دور المواطنات والمواطنين الجدد (الأجانب) في أوروبا في مواجهة اليمين المتطرف والنازية الجديدة والأصولية الإسلامية المتطرفة
بيدر ميديا.."
كاظم حبيب
مادة نقاشية
دور المواطنات والمواطنين الجدد (الأجانب) في أوروبا في مواجهة اليمين المتطرف والنازية الجديدة والأصولية الإسلامية المتطرفة
منذ ثمانينيات القرن العشرين برزت بوضوح نزعات شوفينية وعنصرية معادية للأجانب الذين قدموا إلى ألمانيا وإلى عدد آخر من الدول الأوروبية في عقد الستينيات منه للمشاركة في تنمية اقتصاداتها المدمرة ومدنها التي خربتها الحرب العالمية الثانية (1939-1945م)، التي أشعلها النازيون الألمان والفاشيون الطليان والعسكريون اليابانيون لأهداف استعمارية وعنصرية مقيتة.
لم يتوقف المسؤولون في هذه الدول إزاء هذه الظاهرة برؤية نقدية، بل مارست الأحزاب الحاكمة عموماً والحزبين الديمقراطي المسيحي والاجتماعي المسيحي خصوصا بنوايا وأهداف انتهازية وقومية، لاسيما في الجولات الانتخابية العامة، بصب المزيد من الزيت على النار التي بدأت تشتعل ضد الأجانب من جانب القوى اليمينية والنازية الجديدة من خلال التركيز على ضرورة إعادة العمال الأجانب إلى بلدانهم، أو أيقاف الهجرة الأجنبية، أو تعديل المادة الخاصة بالهجرة الأجنبية في الدستور وإصدار قوانين وإجراءات تحد من الهجرة إليها، أو رفض اعتبار بلدانها متعددة الثقافات، رغم تزايد نسبة المواطنات والمواطنين الجدد في الدول الأوروبية. كما لم تبذل حكومات هذه الدول أي مجهود متكامل وسليم لاستيعاب ودمج القادمات والقادمين الجدد في المجمع الألماني من خلال وضع برامج جادة ومراقبة ومتابعة مستمرة لعملية دمجهم في المجتمعات الأوروبية، بما في ذلك تسهيل حصولهم على فرص عمل أو مجال لتعلم مناسب للغة الألمانية، مما أنتج فوارق ملموسة بين نسبة مهمة من القادمات والقادمين الجدد وبين المجتمع الألماني التقليدي بتقاليده وعاداته الخاصة. كما لم تتوجه حكومات هذه البلدان، ومنذ البد، بمواجهة قوى التطرف الإسلامية التي قدمت إلى الدول الأوروبية، لاسيما من الأرياف، المعبأة بمستوى متخلف من فهم الدين وممارساته والتي غُذيت باتجاهات رجعية وخرافية وتمييزية وتكفيرية، مما فسح في المجال بروز مساجد غير قليلة تدعو للإسلام المتطرف والخلافة الإسلامية وتكفير من هو غير مسلم أو مسلمة، لاسيما من قدم منهم من تركيا أو باكستان أو مصر أو المغاربة، وكذلك المدارس العربية التي فتحت في هذه الدول من قبل المملكة السعودية التي كانت التربية الإسلامية فيها “وهابية” (نسبة إلى محمد عبد الوهاب 1703-1791م) متطرفة وتكفيرية لمن هم من غير هذه المدرسة ذات الأصول الحنبلية (نسبة على أحمد بن حنبل 780-855م) التي تكفر الأخر من أي دين أو مذهب غير مذهبها وترفضه وتعمل على تحويله إلى الإسلام ولو بالقوة والعنف أو حتى قتله. (نموذج ما حصل في غزو واجتياح واحتلال الموصل وسبي وقتل واغتصاب الإيزيديين بإبادة جماعية وتهجير المسيحيين أو الشبك والتركمان الشيعة).
لم تكن غالبية القادمين والقادمات من الدول ذات الأكثرية الإسلامية، ومنهم العرب، يحملون اتجاهات دينية متطرفة أو قومية متزمتة. ومع ذلك فقد كان ولا زال للأقلية الصغيرة دورها في التأثير السلبي على المسلمات والمسلمين وعلى الأجواء العامة للعيش المشترك مع الأوروبيين في الدول الأوروبية. اقترن ذلك بتصاعد موجات التطرف وبروز الجماعات الإرهابية الإسلامية الدولية على صعيد الدول ذات الأكثرية المسلمة ونشاطها المحموم في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، خاصة في العقد الأخير من القرن العشرين حتى الوقت الحاضر، (تنظيم القاعدة وتكاثر أتباعه وتفرعاته، تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وأتباعه وكثرة تفرعاته) في العالم.
وخلال العقدين الأخيرين، لاسيما بعد أحداث الأول من سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة، تبلورت ثلاثة اتجاهات خطيرة على الصعيد العالمي، لاسيما الأوروبي والذي يشكل تهديدات جديدة لا بد من مواجهتها بحزم وصرامة:
أولاً: ارتفاع نسبة المؤيدين والمساندين للقوى اليمينية واليمينية المتطرفة والنازية الجديدة في عموم الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.
ثانياً: زيادة نسبة المستعدين لممارسة العنف الجسدي ضد الأجانب، لاسيما ضد القادمين من الدول النامية. وبهذا ارتفع عدد القتلى أو الذين تعرضوا لمختلف صيغ التمييز والاعتداء من بنات وأبناء الجاليات الأجنبية في الدول الأوروبية على نحو خاص.
ثالثاً: زيادة نسبية كبيرة ومؤذية في ظاهرة الكراهية الموجهة ضد اليهود “ضد السامية” وضد المسلمين، ومنهم العرب عموما، وضد الأفارقة السود، في أوساط المجتمعات الأوروبية تفوق نسبة وعدد المنظمين أو المؤيدين للقوى اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة. وتجد تعبيرها في ارتفاع نسبة ممثلي هذه القوى في البرلمانات المحلية والعامة الأوروبية وبرلمان الاتحاد الأوروبي وتشكيلهم قوة سياسية معارضة قوية، كما في ألمانيا مثلاً حيث احتلت الموقع الأول فيها.
هذا الواقع لا يعني أن الديمقراطية البرجوازية في أوروبا معرضة لخطر داهم وكبير ومباشر. ولكن مثل هذا الخطر، وبالنسبة لألمانيا مثلاً، يشكل خطراً لا بد من مواجهته بحزم وصرامة لاعتبارات تاريخية تكشف عن وجود أرضية صالح لنمو الاتجاهات القومية اليمينية المتطرفة والشوفينية والعنصرية والعداء للسامية بسرعة. وبالتالي تتحمل حكومات هذه الدول مسؤولية وضع برامج ومناهج فكرية وسياسية وعملية تثقيفية على مستويات عديدة ابتداءً من المدارس الابتدائية والمتوسطة والإعدادية والجامعية والمعامل والمزارع والمؤسسات، وعلى مستوى الإعلام، الصحافة والتلفزة والسينما والمسرح ومختلف الفنون الإبداعية، وعلى صعيد السياسة الداخلية والخارجية وفي الأمم المتحدة وتنشيط نشر والتثقيف بمبادئ اللوائح والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وزيادة دور القضاء في مواجهة هذه الظاهرة.
ولكن المواطنات والمواطنين الجدد في أوروبا، أي الذين ينحدرون من مجتمعات غير أوروبية، يتحملون مسؤولية كبيرة في مواجهة دور ونشاط القوى اليمينة المتطرفة والنازية الجديدة الأوروبية من جهة، والقوى القومية اليمنية المتطرفة والقوى الأصولية الإسلامية المتطرفة من جهة أخرى، بالرفض والإدانة والعمل الجاد والمثابر على نشر الفكر الديمقراطي الحر وضد إثارة الكراهية والأحقاد بين المواطنين من أصول أوروبية ومن أصول غير أوروبية. فماذا ينبغي عمله؟
إن مثل هذه المهمات تتحملها جميع العناصر ذات التوجهات المدنية والديمقراطية واليسارية، وكذلك منظمات المجتمع المدني الديمقراطية، ومنها منظمات حقوق الإنسان والمنتديات والنوادي الثقافية الديمقراطية، ومنها الأدبية والفنية، وكذلك الصحف والمجلات التي تصدر باسم هذه المنظمات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، مجلة المنتدى الديمقراطي ذات الخبرة الكبيرة التي تصدر في لندن، ومجلة الصعاليك التي تصدر في برلين، أو مجلة التواصل التي تصدر في ستوكهولم.. إلخ، او نشرة القنطرة التي تصدر في ألمانيا. لهذا الغرض اقترح التفكير بالمهمات الآتية ومناقشتها وتحسينها وبلورتها أكثر فأكثر:
- التحري عن أفضل السبل والنشاطات الاجتماعية والفنية التي يمكن للعناصر الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني الديمقراطية ممارستها بهدف الوصول إلى بنات وأبناء الجاليات الموجودة في بلدانها والمتزايد عددها سنة بعد أخرى والتي كثير منها يعاني من مشكلات غير قليلة والتحري عن سبل مساعدتها والتأثير الإيجابي فيها لصالح تبنيها مواقف مدنية ديمقراطية غير متطرفة، ورفضها وإدانتها لكل أشكال التطرف والعنف بغض النظر عن هوية فاعليه.
- دفع الحكومات الأوروبية للتعاون والتنسيق بهدف وضع برامج تربوية وتثقفية مشتركة للموجودين أو القادمين الجدد للأفراد والعائلات بما يسهم في تعريفهم بالمجتمع الألماني وتقاليده وضد الفكر اليميني المتطرف وضد نشاطات الشوفينيين والعنصريين والنازيين الجدد، وكذلك ضد القوميين المتطرفين العرب أو من قوميات أخرى وضد الأصوليين الإسلاميين المتطرفين وتنظيماتهم المختلفة والموجودة في دول الاتحاد الأوروبي.
- عقد الندوات الواسعة وبدعم من الحكومات والتنظيمات المدنية الأوروبية لأبناء الجاليات الأجنبية يشارك فيها أوروبيون وغير أوروبيين من المقيمات والمقيمين في هذا الدول من أعضاء منظمات المجتمع المدني الديمقراطية في فضح الفكر والأهداف التي يروج لها العنصريون وأعداء الأجانب ومناهضو وجودهم في الدول الأوروبية.
- بذل الجهود لرفض التعاون وتقديم الدعم الحكومي للمنظمات التي تدعو إلى الكراهية وإثارة الأحقاد والتمييز أو تلك التي تدعو لاتجاهات شوفينية وعنصرية متطرفة ضد الأجانب أو تلك المنظمات الإسلاموية التي تنشر الكراهية وتثير الكراهية ضد غير المسلمين من أتباع الديانات الأخرى.
- دعوة بنات وأبناء الجاليات من المسلمين عموماً والعرب خصوصاً إلى المشاركة في الانتخابات لصالح القوى الديمقراطية والتقدمية التي ترفض الشوفينية والتمييز بمختلف أشكاله وتدعو للمساوات بين المواطنين والمواطنات من أصول أوروبية وغير أوروبية.
- إيجاد لجان تنسيق وعمل مشترك على مستوى الدول أو الدولة الواحدة في أوروبا بين منظمات المجتمع المدني “الأجنبية” ذات الأصول غير الأوروبية أولاً، ومع منظمات المجتمع المدني من أصول أوروبية في تبني الأهداف الديمقراطية في التعامل اليومي في مختلف مجالات الحياة، ومنها الحصول على سكن أو على فرص عمل أو فرص تعليم أو توظيف …الخ. وكذلك في مواجهة الاتجاهات اليمينية واليمينية المتطرفة المناهضة لأتباع الديانات الأخرى أو الأجانب عموماً في الدول الأوروبية.
- دعوة الإعلاميين والكتاب، من أدباء وشعراء، وفنانين في مختلف مجالا الإبداع، لاسيما السينما والمسرح والغناء والموسيقى والرقص والرسم والنحت، للمشاركة في عملية التربية والتنوير الفكري والاجتماعي في صفوف الجاليات من أصول غير أوروبية لصالح الفكر الديمقراطي والتعايش الأخوي بين البشر، بغض النظر عن قومياتهم أو دياناتهم أو لغاتهم، وكذلك رفض التمييز بمختلف صور ظهوره، لاسيما ضد المرأة. كما يفترض الانفتاح للتعاون مع منظمات مماثلة المانية للغرض ذاته ومع المجتمع الألماني عموماً. وهذا يتطلب العمل بلغات عديدة لاسيما الألمانية ولغات البلدان التي نزحوا منها أو ترجمة أعمالهم الثقافية.
- إن المشكلة التي يفترض أن تعالج من جانب منظمات المجتمع المدني العاملة في أوروبا، لاسيما لمن هم من أصول غير أوروبية، تبرز في التحري واكتشاف السبل الحديثة والكفيلة بالوصول إلى الشبيبة من الذكور والإناث، لحمايتهم من الفكر اليميني المتطرف والنازية الجديدة، وكذلك من فكر وسلوك الأصولية الإسلامية المتطرفة والتكفيرية، من خلال تقديم برامج فكرية وثقافية واجتماعية متنوعة ومشوقة وجادة، واستخدام فعال وحيوي لشبكات التواصل الاجتماعي المتزايدة عدداً وتأثيراً وفعلاً في فكر وسلوك وحراك الشبيبة.