اتفاقية استامبول … الأبعاد الحقيقية
ضرغام الدباغ
عقدت في مدينة استامبول التركية في 11 مايو/ أيار 2011، ، مؤتمرا تم التوقيع في ختامه على اتفاقية، سميت ” اتفاقية المجلس الأوروبي لمنع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف الأسري”. وتتضمن الاتفاقية:
- التزامات قانونية، تشمل الاستثمار في التعليم.
- وجمع البيانات حول الجرائم المتعلقة بالنوع أو الجنس.
- وتقديم خدمات الدعم للضحايا.
- وتم التوقيع على الاتفاقية من قبل 45 دولة أوروبية، فضلا عن توقيع الاتحاد الأوروبي أيضا كمنظمة.
- وقد ورد في البيان أن المادة 80 من الاتفاقية تسمح لأي من الأطراف الانسحاب من خلال إبلاغ المجلس الأوروبي.
والاتفاقية لا تشير في مظاهرها العامة سوى إلى “حماية المرأة من العنف الأسري” ولكن شخصيات وهيئات وحكومات أوربية، وجدت أن مواد وفقرات الاتفاقية ومضامينها يمكن أن تفسر وأن توحي إلى أبعاد أخرى غير الأهداف الواضحة، كأن تكون مدخلاً يفضي إلى شرعنة دولية للجنسية المثلية واعترافاً بالأسرة القائمة على العلاقات الشاذة، وبالتالي اعترافا رسميا بوجود أجناس أخرى عدا ” الذكر والأنثى “، وقبولاً متزايدً بعمليات التحول من جنس لآخر، وظهور أجناس أقرب للذكورة، وأجناس أقرب للأنوثة، وأصناف أخرى متوافرة اليوم في المجتمعات المنفتحة بلا حدود، حتى بدأت تعاني من ظهور مشكلات اجتماعية غير مألوفة من قبل (في تحديد الجنس)، معقدة في التعامل معها، وأن الانفتاح بلا حدود بدأ يظهر سلبياته ويتسبب في مشكلات عميقة، تفوق حدود مبدأ الحرية الشخصية بتصرف الإنسان بجسده، إلى منح سمات وأبعاد غير معروفة، ومنها ما يلحق الضرر بأعضاء في الهيئة الاجتماعية.
لماذا تثير الاتفاقية الجدل الآن؟
يرى المعترضون من المحافظين أن الاتفاقية تروج لحقوق وتعاليم المثلية الجنسية بما يتناقض مع ما يسمى بقيم الأسرة التقليدية، إلى جانب إشارة البعض لكيفية تعريف الاتفاق لمفهوم النوع باعتباره فئة موجهة اجتماعية إلا أن تلك المسميات المذكورة في الاتفاقية يتم استخدامها بهدف الإشارة للتأثير غير المتكافئ الذي يخلفه العنف على المرأة، فضلا عن عدم المساواة المتوارثة بين الرجل والمرأة. ولكن من وجهة نظر بعض المتشددين تتجاوز تلك المسميات الغرض منها، بالرغم من محاولات مجلس أوروبا المتكررة لتفنيد تلك الإدعاءات. ويقول الخبراء إن الاعتراض على الاتفاقية يعود لتصاعد المشاعر المضادة للغرب والمضادة للمثليين في البلدان التي تحكمها حكومات ذات توجه يميني.
وقد أثار الانسحاب التركي من الاتفاقية، الحديث عنها. ففي بولونيا، شجع المسؤولين بالحكومة المحافظة في بولندا العام الماضي على الانسحاب من اتفاقية إسطنبول، والذي صدقت بولندا عليه في وقت سابق عام 2015. ووفقا لوثيقة رسمية مسربة ظهرت بتقرير صحفي منشور حديثا لشبكة البلقان للتحقيق الاستقصائي BIRN، تسعى الحكومة البولندية لاستبدال الاتفاقية بأخرى يمكن أن تمنع زواج المثليين والإجهاض.
كما تعمل كل من بلغاريا والمجر أيضا على البقاء بعيدا عن اتفاقية إسطنبول. فبالرغم من توقيعهما عليها، اتخذت الدولتان تدابير توحي بتخطيطهما لعدم التصديق على الاتفاقية. حيث وافق البرلمان المجري العام الماضي على إعلان برفض التصديق على اتفاقية إسطنبول، بينما أصدرت المحكمة الدستورية في بلغاريا في عام 2018 حكما بعدم دستورية الاتفاقية. وجدير بالذكر، تبقي سلوفاكيا كذلك الاتفاقية مجمدة.
ما مدى نجاح الاتفاقية؟
وترى باحثة بمنظمة أمنستي الدولية(Amnesty international)، أن من “الصعب للغاية” قياس الصلة المباشرة بين اتفاقية إسطنبول والتدابير التي يتم العمل بها على أرض الواقع لمواجهة العنف ضد المرأة. ولكنها أشارت للدنمرك كنموذج حديث، حيث مررت في شهر ديسمبر الماضي إصلاحات تعتبر ممارسة الجنس بدون رضا أي من الطرفين بمثابة اغتصاب، ما يعد تمسكا باتفاقية إسطنبول كواحدة من أسس تغيير التشريعات القانونية. ولكن الانتباه إلى أن “كيفية التطبيق عمليا هي مسألة أخرى” حيث أن القوانين تحتاج لتطبيقها على أرض الواقع. كما أطلقت فرنسا سياسة “الدبلوماسية النسوية” للدفع نحو تحقيق المساواة، مع اتخاذ اتفاقية إسطنبول كواحدة من ركائز السياسة الجديدة.
بدوره أكد وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، أن غياب الاتفاقيات الدولية لا يقلل من مسؤوليات الحكومة في حماية مواطنيها ضد كافة أشكال الجرائم. وأن “وجود أو عدم وجود اتفاقيات دولية لا يقلل أو يزيد من مسؤولياتنا لمنع أي شكل من أشكال الجريمة (المحتملة) التي سيتعرض لها مواطنونا”. وأوضح وزير الداخلية التركي في بيان أن قوات الأمن تستمد صلاحيتها من الدستور والقوانين في ضمان السلام والنظام والأمن ومكافحة الإرهاب والسرقة والجريمة المنظمة والجرائم الإلكترونية والمخدرات والعنف وجميع أنواع الجرائم. ولفت إلى أن قرار تركيا انسحاب من الاتفاقية يستند إلى هذا السبب، وهي ليست الدولة الوحيدة التي لديها هواجس كبيرة بشأن الاتفاقية، فهناك 6 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهي بلغاريا والمجر والتشيك ولاتفيا وليتوانيا وسلوفاكيا، لم تصدق على هذه الاتفاقية.وأكّد أن بولندا أيضًا اتخذت خطوات للانسحاب من الاتفاقية مستشهدة بمحاولة مجموعات المثليين فرض أفكارهم حول الجنوسة (النوع) الاجتماعية على المجتمع ككل.
وما يضعف الحملة الإعلامية ضد تركيا، أن انسحاب 6 دول (بلغاريا والمجر والتشيك ولاتفيا وليتوانيا وسلوفاكيا) لم يثر أي إشارة في الإعلام والاحتجاج الذي أثير بوجه تركيا، كما يستحق التساؤل هل تنهي الاتفاقيات العنف بصفة عامة، والقوانين لا تمنع الجرائم بل تعالجها وتعاقب القائمين بها، فالجرائم في العالم في تزايد رغم وجود القوانين، كما أن القوانين الجنائية تمنع الاعتداء على الرجال والنساء معاً وحتى الأطفال، والحيوان، فلماذا قانون خاص بالنساء …؟
وعندما تبدي 7 حكومات أوربية قلقها من أبعاد أخرى في الاتفاقية فلماذا لا يحترم هذا القلق …؟
والمدهش في الأمر أن المحتجون يعتبرون الحكومات التي وافقت على الاتفاقية يسارية، والرافضة لها يمينية …! مع أن الأنظمة في الاتحاد الأوربية كلها ذات توجه اجتماعي متشابه وهي كلها أنظمة رأسمالية وغريب أن تعتبر المثلية الجنسية وتعدد الأجناس قضية يسارية …! ففرنسا مثلاً لها قوات مسلحة نظامية تقاتل في عدة دول في العالم … وتشن حملات عرقية ودينية ولكن بقبولها زواج المثليين تصبح يسارية ..!
هذه ملاحظات تنبئك أن في الأمر أكثر من الدفاع عن النساء إلى فرض واقع اجتماعي / ثقافي جديد تجعله أمراً مألوفاً …