لماذا بكى السوريون ميشيل كيلو؟ صينية تضرب مديرها المتحرش بالممسحة وسطل ماء!
غيب الموت هذا الأسبوع المعارض السوري الكاتب ميشيل كيلو -81 عاما- في باريس إثر إصابته بفيروس كورونا، الذي لم يمهله طويلاً. وذلك بعد خمسة عقود من النضال ضد الإستبداد.
لقد أوجع رحيله الكثير من السوريين والفلسطينيين واللبنانيين، الذين عبروا عن عميق حزنهم من خلال مشاركتهم لصوره ومواقفه الخالدة في ذاكرتهم على صفحاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي. كان لافتاً استحضار معظم الناشطين لقصة حقيقية جرت مع الكاتب الراحل خلال وجوده في المعتقلات السورية. القصة بعنوان «رجل حقيقي». من المفيد روايتها مجدداً كي نستذكر بلاد ليس لأبنائها الحق حتى أن يدفنوا فيها. موتوا في غربتكم، موتوا في مرارتكم، هذا واقع الحال في بلاد يحكمها الطغيان.
يقول ميشيل كيلو: فُتِحَ بابُ زنزانتي فجأة, كانت الساعة تقارب الثالثة فجرًا. أمرني رجل الأمن أن أخرج وأتبعه. بعد قرابة خمسين خطوة، فتح باب زنزانة سبقني إلى داخلها وهو يمسك بيدي ويجرني وراءه. رفع الغطاء عن عيني وقال لي هامسًا: «سأعود بعد ساعة لإعادتك إلى غرفتك (يسمون الزنزانة المنفردة في السجون السورية غرفة)».
أشار بإصبعه إلى زاوية فارغة وقال لي: «إجلس هناك واحكِ حكايةً لهذا الطفل».
كان في المكان الضيق (مترين في مترين) سيدة تبلغ نحو الثلاثين من العمر. خرج الحارس وأغلق الباب وراءه وهو يأمرني أن لا أتحدث بصوت مرتفع كي لا يسمعني أحد من زملائه فتقع الكارثة ونذهب معًا إلى سجن تدمر، سيىء الصيت.
ألقيت التحية على السيدة، فلم ترد. كانت خائفة ومتكورة على نفسها كمن يتقي خطرًا داهمًا. قلت لها مطمئنًا: «لا تخافي يا أختي فأنا سجين مثلك». بعد صمت قصير سألتها كم مضى عليها من الوقت هنا؟ فقالت ستة أعوام. نظرت إلى الطفل الذي كان في الرابعة، ففهمت أنها حملت به وولدته في السجن. سألتها عن سبب وجودها في الفرع، فقالت وقد بدأت حبات الدموع تنساب من عينيها: «رهينة».
جلست أمام الطفل، سألته عن اسمه، فلم يرد. قالت إنها لم تطلق عليه اسمًا بعد؛ لأنه لم يسجل في أي قيد، لكنها تسميه أنيس. قلت وأنا أمسك يده الصغيرة: «سأحكي لك الآن حكاية يا أنيس. كان هناك عصفور صغير كثير الألوان حسن الغناء» فسأل: «شو يعني العصفور؟» صمتُّ قليلا، ثم قررت تغيير القصة وقلت: «كانت الشمس تشرق على الجبل» فبدت على وجهه علامات الاستغراب وعدم الفهم!
قالت الأم: «لم يخرج أبدًا من هذه الزنزانة، فهو لا يعرف عن أي شيء تتحدث» وانفجرت بنحيب لم تعد تستطيع السيطرة عليه. جلست حائرًا لا أدري ما علي فعله: رواية حكاية للطفل هي استحالة لا سبيل إلى تحقيقها، أم مواساة أم منتهكة الكرامة تضيع عمرها في هذا المكان الخانق، بصحبة طفل لا تدري من أبوه، ستخرج معه ذات يوم تجهل متى يأتي إلى عالم لن يرحمهما!
تسمرت في الزاوية البعيدة عنها، لم يعد لساني قادرًا على قول أي كلمة، فقبعت هناك متكورًا على نفسي. بعد قليل جاء الحارس لإعادتي إلى زنزانتي، عندما فتح بابها واطمأن إلى أن أحدًا من زملائه لم يشاهدنا، سألني إن كنت حكيت حكاية للطفل. عندما رأى الدموع على خدي، أغلق الباب وراءه وانصرف.
انتهت قصة ميشيل هنا، وأدركت معها المعاني الحقيقية لحزن السوريين على رحيله، ولكن قصص سوريا وأطفالها لم تنته بعد، كذلك قصص فلسطين، ولبنان والعراق. بلادنا مثخنة منذ عقود بالقصص الدموية التي نسج حبكتها الاستبداد السياسي العربي من المحيط إلى الخليج. لكن عملية البحث عن الأوطان وسط الدمار مستمرة.
يقول الشاعر السوري والسجين السابق فرج بيرقدار:
إني أنادي
أنا لا أبحث عن قبر جماعيٍّ
ولكن.. عن بلادي.
عربيات قد يرفعن مماسحهن قريباً
التحرش الجنسي هو واحد من أكبر وأهم وأخطر المشاكل التي تعاني منها النساء حول العالم بشكل عام وفي الدول العربية على وجه الخصوص ..
فقد نشر موقع (وارلد بابيولايشين ريفيو) إحصائية تشير إلى أن حوالي 35 في المئة من النساء حول العالم عانين من بعض أشكال التحرش الجنسي، وأن فقط 40 في المئة منهن يطلبن المساعدة.
أما في البلاد العربية فالوضع أشد سوءاً والنسب كارثية. فعلى سبيل المثال، لقد أجرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة في مصر دراسة تؤكد أن 99 في المئة من النساء اللواتي شاركن في التقرير، عبر مقابلات منفردة معهن وفي سبع مناطق مختلفة في البلاد، تعرضن لأحد أشكال التحرش الجنسي.
وأقل من 10 في المئة منهن يلجأن للقانون لإنصافهن. وذلك لأسباب كثيرة أولها الخوف من الفضيحة والشعور بالخزي والإنكار واليأس من إمكانية إنصافهن.
وقد شرحت مسؤولة وحدة الدعم النفسي في مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون ميرا مرقس، تلك الأسباب في تحقيق أجرته «بي بي سي» عربي في شهر تموز/يوليو الماضي قائلة: «إن الشعور بالخزي هو رد فعل تلقائي لمن تعرضن للإيذاء الجنسي، إذ تُسبب الواقعة إحساساً بالدونية يُضاف لتراكمات التربية التي تنزع ثقة النساء بأنفسهن من الأساس، وهو ما يجعل الضحية تنحي باللائمة على نفسها، وبالتالي تشعر بالخزي أكثر لتدور في حلقة مفرغة».
وأكدت أن: «هذه المشاعر السلبية تجعل النساء يملن إلى إنكار ما حدث أو التقليل منه كالتعامل مع الاعتداء على أنه مجرد تودد أو التحرش على أنه «معاكسة» وذلك لرفضها رؤية نفسها ضحية أو للهروب من جلد الذات. وهذا يقود للشعور باليأس وقلة الحيلة، فالمجتمع الذي يلوم الضحية ويصفق للجاني بالضرورة لن يكون منصفاً وبالتالى فالحكي لن يجدي نفعاً بل سيستنزف قواها في الدفاع عن نفسها وهي مستنزفة أصلا مما تعرضت له من إيذاء».
إن عدم إنصاف المرأة في معظم حالات التحرش الجنسي، بالرغم من القوانين التي وضعت لحمايتها عامل قوي يدفعها للصمت. ربما هذا ما يفسر انتشار فيديو لامرأة صينية تضرب رئيسها بالممسحة بعد تحرشه بها، في العالم العربي أكثر من انتشاره في الصين نفسها.
إن تلك الصينية رفعت صوتها عالياً بطريقتها وفعلت ما لم تستطع فعله نساء عربيات كثيرات. وكأنها قامت بفعل أنصف جميع النساء المتحرش بهن والصامتات في العالم التعيس. فاحتفت بها النساء في بلادنا عبر مشاركة الفيديو على أوسع نطاق.
كيف بدأت القصة؟
فتاة صينية اسمها تشو تعمل موظفة في وكالة حكومية في الصين لمكافحة الفقر. تجتهد لتعيش وربما لتعيل أسرتها. تذهب إلى العمل من الصباح حتى المساء.
ولحظها السيء، أُعجب بها نائب المدير ويدعى وانغ. لكن إعجابه بها كان شهوانياً حيوانياً لا أكثر. فتحولت ساعات العمل إلى كابوس مطول تعيشه تشو.
بدأ وانغ يبعث لها برسائل كثيرة بذيئة. كلها محملة بالإيحاءات الجنسية.
ولم يتوقف عن إزعاجها إلى أن أوصل غضبها إلى ذروته. فقررت أن تلقنه درساً يحفظه لبقية حياته.
هكذا دخلت مكتبه حاملة عصا التمسيح وسطل ماء. رمت عليه الماء بسرعة وقبل أن يصحو من الصدمة انهالت عليه ضرباً بالممسحة. ثم اتصلت بالبوليس ليحضر ويعتقل نائب المدير.
بدأ الأخير يرجوها أن ترحمه مكرراً اعتذاره لها. ولكن توسلاته كلها لم تشفع له. كما أنها لم تهدر وقتها في انتظار وصول البوليس. كانت كلما تذكرت رسائله تهجم عليه من جديد بممسحتها الطويلة وتعاود ضربه وكأنها تنفض سجادة. تبدو وكأنها تصر على تحريره من غبار عالق في داخله منذ سنوات، فاركة له وجهه من أي أوساخ متراكمة.
ولم تنس طبعاً أن تطلب من صديقتها تصوير الواقعة كلها بكافة تفاصيلها. لقد أرادت فضحه ليصبح عبرة لكل من يحاول التحرش بامرأة.
انتشر الفيديو بشكل كبير جداً في العالم العربي، كما سبق وذكرنا وتناقله رواد مواقع التواصل الاجتماعي على كافة المنصات، كما تحدثت عنه قنوات فضائية عدة من بينها «بي بي سي» عربي.
قصة تشو قد تشجع الكثير من النساء العربيات على كسر حاجز الخوف والصمت والتردد، الذي عززته ثقافة العيب والعار والتربية الذكورية وفضح أي انتهاكات جسدية أو لفظية يتعرضن لها في المستقبل. وقد يحتجن أن يرفعن مماسحهن استعداداً لأي اعتداء محتمل.
كم نحتاج لـ«تشوات كثيرات» علنا نعيد شيئاً من حقوقنا المهدورة.
كاتبة لبنانيّة