د. كاظم حبيب
الفنان المسرحي والكاتب والشاعر المميز الدكتور موفق ساوا
على امتداد عمر الدولة العراقية أُجبر المبدعون العراقيون على العيش في الشتات، تغربوا عن العراق، ولكن الوطن والشعب عاشا فيهم وتجلى ذلك في أعمالهم الإبداعية، سواء أكانت أعمالاً قصصية أم روايات أم قصائد شعرية ونثرية أم مسرحيات درامية ساخرة وملاحم أو لوحات تشكيلة ومنحوتات أم قطعة موسيقية وغنائية، إضافة إلى أعمال علمية في مختلف مجالات العلوم الصرفة والإنسانية، ومنها علوم الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء والمياه والبيئة، وكذلك علوم السياسة والاقتصاد والتأمين والنفس ..الخ، و تبوأوا مواقع رفيعة في المعاهد والجامعات والمؤسسات وقدموا خدمات جليلة لدول الشتات وشعوبها التي احتضنت هذه الكفاءات العراقية التي حرمت غالباً بالقسر من أن تقدم الخدمة المباشرة لشعبها والوطن الذي ولدت وترعرعت وتعلمت فيه. من بين هذه الكفاءات المميزة الزميل والصديق الدكتور موفق ساوا، مؤسس جريدة “العراقية” في سدني بأستراليا ورئيس تحريرها، التي تعتبر أبرز إصدار صحفي أسبوعي في المهجر تجد فيها مجموعة كبيرة من الكتابات الأدبية والفنية والعلمية والسياسية والاقتصادية لعدد كبير حقاً من أبرز الكتاب والكاتبات في مختلف مجالات الفكر والثقافة والعلوم.
أحاول في هذا النص المتواضع أن أقدم لوحة مكثفة عن هذه الشخصية العراقية المثقفة.
ولد الفنان بناحية القوش – محافظة نينوى وأنهى دراسته الابتدائية والمتوسطة بناحية الحقلانية – قضاء حديثة – محافظة الانبار، وأنهى الاعدادية، السادس العلمي، في قضاء حديثة عام 1971.
حصل على دبلوم عالي في اختصاص الاشعة (X-Ray) من المعهد الصحة العالي ببغداد عام 1974م.
حصل على البكالوريوس من كلية الفنون الجميلة – فرع الاخراج / جامعة بغداد عام 1998م.
انتمى إلى الحزب الشيوعي العراقي في وقت مبكر، وحين قدم ملفه إلى كلية الفنون الجميلة في العام الدراسي 1971/1972، سؤل من جانب الاتحاد الوطني لطلبة العراق، وهو اتحاد بعثي، عن تزكية الحزب فأستفسر قائلاً: من أي حزب!!>، رموا الملف بوجهه ورفضوا قبوله. ولكنه عاد وقدم طلباً في العام 1994، فقبل بسبب إهمالهم حينذاك لموضوع التزكية من حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم، مما تحقق قبوله وواصل دراسته. وفي نفس العام قدم مسرحيته (العميان يعودون…) ودام العرض لستة أيام متتالية على مسرح بغداد.
ومن جيل السبعينات برز الفنان الشاعر والمسرحي والكاتب والصحفي الدكتور موفق ساوا الذي كتب قصائد مهمة جسدت معاناته ومعاناة الشعب والفكر الحر…؟! في فترة نظام حزب البعث العربي الاشتراكي بالعراق تم منع ديوانه الأول عام 1978م.
كما نشر قصيدته الموسومة “أنت مولاتي”
مولاتي
مذ أطلقت صرختي الأولى
أشرقت مصابيح طيورك على مدني النائمة
في دجى الطرقات
فشب الضوء في كياني
ومشيت على الأعشاب
ألاعب الزهر بأقدامي
مشيت…
ثم سميتك
مولاتي
اعتكفت في محرابك
ومازلت أغوص في بحرك الهادي
مازلت
أشرب من ينبوعك الصافي
وما ارتويت … وقد غزا الشيب راسي
عشقت
شموخ قامتك، قبلت جبينك العالي
سكن الهوى فؤادي
ومازال قلبي يرقص بين أضلاعي
في مهجري اليوم
في صومعة العذاب
أستعرض شريط الذكريات
وأتلو مزامير مأساتك…
مأساتي
و أرسم في كهف الزمان
على الصخر
حكاياتك…حكاياتي
فنقرع معا أجراس شوق
للنشيد الآتي…
اعزفي بمزمارك، مولاتي
عساني أشفى من دائي
دقي أجراس معبدك
عسى يستيقظ النائمون من غفلتهم
اعزفي على قيثارك
و أعلني أن العصافير وإن هاجرت
تعود يوما فتمزق ثوب الدجى البالي
كيف أبوح لك
مولاتي
كيف أبدأ
من أين أبدأ؟
ربما، مذ قطرت ماء الحياة في دمائي
كلما استبد بي شقائي وهزمتني عذاباتي
تساقطت امطارك بلسما لجراحي
و نَسْغًا تبعثه عشتار في أوراق الخريف
فتحييها
انت يا مولاتي
مدن بلا دخان، و واحة للعشاق
و اسمك
ترفرف حروفه فوق رابيتي
فتحت ِ بجيوشك قلاعي
فَـأذعنتْ لكِ مدن الفؤاد
و نذرتْ لك جميع ممتلكاتي
وفضت كما يفيض نهر على صحرائي
حطمت جدراني
فسبَّحتُ باسمكِ
وصفقت لك تبجيلا فاكهة بستاني
مولاتي…
عشقتك طفلا، ومازلت
عشقتك
فلم يعرف الموت طريقا إلى قاماتكِ
وقاماتي…
من أين أبدأ مولاتي
من أية المصادر تكون اقتباساتي
أمن كتب ممزقة منها يقطر الدم القاني
أم من الورق المحروق في فصول الدخان؟
كيف أبدأ كلماتي
لأنقش لك حكاياتي
و أطبع على وجنتيك قبلاتي
ما غادر القلب نَـبَـضاتكِ
ولا استبدلت رداءك منذ أن صار ردائي
جمعت، مولاتي، بحور الشعر
لأنظم لك قصائدي
و أكتب لك شعرا بلا أوزان ولا قواف
فانطفأت أضواء المسرح
أظلمت القاعة
و بقيت أنت الجمهور المشاهد لكل الفصول
غاب النص …وبقيت عنوان مسرحياتي
عشقتك كتلميذ ابتدائي
تخرجت من مدرستك الأول في الفصل النهائي
تعلقت بأهدابك
وتعلمت كتابة حروفك من شين إلى تاء
تعلمت في قلاعك أن أكتب بلون دمائك
أسماء كل الشهداء
أيا نجمة في ظلمائي
إليك يا مولاتي
أشكو غربتي و اغترابي
كنتِ وما زلتِ شمس زماني
أنقذت مركبي من الطوفان
أطفأتِ ما شب فيه من نيران
خط الدمع اسمك على صفحات ديواني
لكنني
مازلتُ أمشي على الأعشاب
و أركل الحصى بأقدامي
مشيت…فسميتك
مشينا …فسميناك
أنت مولاتنا
بل
أنت مولاتي
إن موفق ساوا برز بشكل خاص كمسرحي مميز باعتباره من جيل السبعينيات، فهو كاتب ومخرج مسرحي أكاديمي بالعراق وبالخارج، ومن الذين أبدوا اهتماماً خاصاً وكبيراً بالمسرح السرياني.
فقد كان مؤسسا لفرقة مسرح شيرا بالعراق 1993م، وفرقة مسرح ساوا بسيدني 2003م، ومؤسس ورئيس المؤسسة العراقية الأسترالية للثقافة والفنون والإعلام في سيدني عام 2005، ومؤسس أكاديمية الفنون العراقية الأسترالية في سيدني 2016م، كما مبتكراً لرؤية فنية جديدة في الإخراج المسرحي التي أطلق عليها (مسرح الميكانو) عام 1998.
ألف وأخرج الكثير من المسرحيات باللغتين العربية والسريانية وعمل في السينما أيضاً فألف واخرج فيلما قصيرا بعنوان (ليس للبيع ـــ Not 4 Sale) باللغة الانجليزية 2015 في سيدني.
له أربع مخطوطات شعرية باللغتين العربية والسريانية.
ومن مسرحياته نشير إلى ما يلي:
1- تأليف مسرحية (بنت المختار) عام 1970 باللغة العربية في ناحية الحقلانية – قضاء حديثة / الانبار
2- تأليف مسرحية (العميان يعودون..!!!). باللغة السريانية وعرضت على مسرح بغداد عام 1994.
3- تأليف مسرحية (سارة والبيك) باللغة السريانية عرضت عام 1995 في نادي بابل الكلداني ونادي سومر ببغداد.
4- تأليف مسرحية (الحديقة) باللغة العربية الفصحى بغداد 1996
5- تأليف مسرحية (شدَّة بعد الفرج) 1996
6- مسرحية (الوصية) باللغة السريانية وعرضت في ناحية ألقوش ثم في بغداد عام 1997
7- تأليف واخراج مسرحية (سيزيف والموت) عرضت في كلية الفنون الجميلة / بغداد كأطروحة تخرج عام 1997 وحصل فيها على درجة امتياز 98 بالمائة
8- تأليف مسرحية حلم الحطاب 1997
9- تأليف مسرحية (گلگامش والخلود)
10- سيناريو وإخراج مسرحية (الاميرة الاشورية) باللغة العربية الفصحى وعرضت على مسرح الرشيد – بغداد عام 1998م لمدة ثلاثة أيام.
11- تأليف مسرحية (شـَميرام ملكــًة)
12- تأليف (مسرحية المعبد)
13- تأليف مسرحية الحصار
14- تأليف واخراج مسرحية (3 لواعيب) باللغة السريانية وعرضت في سيدني عام 2003
15- تأليف مسرحية (الحكم عتريس وأم خميس) 2004 في سيدني
16- تأليف واخراج مسرحية (في انتظار الضياء) عرضت في سيدني 2004
17- كتب مسرحية (في ظل القمامة) عام 2016 في سيدني
18- تأليف واخراج مسرحية (انتبهوا … القطار قادم) باللغة العربية وعرضت في سيدني يوم الاحد 24/05/2015 (كسوله بور هاوس).
19- تأليف مسرحية (شعشوع مان) عام 2015
20- تأليف واخراج فيلم قصير باسم (NOT 4 Sale) باللغة الانكليزية في سيدني عام 2016.”
وأخر مسرحيتين له هما مسرحية (مونودراما) ذات الشخصية الواحدة “مهزلة الراعي”، و”هل آن له أن ينتهي” إذ أنوي الكتابة عنهما بعد أن أكون قد درستهما جيداً الأولى الرمزية بشكل خاص، لاسيما من الجانبين السياسي والاجتماعي لأهميتهما الكبيرة في واقع العراق الراهن، وكذلك للكثير من شعوب البلدان النامية.
وعن مسرحية “مهزلة الراعي” كتب : أ. د. عقيل مهدي يوسف مقالا بعنوان (حين تتراجع الوضعية الحضارية عن روح)
وكتبت،أيضا، الباحثة والناقدة السيدة التونسية خيرة مباركي مقالاً مهماً تحت عنوان “مونودراما الراعي بين الوحدانية والرمزية، مهزلة الراعي للكاتب د, موفق ساوا.
كما أن للباحث والفنان الدكتور موفق ساوا (12 سيناريو صوري) وحوار قصير وطويل لم يستطع اخراجها لعدم وجود منتج لها.
– نصوص افلام مرسل له من كتاب في اميركا والسويد والعراق واليمن وفلسطين لإخراجها ولعدم وجود منتج لم تر النور لحد هذه اللحظة.”
…………………..
1) أنظر: موفق ساوا، دكتور، سيرة حياة موفق ساوا، منشورة في رسالتي الماجستير والدكتوراه.
2) أنظر: موفق ساوا، مسار المسرح السرياني، (1880- 2000م) في بغداد، قره قوش، كركوك والبصرة (خلال القرن العشرين في العراق والأسباب الحقيقية في تأخره، اطروحة الدكتوراه.
3) المصدر السابق