل الجوية
البرازيل – مفرزة الدعم البحري الأمريكية في ساو باولو
إقليم المحيط الهندي البريطاني (UK) – وحدة الدعم البحري في دييغو غارسيا
بلغاريا – Aitos Logistics Center؛ قاعدة بيزمير الجوية؛ قاعدة غراف إغناتيفو الجوية؛ Novo Selo Range
ألمانيا – US Army installations in Germany؛ Panzer Kaserne؛ قاعدة رامشتين الجوية؛ Spangdahlem Air Base
اليونان – Naval Support Activity Souda Bay
غرينلاند (الدنمارك) – قاعدة ثول الجوية
هندوراس – قاعدة سوتو كانو الجوية
إسرائيل – ميناء حيفا (أسطول الولايات المتحدة السادس؛ منشأة رادار ديمونة
إيطاليا Caserma Del Din ، Caserma Ederle، Darby Military Community، القاعدة البحرية الجوية في سيغونيلا، Naval Support Activity Naples، قاعدة أفيانو الجوية
اليابان – القوات الأمريكية في اليابان
كوسوفو معسكر بوندستيل
الكويت – قاعدة علي السالم الجوية؛ معسكر عريفجان، معسكر بيوري، قاعدة الكويت البحرية
النرويج – 426 Air Base Squadron at Sola Air Station
سلطنة عمان – RAFO Masirah؛ RAFO ولاية ثمريت (SouOman)
البرتغال – قاعدة لاجيس فيلد .
قطر – قاعدة العديد الجوية.
سنغافورة – Paya Lebar Air Base
كوريا الجنوبية– United States Forces Korea
إسبانيا Morón Air Base، Naval Station Rota .
تركيا – قاعدة إنجرليك الجوية، قاعدة إزمير الجوية
الإمارات العربية المتحدة – قاعدة الظفرة الجوية؛ ميناء جبل علي، قاعدة الفجيرة البحرية
المملكة المتحدة – RAF Alconbury؛ RAF Croughton؛ RAF Fairford؛ RAF Lakenheath؛ سلاح الجو الملكي مينويث هيل؛ RAF Mildenhall
يضاف إلى هذا الكم من القواعد المنتشرة، 12 حاملة طائرات ضخمة متفاوتة الأحجام يمكن أن تبلغ حمولة الواحدة منها بين 100 ــ 120 طائرة حربية مقاتلة، هذا عدا قدراتها الكبيرة في نقل القوات جوا، (فرقتان منقولة جواً: الفرقة 82، الفرقة 101) مدربة ومسلحة بشكل متقدم، بما يتيح لها التدخل في أي بقعة في العالم خلال ساعات، ويسند كل ذلك قدرة على استخدام الفضاء الخارجي بوسائل متعددة.
ويبلغ التعداد الكامل للقوات الأمريكية، بما فيها الفاعلة والاحتياط والمدنيين في كافة أنحاء العالم والولايات المتحدة، مليونين و877 ألفاً و620.
فيما كان العدد في الشهر نفسه من العام الماضي مليونان و880 ألفاً و491 فرداً، ما يعني انخفاضاً بسيطاً، عام 2017، بمقدار 2871 . بيد أن الفارق بين تعداد القوات الأمريكية المنتشرة خارج الولايات المتحدة بين عامي 2016 و2017، هو البوصلة الحقيقية التي تشير إلى اتجاه السياسة الأمريكية في نشر قواتها.
فتعداد المقاتلين الأمريكيين الفاعلين داخل الولايات المتحدة، حتى 30 سبتمبر/أيلول 2017، بلغ مليوناً و119 ألفاً و871 فرداً، بينما كانوا في الشهر نفسه من عام 2016 مليوناً و129 ألفاً و637 . بينما بلغ عدد القوات الفعالة المنتشرة خارج الولايات المتحدة، عام 2017، 215 ألفاً و249 مقاتلاً، مقارنة بعام 2016، الذي بلغ فيه تعداد القوات نفسها خارج الولايات المتحدة 198 ألفاً و557.
القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط
طرح تطور اللإمبريالية العالمية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، تغيرات جذرية على الاصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية، وقد اتسم ذلك من خلال تعمق التناقضات الحاد بين القوى الاستعمارية ذاتها.
وكان لانتصار الاتحاد السوفيتي والتحالف الدولي المناهض للنازية قد أدى لخلق ظروف مناسبة للقوى التقدمية والوطنية والقومية المعادية للإمبريالية وقد تجلى ذلك من خلال:
نهاية النظام الرأسمالي على مساحات واسعة من أوربا وآسيا.
الصراعات الحادة في مناطق اخرى من آسيا وأوربا مثل الصين واليونان.