أمّا عن الأبعاد السياسيّة للزيارة فيمكن القولُ، اختصارًا،[1] إنّ الزيارة التي نجحتْ من الناحية البروتوكوليّة أثارت الكثيرَ من التحفّظات والشكوك الناجمة عن السياق السياسيّ العامّ في المنطقة، ضمن حملة التطبيع مع الكيان الصهيونيّ، التي اندفعتْ إليها دولٌ عربيّةٌ خليجيّةٌ وغيرُ خليجيّة في الأشهر الأخيرة من إدارة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب. غير أنّ حيثيّاتِ الزيارة، ومن ضمنها اللقاءُ الذي عقده البابا مع المرجع الدينيّ الشيعيّ السيّد علي السيستاني، لم تؤكّدْ بالملموس الكثيرَ من المخاوف والشكوك التي سيقت قبل الزيارة وأثناءها. وبدا البابا نفسُه متردِّدًا حتى في دعوة السيستاني إلى التوقيع على وثيقةٍ مكتوبةٍ مثيلةٍ لتلك التي وقّعها مع إمام الأزهر أحمد الطيب، في أبو ظبي عام 2019، وسُمّيتْ “وثيقةَ الأخوّة الإنسانيّة.” إذ ردَّ البابا على سؤالِ صحافيٍّ رافقه على متن الطائرة التي أقلّتْه عائدًا إلى روما قائلًا: “قد تكون تلك فظاظةً، لكنّها خطوةٌ أولى. ستكون هناك خطوة ثانية. سيكون هناك آخرون. رحلة الأخوّة مهمّة.”[2] ولكنّ الزيارة انتهت كما بدأتْ، من دون أن تؤكّد “علنًا” أيًّا من تلك الشكوك والأهداف حتى الآن.
ثمَّ جاء البيان الذي صدر عن مكتب السيستاني بعيْد اللقاء ليسجِّلَ بوضوحٍ في الفقرة الأولى أنّ المرجعَ تحدّث إلى البابا عن معاناة الشعب الفلسطينيّ من الاحتلال.
أمّا في الجانب التاريخيّ والإناسيّ والآثاريّ لخلفيّات هذه الزيارة التي أرادها البابا حجًّا إلى مدينة النبيّ إبراهيم ومسقطِ رأسه، فنسجّل بدءًا ما يأتي: لقد أمست المعلوماتُ والمقولاتُ التوراتيّة عن هجرة إبراهيم من أور الكلدانيين أو “أور كسديم،” كما ورد حرفيًّا في النسخة العبريّة، في عداد البديهيّات بسبب تكرارها وتنميطها إعلاميًّا، لا بسبب صحّتها التأريخيّة أو قربها من الصحّة.
فقد كُشف النقابُ منذ عدّة عقود عن أنّ خرافةَ “بيت النبيّ إبراهيم في أور” هي إحدى تلفيقات الآثاريّيْن البريطانيّيْن تشارلز ليونارد وولي (Charles Leonard Woolley) وماكس مالوان (Max Malloan) في عشرينيّات القرن الماضي. وقد رصد الباحثُ العراقيّ عبد السلام صبحي طه حيثيّاتِ هذا الموضوع في مقالةٍ جديدةٍ له بعنوان “أكذوبة العقل الخرافيّ: آثار أور السومريّة والمسألة الإبراهيميّة.”[3] وورد فيها أنّ وولي أشار في أحد تقارير بعثته التنقيبيّة بين العاميْن 1922 و1934 إلى أنّ خبيرَ النقوش في البعثة، الأب الكاهن ليجرن، الموفَدَ من متحف جامعة بنسلفانيا، قد تَرجم رُقيْمًا مسماريًّا عُثر عليه في دارٍ سكنيّةٍ تبعد مئاتِ الأمتار عن الزقورة السومريّة (وهي معبدٌ وثنيّ)، مدوَّنًا عليه اسم “آبرامو.” كما عُثر على تمثالٍ لكبشٍ مزخرف، ربّما كان قاعدةً لطاولةٍ في غرفةٍ ملكيّةٍ أو معبد، رُبط بكبش التضحية الوارد في قصّة النبيّ إبراهيم.
وزاد مالوان، ضمن فريق وولي، الطينَ بلّةً حين أبرق إلى صديقٍ له في إنكلترة ذاكرًا له خبرَ الاكتشاف. وقد ذكر في مذكّراته:
“كان هذا الحيُّ السكني – في مدينة أور الأثريّة – على حد قول تشارلز وولي، الذي كان مولَعًا به، هو الحيّ الذي كان لا بدّ أنّ ربّ العائلة إبراهيم يعيش فيه عندما هاجر من أور إلى حرّان، مدينةِ عبادة القمر.[4] ولم نعثرْ على أيّ أثرٍ لإبراهيم نفسه الذي كان شيخًا ثريًّا من سكّان أور، ولكنّه لم يكن شخصًا فريدَ الأهمّيّة. في هذا العصر الذي أصبح فيه الإنجيلُ كتابًا أدبيًّا مهمَلًا، يصعب تصوّرُ مدى أهمّيّة ما كشف عنه الكتابُ المقدّس في أذهان الناس. وفي الحقيقة فإنّ هذا العمل قاد جزئيًّا إلى التنقيبات في أور. كان وولي نفسُه ابنَ قسّ بروتستانتي، ورُبِّيَ وفقًا لتعاليم الكتاب المقدّس. وكانت له ذاكرةٌ قويّةٌ في العهد القديم والعهد الجديد. وذاتَ مرّة ظنَّ الخبيرُ في النقوش الذي يعمل معنا خطأً أنّه قرأ اسمَ إبراهيم على لوحٍ طينيٍّ منقوش، وتسرّعتُ في الكتابة إلى صديقٍ في إنكلترة وذكرتُ له الاكتشاف. وعندما علِم وولي أنّني فعلتُ ذلك وبّخني بشدّة، وجعلني أبعث ببرقيّةٍ ألتمس فيها من صديقي التزامَ الصمت حتى يحينَ وقتُ إعلان النبأ. غير أنّ ذلك الوقت لم يحِنْ أبدًا!”[5] ويضيف مالوان، في فقرةٍ أخرى من مشاهداته الشخصيّة، أنّ “هذا النوع النموذجيّ من البيوت في الفترة من عام 2000 إلى عام 1400 ق.م متينُ التشييد… وقبل خمسين عامًا، عندما كنتُ أعملُ في أور، كانت معظمُ الدُّور في بغداد مشيدةً وفق خريطةٍ مشابهةٍ للخريطة التي تعود إلى أربعة آلاف عام.”[6] في هذا الصدد أيضًا، نفى آثاريّون ومؤرِّخون عراقيّون صحّةَ نسبة النبيّ إبراهيم إلى مدينة أور السومريّة الرافدينيّة، والدار المنسوبة إليه فيها، كما يخبرنا عبد السلام طه في مقالته المشار إليها.
فالدكتور مؤيّد سعيد الدامرجي، رئيسُ المؤسّسة الآثاريّة العراقيّة (1977-1998)، فنَّد عائديّةَ الدار المنسوبة إلى النبيّ إبراهيم في مدينة أور الأثريّة في محافظة ذي قار، بقوله إنّها فرضيّة “غيرُ دقيقة.” وأضاف أنّ “المُنشَأ الحاليّ المزعوم قد جرى بناؤه من الإسمنت والطابوق تزامنًا مع ’نيّة‘ زيارة البابا السابق يوحنا بولص الثاني في عقد التسعينات من القرن الماضي… وكانت الغايةُ تسويقَ فكرة المدينة كمسقط رأسٍ للنبيّ إبراهيم، ومن خلال ذلك تجري حلحلةُ موضوع الحصار المفروض على العراق بتوظيف ثقل الفاتيكان في الدوائر السياسيّة الغربيّة آنذاك.”
أمّا عالِم الآثار العراقي الراحل د. بهنام أبو الصوف، فقد قال لكاتب المقالة عبد السلام صبحي طه: “ليس هنالك أيُّ دليلٍ آثاريّ على أنّ الدار التي تقع على بعد بضع مئات الأمتار من زقورة أور هي دارُ النبيّ إبراهيم، الواردِ ذكرُه باسم أبراهام في العهد القديم، وإنّما يرقى أصلُ هذه الدار إلى العصر الحضاريّ العراقيّ القديم الذي يُطلق عليه عصرُ إيسن/لارسا، ويمتدّ تقريبًا من عام 2025-1730 ق.م، وقد ظنَّ وولي حينها أنّ إبراهيم لا بدّ أن يكون قد عاش في هذه البيئة.”
في الكيان الصهيونيّ نفسه، تصدّى عددٌ من الباحثين الأركيولوجيّين لهذه المقولة بالتشكيك والدحض. ومن هؤلاء الآثاريُّ الشهيرُ فنكلشتاين، مؤلِّف التوراة اليهوديّة مكشوفةً على حقيقتها. وكنّا قد تعرّضْنا نقديًّا في الآداب لهذا الكتاب[7] الذي أحدث حين صدوره ضجّةً كبيرةً، واستُقبِل غالبًا باستنكارٍ ورفضٍ قويّيْن من الأوساط الدينيّة اليهوديّة والمسيحيّة المحافظة والتقليديّة لأنّه فنَّد الكثيرَ من المزاعم والآراء المسبّقة والقصص التوراتيّة حول تأريخيّة شخصياتٍ وأحداثٍ ذُكرتْ في التوراة.
لكنّ كتابَ فنكلشتاين لم يخلُ ممّا سمّاه الباحثُ الفلسطينيّ أحمد الدبش “أخطاءً قليلةً هائلةً” ناتجةً من “تأثّره البالغِ بالتوراة.”[8]غير أنّ المبالغة في مناهضة كتابات فنكلشتاين من دون أدلّةٍ أركيولوجيّةٍ مضادّة، أو توظيفَها بحثيًّا بشكلٍ خاطئ كما فعل دعاةُ يمنيّة الجغرافيا التوراتيّة وعسيريّتها، لن يكون موضوعيًّا ولا مفيدًا، وقد يدخل في باب ردّ الفعل الإيديولوجيّ على الميول الإيديولوجيّة في كتابات فنكلشتاين نفسِه.
كتب فنكلشتاين في فصلٍ بعنوان “البحث بلا نتيجة عن إبراهيم التأريخيّ” ما يؤكّد الدوافعَ الغَرَضيّةَ الدينيّة لحملات التنقيب والاستكشاف الأوروبيّة في المشرق العربيّ: “لقد كان العديدُ من علماء الآثار التوراتيّين الأوائل قد تدرّبوا كرجال دينٍ أو لاهوتيّين. كانوا مقتنعين بإيمانهم بأنّ وعدَ الله لإبراهيم وإسحق ويعقوب، الذي أعطى حقًّا خاصًّا يحمله كلُّ فردٍ يهوديّ مع ولادته، وهو حقٌّ انتقل بعد ذلك إلى المسيحيّين، كما يوضحه القدّيس بولس في رسالته إلى الغلاطيّين، كان وعدًا حقيقيًّا مُنح لأشخاصٍ حقيقيّين وليس لمخلوقاتٍ خياليّة… وأنّ الصورة في سِفر التكوين هي صورةٌ تاريخيّةٌ وحقيقيّة. وليس هناك ما يدعو إلى الشكّ في الدقّة العامة المتعلّقة بسيرة ’الآباء‘.”[9]
وبعد حساباتٍ ومقارناتٍ يخلص فنكلشتاين إلى تأكيد أنّ التوراة تقول إنّ “زمنَ مغادرة إبراهيم لموطنه الأصليّ كان في حوالي سنة 2100 ق.م. ولكنْ هناك مشاكل في قبول هذا التاريخ، ليس أقلّها العمر الطويل جدًّا لإبراهيم وإسحاق ويعقوب الذي يتجاوز بالنسبة لكلٍّ منهم عمرَ المئة سنة بمدّةٍ مديدة. من الواضح أنّه لا يمكن أن نعدَّ هذا الأمرَ مجرّدَ تناقض بسيط.”[10] وللعلم، فإنّ أقلّ تقدير لعُمر لإبراهيم هو 175 عامًا، وهناك تقديراتٌ أخرى تقول إنّه بلغ 195 من العمر، وهذا أمر معروف ضمن المبالغات الخرافيّة للتوراة التي تصل بأعمار بعض الأنبياء إلى أكثر من تسعمائة عام: فنوح عمرُه 950 عامًا، والنبيّ شيت عمره 912 عامًا، ومتوشاليح عمرُه 969 عامًا… إلخ. ويضيف المؤلِّف: “ولكنّ البحثَ عن الآباء التاريخيّين بقي بلا نتيجة، وأثبت في النهاية إخفاقَه، حيث لم تزوِّدْنا تلك الفتراتُ الزمنيّةُ المقترحة توراتيًّا بخلفيّةٍ متوافقةٍ بشكل جيّد مع القصص التوراتيّة.”[11]
أمّا قول فنكلشتاين “لقد ثبت علميًّا أنّ الهجرة الغربيّة المفترضة لمجموعاتٍ من بلادِ ما بين النهريْن نحو بلاد كنعان، والتي وَضعتْ هجرةَ إبراهيم وعائلتِه إلى أرض كنعان ضمنها، لم تعدُ كونَها فكرةً خادعةً ووهميّة؛ إذ فنّد علماءُ الآثار بشكلٍ كامل الزعمَ بأنّ ثمّة حركةَ انتقالٍ سكّانيّ جماعيّ ومفاجئ حدثتْ في مثل ذلك الوقت،”[12] فهو قولٌ جزافيّ يحتاج إلى توثيقٍ علميٍّ دقيق. إنّ فنكلشتاين يتبنّى نظريّةً خاصّةً لا تخلو من النزوع الإيديولوجيّ الصهيونيّ حول أصول شعب بني إسرائيل القديم، وهو شعبٌ شبهُ منقرض ولا علاقةَ له سلاليًّا، ولا لغويًّا أو ثقافيًّا، بـ”الإسرائيليّين” في الكيان الإسرائيليّ القائم اليوم، من ذوي الأصول الخزريّة الأشكنازيّة وغيرهم من المتهوّدين. يقول فنكلشتاين في نظريّته هذه إنّ شعبَ بني إسرائيل القديم لم يأتِ إلى فلسطين من خارجها مهاجِرًا، كما يقول جميعُ علماء التاريخ والأركيولوجيا واللاهوتيّات، بل وُجِدَ ونشأ في فلسطين ذاتها، وأقام دولتَه نتيجةً لتضعضع المجتمع الكنعانيّ وانهياره آنذاك. غير أنّ فنكلشتاين لم يوثّقْ كلامَه أو يناقشْ هذه الفرضيّة أو يوضحْ ويثبتْ لنا إنْ كانت فرضيّةً مبرهَنًا عليها جغرافيًّا “مُناخيًّا” وأركيولوجيًّا. وقد قيل مثلُ هذه الترجيحات عن الكنعانيّين – وفرعِهم اليبوسيّ تحديدًا – في فلسطين؛ فنفى بعضُ الباحثين – ومنهم الأركيولوجيُّ الفلسطينيّ د. عيسى الصريع – أنّهم هاجروا إلى محيط مدينة أورشليم القدس من الجزيرة العربيّة، بل هم من أهل المنطقة وأصحاب الأرض الأصليّين ولم يهاجروا إليها من بلدٍ آخر (وكنتُ قد ناقشتُ هذه الفرضيّات النظريّة بشيء من التفصيل في مناسبةٍ سابقة).[13] أمّا هجرةُ القبيلة العبرانيّة البدويّة التي ورد ذكرُها باسم عابيرو وباسم خابيرو، فهي تكاد تكون أمرًا مؤكّدًا علميًّا: فهي قبيلةٌ من البدو الرحّالة أصلًا، وامتهن بعضُهم أعمالَ الارتزاق الحربيّ وغير ذلك.
وقد دلّل العالِمُ الألمانيّ يوليوس فلهاوزن – كما يقتبس فنكلشتاين – على أنّ قصصَ الآباء في كلا المصدريْن اليهويّ والإليوهيّ[14]عكستْ مخاوفَ الحكم الإسرائيليّ الملكيّ المتأخّر، التي أُسقطتْ على حياة الآباء الأسطوريّين في ماضٍ أسطوريٍّ بشكلٍ كبير. وبناءً عليه، يجب اعتبارُ القصص التوراتيّة أساطيرَ وطنيّةً (“قومية”؟) لا يزيد أساسُها التاريخيُّ على الأساس التاريخيّ لأسفار أوديسيوس في ملحمة هوميروس أو قصة تأسيس إينياس لمدينة روما في ملحمة فيرجيل.[15]
إنّ الاستنتاج الذي يخرج به قارئُ هذه الأسطر يفيد بأنّ زمنَ مغادرة إبراهيم المفترضة لموطنه الأصليّ جنوبيَّ العراق، وفق ما ورد في التوراة، هو حوالي سنة 2100 ق.م. والاستنتاج الذي توصّل إليه الباحثان فنكلشتاين وسليبرمان هو أنّ تدوينَ قصّة رحلة إبراهيم حدث في القرن السابع والثامن ق.م. إذًا، الفرقُ بين الحدث التوراتيّ المفترض، وتدوينِ قصّته في زمن الثقافة الشفاهيّة وانعدام التدوين أو ندرته الشديدة، هو بحدود 1400 سنة! ولكُم أن تتخيّلوا ما الذي يتبقّى من صدقيّة الرواية التوراتيّة المعلوماتيّة!
في التوراة تُسمّى المدينة التي وُلد فيها إبراهيم، وعاش فيها، وهاجر منها، “أور كسديم،” وتُرجم الاسم إلى “أور الكلدانيين” بطريقة غريبة وغير منسجمة مع أصول الترجمة من الأكديّة أو الكلدانية إلى العبريّة، وسنوضح هذا المفصل بعد قليل. ومعروف أنّ أور مدينةٌ قديمة، كانت مسكونةً منذ فترة “تل العُبيد” حيث انتشرت المستوطناتُ الزراعيّةُ في الفترة 2600 ق.م، ثم أصبحتْ أور عاصمةً للدولة السومريّة (السلالة الثالثة) عام 2100 ق.م، في عهد الملك أورنمو، أيْ بعد سبعة قرون من قيامها مستوطنةً للفلّاحين والرعاة. أمّا الكلدانيون فدولتُهم جاءت بعد هذا التاريخ بأكثر من ألف عام، وأوّلُ ذِكرٍ لهم جاء في نصوص من عهد “آشور ناصر بال” نحو عام 883 ق.م. وأوّلُ مملكة كلدانيّة هي مملكة بيث آقين، وأشهرُ ملوكِها كان مردوخ بلادان (733-710 ق. م)، الذي سيطر سنة 733 ق. م على مدينة بابل الواقعة تحت الهيمنة الآشوريّة آنذاك وقضى على دولتها. إذن، بين أور عاصمةِ السومريين 2100 ق.م، وبين الدولة الكلدانيّة 733 ق.م، فترةٌ طويلةٌ تقارب 1400 عام. فكيف جمعت التوراةُ أورَ بالكلدانيين؟ أم أنّ ما تقصده التوراة بـ”أوركسديم” مدينةٌ أخرى كما يرى البعض؟
هناك مَن يعترف بنصف هذه الحقيقة فيقول إنّ أور كسديم، أور الكلدانيّة، لم تكن كلدانيّةً بل أكديّة؛ وأنّها وُصفت بالكلدانيّة مجازًا لأنّ التوراة كُتبتْ في عهد الكلدانيّين. فما حقيقة ذلك؟ وكيف يمكن الردُّ على هذا التبرير؟
هذا ما سنتناوله في الجزء القادم والأخير.
هوامش:
D8%B9%D9%82%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B1%D8%A7%D9%81%D9%8A?fbclid=IwAR2TOtdsqoblY_qeBk7Nz_pPTffX5411Ha1yICA6I42ZImLnBO1EWiJTMYA
[4] حران مدينة رافدينيّة تقع حاليًّا جنوبَ شرق تركيا عند منبع نهر البليخ، أحدِ روافد نهر الفرات. [5] مالوان ماكس، مذكرات مالوان، ترجمة سمير عبد الرحيم الجلبي (بغداد/بيروت: دار الجمل، ط 1، 2024)، ص65. [6] المصدر السابق. [7]https://al-adab.com/article/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D9%86%D9%82%D8%B1%D8%A3-%D8%B9%D9%84%D9%92%D9%85%D9%8E-%D8%A7%D9%84%D8%A2%D8%AB%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A%D9%91%D8%9F
[8] أحمد الدبش، “فنكلشتاين واختراع تاريخ “إسرائيل”، موقع الجزيرة بتاريخ 12/07/2017. [9] إسرائيل فنكلشتاين ونيل سيلبرمان، التوراة اليهودية مفتوحة على حقيقتها، ترجمة سعد رستم (دار صفحات للنشر والتوزيع )، ص 61. [10] المصدر السابق، ص 65. [11] المصدر السابق، ص 66. [12] المصدر السابق، ص 65. [13] علاء اللامي، نقد الجغرافيا التوراتيّة خارج فلسطين ودراسات أخرى (بيروت: مؤسسة الانتشار العربيّ، ط1، 2020). [14] اليهوي نسبة إلى يهوى أو يهوه، اسمِ الإله في التوراة، وأحدِ المصادر الرئيسة الأربعة للتوراة في الفرضيّة الوثائقيّة، وهو أقدم المصادر، ويشكّل نصفَ سفر التكوين والنصف الأول من سفر الخروج وأجزاء من سفر العدد. يوصف الله في هذا المصدر بشكل يشبه الإنسان. والإليوهيّ كلمة عبريّة لوصف الإله أو الآلهة، وهي متعلقة بكلمة إل (إله) الساميّة مع أنّها تُعَدّ مشتقّة من كلمة الوَه. وإلوهيم ثالث كلمة في النص العبريّ لسفر التكوين، وتظهر كثيرًا في التناخ، مع أنّ معناها الدقيق غير متفق عليه غالبًا. [15] فنكلشتاين وسيلبرمان، مصدر مذكور، ص 66