في فلسطين المحتلة: طفلة تسأل والدها عن لعبتها لحظة اعتقاله وفي لبنان: لا ألعاب ولا أعياد!
بيدر ميديا.."
في فلسطين المحتلة: طفلة تسأل والدها عن لعبتها لحظة اعتقاله وفي لبنان: لا ألعاب ولا أعياد!
بعد رحيل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وانتخاب جو بايدن رئيساً جديداً للولايات المتحدة، تنفس العالم الصعداء.
توقع كثير من المتابعين والمحللين أن السياسية الدولية سوف تستعيد شيئاً من اعتبارها، شيئا من أخلاقيتها، بعد سنوات عجاف كانت المنطقة العربية شاهدة وشهيدة على تداعياتها الكارثية.
سنوات نقل خلالها ترامب «سيىء الصيت» سفارة بلاده إلى القدس الشرقية، ضارباً بعرض الحائط كل القوانين والمواثيق الدولية والإنسانية. لم يكتف بذلك بل تنازل أيضاً للإحتلال الإسرائيلي عن هضبة الجولان المحتلة في عام 1967.
لكن التفاؤل بإعادة الاعتبار للقانون الدولي كان في غير محله، وسرعان ما تأكد «المؤكد» أن البيت الأبيض لن يحكمه سوى من يكون على يمين اليمين الصهيوني.
لقد جاء رد الفعل الأمريكي مخزياً على القررات التعسفية الإسرائيلية بعد أن قضت المحكمة المركزية في القدس المحتلة بإخلاء 4 منازل يسكنها فلسطينيون في حي الشيخ جراح. سكان يحملون عقوداً موثقة من السلطات الأردنية، التي كانت تدير القدس الشرقية بين عامي 1948 و1967 تثبت ملكيتهم للعقارات في الحيّ الصامد.
هذا ما أثار سخط الفلسطينيين العزل الذين قابلوا قرار المحكمة الهزيلة بالتظاهرات السلمية في وجه العنف الممنهج لقوات جيش الاحتلال الإسرائيلي.
العالم كله التزم الصمت، عدا عن تظاهرات متواضعة في بعض العواصم الأوروبية.
ناهيك عن تزوير وسائل الإعلام الدولية لحقيقة ما يجري في القدس، واصفة إياه بأنه «إخلاء» لبيوت «متنازع على ملكيتها».
وأمام هذا التزوير الممنهج للتاريخ نجح الفلسطينيون بصمودهم في فضح جوقة المطبّعين والمطبلين للاحتلال.
خصوصاً أنظمة الهوان والخذلان العربية، التي تسابقت في السنوات الأخيرة لاسترضاء المحتل على حساب الحق الفلسطيني.
وفي خضم المواجهات اليومية، التي تشهدها المدينة القديمة، تنقل لنا المواقع الالكترونية الكثير من القصص والصور الإنسانية، التي تقول للعالم إن الفلسطينيين تعبوا من كونهم ضحايا ولن يستسلموا لإرادة الاحتلال المدلل، مهما كان ثمن انتفاضتهم.
قبل أيام تداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي مقطعاً لطفلة فلسطينية في الرابعة من عمرها تسأل والدها لحظة تعرضه للاعتقال عن مكان لعبتها – ذات اللون الأبيض – يبتسم الوالد- الأسير- حتى لا يشعر طفلته بالخوف من جنود الاحتلال، الذين جاءوا لاقتياده من منزله. لم يهتموا لوجود الطفلة الصغيرة. بكل همجية وعجرفة وضعوا القيود على يديه. صرخت الطفلة وانفجرت بالبكاء الشديد مدركة أنها لن ترى والدها بعد أن تم اقتياده إلى مكان مجهول.
أمام هول ما يحدث تحضر كلمات محمود درويش لتعزينا وتبعث في نفوسنا شيئاً من الأمل بالخلاص المؤجل:
«ولنا أحلامنا الصغرى،
كأن نصحو من النوم معافين من الخيبة،
لم نحلمْ بأشياءَ عصيةْ.
نحن أحياءٌ وباقونَ.. وللحلم بقيةْ».
سلطة الديناصورات
ومن فلسطين الجريحة إلى لبنان المغدور به والمطعون في الصميم. لبنان الذي سرقه الكبار وتناوبوا على اغتصابه حتى الموت.
هكذا وبوقاحة ما زالوا جالسين في جنازته على كراسيهم المرتفعة والمريحة، يستمعون إلى نواح أهل الدار، ويتقبلون التعازي عنهم، ويأخذون الصور التذكارية، ويدلون بتصريحاتهم الكاذبة المنمّقة، والمليئة فوق كل ذلك بالأخطاء اللغوية.
لبناننا اليوم في الحضيض من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه.
الناس جياع. معظمهم لا يملك سعر رغيف الخبز.
جاء العيد وأصبحت الأسواق مكاناً لأحلام اليقظة. يقف المواطن أمام واجهة المحل. ينظر مطولاً نحو قميص معلق على واجهة ما. يبتسم له. فيخرج من طرفي القميص جناحان. هكذا يطير من مكانه ويحط فوق جسد المواطن الفقير.
ما هي إلا لحظات ويعود القميص إلى مكانه. يطأطئ المواطن المسكين رأسه ويلقي نظرة أخيرة على حلمه الضائع. يلوح للقميص ويمشي مهزوماً أمام غلاء الأسعار.
ماذا تفعل تلك الأم، التي لم تجد معها ما يكفي من المال لشراء الحليب لأطفالها؟ هل سيدق العيد باب منزلها؟ هل سترسم للأطفال الملابس الجديدة والألعاب على حيطان المنزل؟ هل سيلونوها معاً. هل يا ترى ستكتسب تلك الألعاب المرسومة روحاً لتقفز عن الحائط، ولو لوقت قليل، كما قفز القميص؟
لقد نقل تلفزيون رويترز حال الناس في طرابلس مع اقتراب عيد الفطر. رصدهم ينتظرون دورهم في الطوابير لإصلاح أحذيتهم وحقائبهم القديمة.
لأن الأحلام أجهضت في بلادنا ولا يعول عليها!
يصلحون القديم، لأنهم غير قادرين على شراء أي قطعة جديدة، بسبب تدهور أوضاعهم المادية بعد وصول الليرة اللبنانية إلى الحضيض.
قال الإسكافي اللبناني: الناس ما قادرة تشتري جديد.
عم بيصلحوا القديم. كانوا بموسم رمضان يشتروا أكتر، بس هالسنة لا والله عم بيصلحوا أكتر حتى عم يجينا أشياء كتير قديمة بالموديل.
وقالت هدى محمد، بينما تنتظر لإصلاح أحذية قديمة لأفراد أسرتها: متل ما عم تشوف عم نصلحلهم المنزوع بالبيت، ما قدرنا نشتري جديد».
قد يقفزُ القميص من واجهة المحل. وقد تُنفَخ بالألعاب المرسومة على الحائط روح. وقد تصلّح الأحذية القديمة، لكن طبقتنا السياسية باقية هي هي، لن تكتسب أبداً لا ضمير ولا وجدان ولا أحاسيس…
إنها سلطة الديناصورات النائمة، بلا منازع!
*كاتبة لبنانيّة