كاظم حبيب
هل نحن في بلاد “الواق واق” أم في “العراق”؟
تتحدث الكتب التراثية العربية عن بلاد مليئة بالغرائب والعجائب، عن جزر “الواق واق”، حيث كان التجار والبحارة العرب يصلون إليها ويمارس الرجال التجارة هناك، سواء أكانت هذه الجزر تابعة للصين، أم كانت جزيرة مدغشقر، أم هما معاً. ويشار إلى أن هذه الجزر كان فيها بشر من أكلة لحوم البشر، وفيها كثرة من اللصوص وقطاع الطرق. كما كانت أشجارها تحمل نساء برؤوس وشعر منفوش. حين كانت الرياح تهب تتساقط رؤوس النساء على الأرض وتصدر عنها أصواتاً نسوية غريبة تصرخ بـ “واق واق”، وعنها أطلق العرب على هذه الجزر ذات الأصوات المرعبة وأكلة لحوم البشر وقطاع الطرق بـ “بلاد الواق واق”، بلاد العجائب والغرائب.
وفي عراقنا الحبيب والمستباح بشعبه، اعتاد الناس في السابق، واليوم أكثر من أي وقت مضى، حين يواجهون يومياً وعلى مدى 18 عاماً وقوع أشياء غريبة وعجيبة ومرعبة بعيدة كل البعد عن الحضارة الإنسانية، وعن كل القيم والمعايير الإنسانية النبيلة، وعن كثرة من التقاليد والعادات الإيجابية للشعب، يتساءلون عن حق: “أين نحن؟ هل نحن في العراق، في بلاد الحضارة والسلام، أم في بلاد العجائب والغرائب القاتلة، في بلاد الواق واق؟”. والسؤال أكثر من واقعي وعادل ومشروع ومُلح، سؤال يردده أبناء وبنات الشعب العراقي المخلصين لشعبهم ووطنهم بسبب شتى أنواع الغرائب والعجائب التي يتعرضون لها كل يوم ولا يستطيعون لها ردَّاً حتى الآن، رغم انتفاضتهم التشرينية المجيدة.
لقد تقلد رئاسة مجلس الوزراء في العراق منذ بدء تشكيل الحكومات العراقية الجديدة عام 2004 حتى الوقت الحاضر ستة أشخاص: شخصية قومية، ذات أصول بعثية سابقة، وأربعة أشخاص من قوى وأحزاب إسلامية سياسية طائفية شيعية متعصبة، وشخصية إسلامية خامسة يدعي زيفاً ومراوغة الاستقلالية. هؤلاء جميعاً لم يمارسوا السياسة التي تساهم في التخلص من عواقب النظام الدكتاتوري البعثي الفاشي الذي دام 35 عاماً في العراق، بل ساهموا في تكريس وممارسة أسوأ ما في ذاك النظام.
وكان النظام السياسي، الذي أقيم في البلاد على أنقاض حكم البعث المقيت وفي ظل الاحتلال الأمريكي، وبالتنسيق والمساومة مع هيمنة إيرانية زاحفة، قد اعتمد منذ البدء على قاعدة عدوانية وتمييزية للحكم تعتمد المحاصصة الطائفية والقومية البغيضة في سلطات الدولة الثلاث الطاردة لمبدأ المواطنة الموحدة والمتساوية لصالح الهويات الفرعية القاتلة أولاً، وتميز هذا النظام منذ اليوم الأول بالفساد الأكثر شمولية والأعمق والأكبر حجماً والأشرس في النهب والسلب وإفقار البلاد وتجويع الغالبية العظمى من الشعب.
في هذا العراق “الواق واقي” لا تحاكم الدولة والقضاء غير المستقل قتلة 700 شهيداً وأكثر من 25 ألف جريح من قوى الانتفاضة التشرينية المقدامة، ولا من مارس الاغتيال الجبان لعشرات من بنات وأبناء الشعب المنتفض، ولا من اختطف العشرات من المدنيين والمدنيات وغيبهم حتى الآن، ولا من اعتقل وسجن جمهرة كبيرة من المتظاهرين والمتظاهرات في سجون سرية، ومارس أبشع صور التعذيب لهم، ولا من سرق الملايين والمليارات وفرط بالثروة الوطنية في فترة حكمه، كما في فترة أياد علاوي وإبراهيم الجعفري ونوري المالكي والعبادي وعادل عبد المهدي المنتفگي ومصطفى الكاظمي، ولا من فتح بوابة الموصل ونينوى أمام جحافل الغزاة وعصابات القتل والنهب والسلب والسبي والاغتصاب وبيع النساء في سوق النخاسة وبالمزاد العلني، ولا من تسبب بقتل أكثر من 1500 متدرب عسكري في قاعدة سبايكر، كما حصل في فترة حكم نوري المالكي، ولا في فترح أبواب العراق لغزو احتلالي استعماري جديد للعراق من جانب إيران، ولا من روج للقيادة الإيرانية الطامحة بإقامة الإمبراطورية الفارسية واعتبار العراق جزءاً تابعاً لها وخاضع لإرادتها ومصالحها، لا لكل هؤلاء، ولكن محاكمة مواطن عراقي تظاهر مع المتظاهرين على مدى عام كامل، متظاهر من الفقراء والمعدمين الذين طالبوا بحقوقهم المغتصبة وباستعادة الاستقلال والسيادة الوطنية، وصدور حكم جائرٍ بحبسة لمدة سنتين! هذا الحكم ليس جائراً فحسب، بل إنه حكم يعبر عن الطبيعة العدوانية للقوى الحاكمة الموجهة ضد الشعب والتي يراد بها ردع الناس عن التظاهر، ولكن في الوقت نفسه تكريم من أرعب الناس وقتلهم، كما جاء في مقال الزميل علي حسين حيث كتب: “اليوم ونحن نقرأ خبر الحكم على “حسوني” في الوقت الذي يتم فيه تكريم جميل الشمري المتهم بمجزرة الناصرية، فإننا نجد أنفسنا أمام عملية ممنهجة لاستعادة ممارسات التسلط على الناس.“. (أنظر: علي حسين، حفل القصاص من حسوني، العمود الثامن، جريدة المدى، بغداد، العدد 4917، في 05/04/2021). ألا يذكرنا هذا بمحتوى القول النابت “قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر” أولا يشعرنا هذا بأن العراق كان ومازال يعيش تحت وطأة أوضاع قاتلة لمزيد من البشر وبشتى السبل. إن مثل هذا النظام السياسي الطائفي الفاسد والجائر لا يمكن ولا يجوز له أن يدوم، فاستمراره لا يعني سوى المزيد من القتل والاختطاف والتجويع ونهب المال العام، ومزيداً من الرثاثة للدولة والمجتمع، ومزيداً من الدمار والخراب للوطن. ويصبح الخلاص منه إنقاذاً للشعب والوطن، وهي مهمة ملحة وملزمة لكل المدنيين الوطنيين والديمقراطيين التي عليهم النهوض بها دفاعاً عن الشعب وحرمة البلاد.