لم ينتحروا حقاً بل قتلوهم
ازداد في لبنان عدد الشابات والشبان المنتحرين مؤخراً إلى أبعد مدى. الشبان اللبنانيون الذين انتحروا مفضلين الموت على الحياة الذليلة بالفقر والقهر لم ينتحروا حقاً في نظري، بل قتلهم بعض الذين يحكمون لبنان سراً وعلناً، في ظل أوضاع سياسية ومالية لم تعد تطاق… وفي دراسة قرأت عنها في منبر محترم، علمت أن شخصاً واحداً في لبنان ينهي حياته بالانتحار كل يومين ونصف يوم.
لماذا ينتحر اللبناني الذي كان يقال عنه «نيال من له مرقد عنزة في لبنان؟» لأن الوضع اللبناني المالي والسياسي سد الأبواب في وجوه الشبان وفضلوا قبراً في لبنان بدلاً من الهجرة، والمسؤول عن قتله هو كل من ساهم في جعل لبنان مكاناً غير صالح للعيش الكريم.. وصار العالم كله لا يجهله.
لن أتحدث مطولاً عن الذين حولوا لبنان إلى مزرعة خاصة لهم، ينتفعون بخيراتها هم و(أزلامهم) ولن أسميهم لكي لا أضجر القارئ، فهو يعرفهم ويعرف أنهم يحرمون لبنان حتى من المساعدات المالية الخارجية، ولا أظن أن رئيس جمهورية فرنسا السيد إيمانويل ماكرون بالغ في طلبه تشكيل وزارة على الأقل في لبنان من (الأوادم) حين زارنا بعد الانفجار الشهير في المرفأ لكي تصير المساعدات المالية العالمية في طريقها إلى لبنان ويكف العدد الكبير من المنتحرين عن الرحيل الأبدي عن لبنان، وحتى الآن ثمة من لم يكتف بنهب خيرات لبنان، بل يعرقل تشكيل الوزارة من الأوادم ومازالوا يتابعون اغتيال الناس تحت اسم الانتحار!
السرقة ابنة الفقر أو الطمع؟
أفتش في الصحف عن خبر مفرح عن لبنان… أي خبر يبعث الأمل في النفوس ويوحي بأن الأمر على وشك التحسن، فلا أعثر إلا على مزيد من الأخبار المحزنة، ومنها سرقة الأغطية الحديدية على الطرقات، وأعمدة الكهرباء، وحتى أبواب المدافن؛ أي كل ما يمكن بيعه.. من يفعل ذلك؟ في لبنان الفاعل دائماً هو «المبني للمجهول»، والوضع الحالي في مجمله لا يدعو لغير مزيد من القلق على هذا الوطن العربي لبنان، الذي فتح أبوابه للجميع ولم يلق الوفاء حتى من بعض حكامه، مما دفع بالكثيرين إلى الانتحار. الذين يسرقون أبواب المدافن ترى هل ستطاردهم أرواح المدفونين فيها وتهديهم الكوابيس؟
بين التقمص والعنصرية!
في لبنان يؤمن البعض بالتقمص، أي أن الإنسان حين يموت تنتقل روحه إلى جسد آخر، وكانوا يقولون: «نيال أهل الصين ساعة وصلتك»؛ أي يا لحظ أهل الصين حين تصل روحك وتتقمص صينياً! وقد علمت بذلك حين كنت في بيروت أكتب فصلاً عن التقمص في كتابي «السباحة في بحيرة الشيطان».
أما اليوم في فرنسا، فتتم محاكمة الذين فرضوا (في وسائل التواصل الاجتماعي) ضرب كل من له وجه صيني الملامح، وبالذات في الحي الصيني الباريسي، لأنهم يأكلون لحم الكلاب (المدللة عند الفرنسيين) ولحم الخفاش، ولأنهم قاموا بتربية فيروس كوفيد 19 ونشروا الوباء في العالم. وقد أبدى المتهمون ندمهم للاعتداء على الجالية الصينية مما سيخفف من الحكم عليهم بتهمة العنصرية الذميمة.. أما أغاثا كريستي، الكاتبة المشهورة، فلم يحاكمها أحد على عنوان إحدى رواياتها البوليسية «عشرة عبيد صغار» وهم زنوج، بل اكتفى ناشرها اليوم بتبديل العبارة العنصرية عن الزنوج العبيد. لدي شخصياً حساسية من العنصرية، لذا يسعدني كل عمل ضدها يساهم في التنوعية الإنسانية.
والمعروف أن رواية أغاثا كريستي «عشرة عبيد صغار» من أكثر الكتب البوليسية بيعاً في العالم، واقتُبست منها أفلام سينمائية، وقيل إنه بيعت من الكتاب مئة مليون نسخة، ما يدل على أن الوعي ضد العنصرية أمر من المفيد قيام حملة معه.
نحترم اقتران القول بالفعل
حملة التطعيم ضد وباء كورونا تواجه وساوس محقة حول: أي طعم ضد الوباء أفضل؟ فالشركات الطبية لم تضِع فرصة (صناعة) اللقاح الذي يدر بيعه الملايين. لكن قيل إن بعض اللقاحات مؤذية للصحة العامة كلقاح «أسترازنيكا» سيئ السمعة.
لكن رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس لا يعتقد أنه مؤذ، كما أعلن. ولم يكتف بإبداء وجهة نظره، بل قام بإثباتها عملياً وشاهده ملايين الفرنسيين على شاشة التلفزيون وهو يتلقى هذا اللقاح عملياً والإبرة تنغرس في ذراعه، لطمأنة الناس وإقران الرأي بالفعل. لا تسألوني عن رأيي هل لقاح فايزر الذي تلقيته أفضل أم «جونسون أند جونسون» الذي قيل إنه يسبب جلطات دموية، فأنا لست طبيبة. وكملايين الناس، تلقيت اللقاح بإبرة غرستها الممرضة في ذراعي!
ولم أقل شيئاً ولم أعترض!
حروب تعليق الصور
عشت في سويسرا عامين (وهو بلد غير متخلف ولا ينتحر الناس فيه يأساً ولا تتم سرقة الأغطية الحديدية في الشوارع ولا حتى أعمدة الكهرباء)، عامان عشتهما وغادرتها دون أن أرى صورة واحدة لأي من رجال السياسة معلقة في الشوارع، ولم يكن لكل زقاق صورة (مبجلة) كما يحدث عندنا في لبنان.
وأعيش في باريس منذ حوالى أربعة عقود، ولم أر صورة لزعيم سياسي معلقة في أي شارع أو على باب.. أما في لبنان فكلما زرته ألحظ كثرة صور هذا السياسي أو ذاك المعلقة في الشوارع وحتى في طريق المطار.. ولا أدري هل يزيد تعليق صورة في رصيد هذا السياسي من التقدير أم من النفور؟ وهل يرضى بعض أصحاب هذه الصور بما يفعله بعض أتباعهم، أم يلحظ أن ذلك سيسبب كراهية الناس له ونفورهم منه؟
أعتقد أن في لبنان ما يكفي ويزيد من الهموم، ولسنا بحاجة إلى حرب نفسية إضافية هي حرب الصور، ومن هو «تاج رأس» من. فلكل مواطن أن يختار (تاج رأسه النفسي) دون تعليق صورته على باب داره.. بل على جدران قلبه إذا كان صادقاً.
لقد تعب اللبنانيون من محاولات (الحب بالإرغام) الذي تمثله الصور هنا وهناك، وأعتقد أنه من المفيد منع تعليق صور أهل السياسة في الشوارع وعلى أبواب البيوت، فأنا مثلاً أجد الرئيس (الآدمي) سليم الحص من حزب «الأوادم» لكنني لا أريد أن يعلق أحد صورته على باب بيتي، بل أعلقها على جدار قلبي! كما سواه من حزب الأوادم في لبنان، وما أقلهم!