لماذا يرفض العراقيون اللقاح؟
من ينظر إلى الحالة الوبائية في العراق، والاجراءات الصحية المتخذة لمواجهتها، يجد أنها حالة تبدو طبيعية، مشابهة لما يحصل في الكثير من دول المنطقة ذات المستويات المتدنية في الخدمات، لكن المدقق في الأمر سيتعرف على تعقيدات في تعاطي الدولة والمجتمع مع الوباء، ربما تكون مختلفة أو حتى متفردة وغير موجودة في أي مكان في العالم.
فعلى مستوى التوصيف الإحصائي للوباء يمكننا القول إن العراق بات من أعلى دول الشرق الأوسط في عدد الإصابات والوفيات، أما على مستوى حملات التطعيم التي تجريها مختلف دول العالم، فإننا سنتعرف على حالة من التراخي واللاجدية من الحكومة، تقابلها شكوك ونظريات مؤامرة، مستشرية في الشارع العراقي بشكل كبير ولافت. بالتأكيد هنالك العديد من الأسباب التي تقف وراء ذلك، وسنحاول وبعجالة تسليط بعض الضوء على ما يجري في العراق إزاء جائحة كورونا.
ففي وقت مبكر أعلنت خلية الأزمة في البرلمان العراقي في آب/أغسطس 2020 عن قرار شراء اللقاح الروسي»سبوتنيك في» واتفقت وزارة الصحة العراقية على ذلك مع الجهات الروسية، وسرعان ما أثيرت موجة من التشكيك في الشارع العراقي في مدى جودة هذا اللقاح، والتشكيك في ما سيحدثه من أضرار جانبية، ربما كانت وراءها أسباب ودوافع سياسية. مع مطلع العام الجاري ابتدأت مختلف دول العالم في إطلاق حملات تطعيم مواطنيها، بينما تخلفت بعض الدول عن ذلك وكان العراق من بين الدول المتخلفة عن اللحاق بشراء اللقاحات، وبدء حملات التطعيم، أثار هذا الأمر موجات من النقد الحاد للحكومة العراقية، ومطالبتها بتوفير اللقاحات، ومهاجمة الطبقة السياسية التي لا تأبه بصحة العراقيين، إذ أن أغلبهم حصلوا هم وعوائلهم على التطعيمات خارج العراق. وانطلقت موجة من التسريبات حول صفقات الفساد في شراء اللقاحات، والبداية كانت في إعلان حصول العراق على 50 ألف جرعة من لقاح «سينوفارم» الصيني كهدية أو منحة من الحكومة الصينية، وحددت وزارة الصحة منصات وأولويات إعطاء جرعات اللقاح، لكن المفارقة أن الشارع العراقي واجه حملة التطعيم بالرفض القائم على الخوف والتشكيك بنتائجه.
وزارة الصحة العراقية بمستوى خدماتها المتدني، وبمعدلات الفساد المستشري في مفاصلها، وقفت عاجزة أمام موجة عالية من الإصابات بالموجة الثانية من جائحة كورونا، فأعلنت خلية الأزمة اتخاذ قرار حظر التجوال ليومين في الأسبوع مع رفعه بقية أيام الاسبوع، لكن الشارع العراقي لم يلتزم بذلك حتى في يومي الحظر، فالشوارع والاسواق والمقاهي والمطاعم مكتظة، مع عدم التزام بإجراءات الوقاية، والنتيجة ارتفاع معدلات الإصابة والوفيات، مع عدم اكتراث العراقي الذي بات يتعامل مع الأمر على إنه قضاء وقدر. الرقم المعلن لمن تلقوا اللقاح في العراق يبدو مضحكا، إذ أعلن مقرر لجنة الأزمة في البرلمان العراقي جواد الموسوي مطلع شهر نيسان/إبريل الجاري «أن عدد المواطنين الذين تلقوا لقاحات كورونا تجاوز الـ40 ألفا في عموم البلاد». وتابع أن «كوفاكس ورّدت حوالي 16 مليون جرعة تكفي لثمانية ملايين مواطن، بواقع جرعتين للشخص الواحد، مشيرا إلى أن «هناك مليوني جرعة من لقاح سينوفارم الصيني وثمانية ملايين جرعة من لقاح فايزر الأمريكي ستصل إلى العراق». مع تطمينات وتأكيدات على أن اللقاحات آمنة وفعالة، فقد أشار الموسوي في تصريح رسمي بقوله «أطمئن المواطنين جميعاً بأن جميع اللقاحات آمنة ولا توجد فيها أي مشكلة» وأضاف «أن امتناع بعض الناس أو التشكيك بهذه اللقاحات هما مسألة طبيعية». يتضح من كل ذلك أن نسبة من أخذوا اللقاح في العراق لم تصل إلى 1%، وهي نسبة ضيلة جدا، وهنا نعود إلى السؤال الرئيسي في الموضوع، لماذا يرفض العراقيون تلقي اللقاح؟ بالتأكيد هنالك حالة تشكيك ونظريات مؤامرة انطلقت في مختلف دول العالم، منذ اليوم الأول لإعلان أخبار الجائحة قبل سنة من الآن، لكن تبدو الحالة العراقية أكثر خصوصية في هذه النقطة، إذ لعبت مجموعة قنواتعلامية ومنصات تواصل اجتماعي على نشر المعلومات الكاذبة، ونظريات المؤامرة بشكل كبير في المجتمع، معتمدة على تصريحات بعض الأطباء والمختصين، يقف في مقدمتهم أخصائي المناعة الأكاديمي الدكتور ماجد العاني الاستاذ في كلية الطب البيطري في جامعة بغداد، الذي تمت استضافته في العديد من محطات التلفزيون العراقية والعربية، والذي نشر العديد من الشكوك ونظريات المؤامرة حول الفيروس، أدت إلى إصابة شريحة واسعة من العراقيين بالاضطراب والتخوف من التطعيم.
تبقى الحالة العراقية حرجة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عملية حقيقية تجاه الجائحة، عبر تفعيل الحملات الوطنية للتطعيم للقضاء على الوباء
لكن بعض التحقيقات الصحافية الاستقصائية التي أجريت حول رفض العراقيين للتطعيم سلطت الضوء على زوايا مهمة من أسباب الرفض المجتمعي للقاح في العراق. إذ ذكر أحد الشباب ممن يحملون شهادة ماجستير في العلوم، أن عدم التزامه بمستلزمات الوقاية كلبس الكمامة والتباعد الاجتماعي، لا يعني عدم قناعته بخطورة الفيروس، أو بضرورة الوقاية، لكن الأمر وببساطة سببه اليأس التام من الحياة، إذ يقول «عشت شبابي بين الموت والانفجارات وحلم الوظيفة الحكومية». ويضيف إن «معظم الشباب العراقي مثلي تماماً، ليس لأننا شباب غير واع، بل لأننا أصبحنا نفضّل الموت على العيش في العراق». اذا هنالك موجة مرعبة من السوداوية واللاجدوى تنتشر بين العراقيين وتقف وراء رفض اللقاح. النقطة الثانية المهمة، التي يجب الإشارة لها في عزوف العراقيين عن التطعيم هي عدم الثقة بالجهات الحكومية، نتيجة الفساد المستشري وبعمق في كل مفاصل الدولة العراقية، إذ يذكر عراقي في استقصاء صحافي عن الموضوع «أنا لا أثق بهذه الحكومة مطلقاً ولا بأي شيء تستورده، وحتى لو كان اللقاح جيد فأنا لا أضمن أن الفاسدين لن يستوردوا أسوأ ما يتوفر من اللقاحات فهم منذ عام 2003 يقتلوننا بالفساد فكيف سأثق بهم اليوم، لذلك لن استخدم هذا اللقاح ولن أسمح لأفراد عائلتي باستخدامه».
مع تأكيد مختلف الجهات الحكومية والبرلمانية على أهمية اللقاحات، وأن العراق استوردها من مناشئ عالمية رصينة، إلا أن إشاعة قوية انتشرت في الشارع العراقي مفادها أن صفقات فساد قامت باستبدال اللقاحات البريطانية والأمريكية التي تم استيرادها بلقاحات إيرانية وصينية فاسدة ستؤدي إلى الإصابة بمختلف الأمراض حال أخذ اللقاح. وقد ذكر شيخ من الموصل شرطا لتلقيه اللقاح عندما قال «في حال كنت سأتلقى اللقاح فيجب أن يجربه نواب البرلمان قبلنا، وإن لم يمت أحداً منهم سأتلقى اللقاح، ولكن لن أكون كبش فداء، فهذه الحكومة لا أحد يعلم حجم الفساد الموجود فيها إلا الله». من جانب أخر أثرت التصريحات الدينية والسياسية في الشارع العراقي القلق تجاه حملات التطعيم، وعلى سبيل المثال فقد وصف المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي اللقاحات الغربية بأنها غير جديرة بالثقة، وقد انعكس ذلك على توجه المواطنين في الشارع العراقي حول إمكان تلقي اللقاح أو رفضه، إذ بات كثيرون من ذوي الهوى الايراني من العراقيين لا يفضلون تلقي اللقاحات الغربية اعتمادا على نظريات المؤامرة التي روجت لها منصات إعلامية مختلفة. لكن تجدر الإشارة إلى جانب آخر من المعادلة العراقية، إذ أخذ شباب انتفاضة تشرين العراقية، على عاتقهم التصدي لموضوع حملات التشكيك، وأطلقوا حملات تشجيع على التطعيم. ووفقاً لتحقيق صحافي استقصائي أورد «أن شباب تشرين في محافظات عراقية عدة بدأوا بأخذ اللقاح أمام أقرانهم، ونشر صور لهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لتأكيد إيمانهم بالعلم وفاعليته التي تحرج الجهل والخرافة لترسيخ مفهوم المسؤولية، ودورها تجاه المجتمع لمواكبة العالم». وأشار شباب الانتفاضة إلى أن التطعيم واجب وطني كمكافحة الفساد. لكن في النهائية تبقى الحالة العراقية حرجة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عملية حقيقية تجاه الجائحة، عبر تفعيل الحملات الوطنية للتطعيم للقضاء على الوباء.
كاتب عراقي