من العراق إلى الهند… الفساد القاتل واحد!
قد لايكون وضع العراق الصحي والبيئي، خاصة، مع تفشي فايروس كوفيد 19، بذات الصورة الكارثية التي نراها، يوميا، في الهند أو بيرو والبرازيل، إلا أن الوضع سيئ جدا بالمقارنة مع العديد من دول المنطقة والعالم من ناحية عدد السكان والإمكانيات المادية والتخطيط لمواجهة الأزمات والكوارث البيئية سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان. كما أن هناك أوجه شبه متعددة. فالعراقي الذي يرى صورة اثنين من المرضى الهنود مرميين على سرير واحد في المستشفى، أو اشتراك النساء والرجال في ردهة واحدة، لا يستغرب كثيرا، لأنه رأى أو عاش الحالة نفسها في مستشفيات العراق حتى قبل انتشار الوباء.
بالنسبة إلى تفشي الكورونا، تجاوز عدد المصابين، بالعراق، حتى الآن، حسب منظمة الصحة العالمية، ما يقارب المليونين، والوفيات 15,498. وسجلت، قبل يومين، 5167 حالة جديدة و33 وفاة. أما الحالات النشطة فهي 108 آلاف. وهي حالات إصابة مرتفعة بالمقارنة مع إيران وتركيا فضلا عن لبنان وتونس والإمارات، اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار اجمالي عدد السكان ونسبة الاصابات لكل 100 ألف شخص. حيث وصلت النسبة، بالعراق، الى 114 إصابة لكل 100 ألف شخص استنادا الى احصائيات وزارة الصحة التي لا تسجل عدد الموتى في البيوت بل في المستشفيات فقط. لا يمكن الثقة إذن بهذه الأرقام كأي ارقام رسمية أخرى ولكننا نستخدمها كمؤشر.
اتخذت الحكومة، في بداية انتشار الوباء، في العام الماضي، اجراءات لتقليل الانتشار على غرار منع التجول وتقليل ساعات الدوام وإغلاق المدارس، إلا أن انزال العقوبات المشددة بالمخالفين التي وصلت حد الاعتقال وسوء المعاملة، وعدم توفير المساعدة الحكومية للعاطلين والشريحة الأفقر، وتخوف المسؤولين من رجال الدين إذا ما تجرأوا على منع الزيارات الدينية من داخل وخارج البلد الى الأماكن المقدسة حيث الاكتظاظ والتقارب البشري بأقصى أشكاله، ناهيك عن تكذيب رجال الدين الذين يروجون أن زيارة المراقد الدينية هي الكفيلة بمنع الاصابة بالوباء بل وحث المريدين على الزيارة لأنها توفر الشفاء منه في حال الاصابة مما جعل الأماكن الدينية بؤرا للانتشار الأسرع للوباء. ومع انعدام ثقة الناس بالحكومة الموصوفة بأنها حكومة لصوص وفساد، وانهيار الجهاز الصحي الذي تسارع تهالكه منذ الاحتلال عام 2003، بعد أن كان واحدا من أفضل الأنظمة الصحية في المنطقة، بات الناس يفضلون البقاء في بيوتهم على التوجه الى المستشفيات التي اقترنت بالموت، جراء قلة المعدات والأدوية والكادر الصحي.
لايبشر الوضع الحالي بالخير. فوزارة الصحة المسؤولة عن الرعاية الصحية لا تتواصل مع اللجان المستحدثة للرعاية الصحية. اذ صرح مدير دائرة الصحة العامة نافيا أن تكون وزارة الصحة قد رفعت أية توصية إلى اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية بشأن الحظر في الأيام المقبلة، مضيفا ما يؤكد حالة التخبط في اتخاذ القرارات «وربما لا تتوافق اللجنة العليا مع توصيات وزارة الصحة «. وعن إغلاق المدارس، ألقى عضو لجنة التربية البرلمانية صفاء الغانم، مسؤولية ارتفاع الإصابات بين صفوف الطلبة والكوادر التدريسية على لجنة الصحة والسلامة الوطنية لاصرارهم على عدم إيقاف التعليم الحضوري، محذرا من كارثة سيذهب اليها البلد نتيجة لهذا الإصرار.
آخر مستشفى بُني في العراق كان عام 1986، وأن عقودا بمبالغ خيالية وُقعت لبناء 51 مستشفى منذ عام 2009، وصُرفت الأموال ولم يتم بناء أي منها
واذا افترضنا ان الحكومة تبنت فكرة أن اللقاح هو الحل الأفضل لانقاذ الشعب من الوباء، فان حملة التلقيح تشي بالعكس تماما. اذ تم توزيع ما لا يقل عن 298377 جرعة حتى الآن. بافتراض أن كل شخص يحتاج إلى جرعتين، فهذا يكفي لتطعيم واحد من كل 1300 من السكان البالغ عددهم 38.3 مليون نسمة. وخلال الأسبوع الماضي، بلغ متوسط الجرعات حوالي 12766 جرعة كل يوم. وبهذا المعدل، سيستغرق الأمر 616 يوما آخر لإعطاء جرعات كافية لـنسبة 10 بالمئة من السكان. وتكمن المأساة خلف هذه الصورة والتأخير القاتل في تزويد المواطنين بما يحمي الحياة، في الفساد المتخلل بكل الحكومة والمؤسسات.
في الوقت الذي أعلن فيه أن ميزانية عام 2021 تبلغ 89.65 مليار دولار، بعد مساومات أشهر بين الأحزاب حول من يلتهم ماذا، وحصة هذا الحزب أو ذاك تبعا للوزارة التي يراها ملكا له، واذا كان من المفترض، ولو من باب تبييض الوجوه، تخصيص نسبة صغيرة من الميزانية لتوفير حاجة الشعب من اللقاح، إلا أن واقع الحال أثبت أن استهانة الحكومة بحياة الناس وكرامتهم، بلا حدود. إذ أنها تفضل انتظار تبرع المجتمع الدولي باللقاح واستجداء المساعدات الانسانية لئلا تمس محاصصة الاحزاب في الميزانية.
إن اهمال حق الرعاية الصحية لا يقتصر على ضحايا الفايروس. بل يمتد ويتسع ليشمل، بدرجات متفاوتة، اهمال الأطفال والأمهات الحوامل والمصابين بالاعاقة وضحايا الأمراض النفسية والعقلية. وأشار تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية الى ازدياد حالات الانتحار، خاصة بين النساء، بشكل كبير. ولايزال ضحايا اليورانيوم المنضب وحرق مخلفات قوات الاحتلال يعانون من مختلف التشوهات والامراض الخطيرة، في مختلف مدن العراق. وكان مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة الصحة، قد أعلن في الاول من مايو الحالي عن وجود 8 مواقع جديدة للتلوث الإشعاعي في محافظة البصرة. وإن اهمال هذه الوضعية الكارثية التي تنتهك واحدا من أساسيات حقوق الانشغال، والانشغال بالمحاصصة السياسية والمساومات المالية، وتقاسم المؤسسات وميزانياتها، وما يترتب على ذلك من موت يومي اما بشكل وباء او اعتقال أواختفاء قسري هو ممارسة ارهابية، وكونها حكومية لا يجعلها تختلف عن ممارسة المنظمات الارهابية.
ولابد أن من عاش من ساسة العراق الحاليين في الدول الأوروبية وأمريكا، وعرفوا بتجربتهم الشخصية، معنى الكرامة المصاحبة لاحترام حقوق الإنسان، وان ما يحتاجه العراقيون هو نفسه ما يحتاجه جميع البشر من الحقوق الأساسية كالوظائف والتعليم الجيد والرعاية الصحية والعدالة. وأن هناك بعد سنوات من الحرب والخراب، حاجة ماسة إلى الاستثمار في الأطفال والشباب والدعم النفسي لمساعدة الناس على التغلب على الصدمات التي واجهوها.
إن هذا الأمر هو الذي يُحملً السياسيين العراقيين في السلطة مسؤولية الخراب الانساني، على مدى 18 عاما الاخيرة، بشكل مضاعف ويجعل مسؤوليتهم القانونية، ناهيك عن الأخلاقية، أعظم. ويكفي للدلالة على حجم تخريبهم المنهجي للبلد وأهله ان نُذكر أن آخر مستشفى بُني في العراق كان عام 1986، وأن عقودا بمبالغ خيالية وُقعت لبناء 51 مستشفى منذ عام 2009، وصُرفت الأموال ولم يتم بناء أي منها.
كاتبة من العراق