ليلة سقوط أسطورة «القبة الحديدية»!
لو أن راويًّا حكى تلك المَشاهد شفويًّا، أو كتبها في أوراق ومذكّرات، لقيل إنّ في الأمر مبالغةً وتضخيمًا وقلبًا للحقائق، ولكنّ العالم أجمع رأى بأمّ عينيه، عبر القنوات التلفزيونية وشبكات التواصل الاجتماعي كيف دبّ الرعب في أوصال «إسرائيل» وكيف أصبح «مواطنوها» يبحثون عن الملاجئ للاختباء فيها، وكيف صار آخرون يقصدون المطارات من أجل الهروب نحو وجهات آمنة، بعدما أصاب الشلل الحياة الاجتماعية هناك، وكيف اضطر برلمان الكيان الصهيوني إلى قطع إحدى جلساته المبثوثة مباشرة عبر التلفزيون، وكيف غَدَا أفراد من جيش الاحتلال يرتعدون ويبكون ويتوسلون لزملائهم ورؤسائهم كي لا يزجّوا بهم في معركة مجهولة المصير !
صحيح أنها معركة غير متكافئة، بين شعب أعزل، محاصر، يُمارَس عليه التجويع، ويُحرم من متطلباته الإنسانية العادية، ويتلقّى الضربات تلو الضربات من لدن الصديق قبل العدو، ويُقدّم مئات الشهداء باستمرار من أجل أرضه وحقه في العيش بسلام…
وبين كيان يمتلك أعتى الأسلحة وأشدها فتكا، ومُدعَّم ماديًّا وتكنولوجيًّا وإعلاميًّا وسياسيًّا وإيديولوجيًّا من طرف قوى عظمى، تسبّح باسمه آناء الليل وأطراف النهار، ومُدعّم أيضًا من قبل عرب وغير عرب يقيمون جسورًا معه في السر والعلن.
ولكنّ المفاجأة حصلت، والموازين انقلبت، إذ سقطت أسطورة «القبة الحديدية» التي بذل الكيان المحتل من أجلها الغالي والنفيس، وصار يتغنّى بها عبر أبواقه الإعلامية، وجعلها مظلة للاحتماء ولضخّ معنويات ـ مهتزة أصلا ـ في نفوس «مواطنين» وجدوا أنفسهم منخدعين بكذبة «الأرض الموعودة»!
أطلق عليها في البداية اسم «القبة الذهبية» ثم اكتُفي فقط بـ»الحديدية» وكلّفتْ أكثر من 210 ملايين دولار أمريكي، وتحدثت الآلة الإعلامية الإسرائيلية عن قدرتها على اعتراض الصواريخ قصيرة المدى وقذائف المدفعية، باعتبارها نظاما لكشف الصواريخ لحظة إطلاقها ومحطات عالية السرعة لمعالجة المعلومات، إذ تتيح حساب مسافة التحليق وتحديد المسار مسبقا من أجل تدمير الصواريخ «المعادية» قبل وصولها إلى الهدف، وفق ما ذكر الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء فايز الدويري، في حديث لقناة «الجزيرة» الفضائية. ووصف محللون عسكريون إسرائيليون «القبة» حسب المصدر نفسه، بأنها كانت أكبر عملية احتيال ضخمة، في ضوء حقيقة أن المقاومة الفلسطينية طوّرت صواريخ تستغرق 14 ثانية للوصول إلى بلدة «سديروت» الإسرائيلية القريبة من غزة، في حين أن نظام «القبّة» يحدد الصاروخ ويعترضه بعد 15 ثانية. كما صدرت انتقادات أخرى من لدن عمّال في شركة «رفائيل» المصنّعة «للقبة» ذاتها، مفادها أن النسبة الحقيقية للاعتراضات الناجحة هي حوالي 5 في المئة، فالاعتراض الناجح يجب أن يُظهِر انفجارين، أحدهما لصاروخ «تامير» الإسرائيلي، والثاني للصاروخ القادم من غزة الذي يجري اعتراضه، فيما أشرطة الفيديو لا تُبرز في معظم الأحيان سوى انفجار «تامير».
الخبير العسكري يوضح أيضا أن تكلفة الصاروخ الواحد الذي تطلقه المقاومة الفلسطينية هو ما بين 300 إلى 1000 دولار، أما تكلفة الصارخ المنتمي لنظام «القبة الحديدية» الإسرائيلية فيتراوح ما بين 35 ألف و63 ألف دولار. لكن الإعلام الإسرائيلي يحاول تضخيم الأمور بالقول إن جيشه استطاع إسقاط العشرات من صواريخ غزة، لكنه لا يعطي رقما محددا. فأين هي الدقة في إصابة الهدف؟ تزعم «إسرائيل» أن فعالية «القبة» تصل إلى 90 في المئة، في حين تحدثت مراكز دراسات قبل انطلاق الحرب الأخيرة عن 65 إلى 75 في المئة، والآن صارت تتحدث عن 25 إلى 35 في المئة، أما الخبير العسكري المذكور فيرى أن نسبة النجاح لا ترقى إلى أكثر من 70 في المئة في أفضل الحالات المتفائلة.
أين الخلل؟
هكذا، إذن، فـ»القبة الحديدية» التي كلفت إسرائيل مئات ملايين الدولارات، واعتُبرت مركز هيبتها ودرعها الحامي، أمست قاب قوسين من فضيحة قد تكلّفها اسمها في سوق السلاح، توضح القناة الروسية المبثوثة باللغة العربية، مشيرةً إلى أن صواريخ المقاومة تعدّت القدس وتل أبيب.
الصدمة الناتجة عن فعالية «القبة الحديدية» أرجعته القناة الإسرائيلية الـ12 إلى خلل فني، فيما تتحدث حركة المقاومة الفلسطينية عن صواريخ جديدة بتكنولوجيا متطورة، فتل أبيب أغلقت مطارها بعدما جرى قصفها بـ150 صاروخا خلال خمس دقائق. وانطلق الخبراء يبحثون في سر عجز صواريخ «القبة الحديدية» عن اعتراض كل صواريخ المقاومة الفلسطينية، فخمّنوا بأن الأمر راجع إلى إطلاق مئات الصواريخ في آن واحد، وبمسارات وأهداف مختلفة، مما يربك النظام البرمجي وشبكة الرادارات التي تستعين بها «القبة الحديدية». حسنًا، وكيف فشلت هذه الأخيرة من قبل في إيقاف صاروخين قادمين من سوريا، سقطا قرب المفاعل النووي «ديمونة»؟ وكيف تدّعي إسرائيل أنها تُخضع فضاء غزة لمراقبة دقيقة عبر أنظمة استطلاع متطورة، ومع ذلك تستخدم المقاومة الفلسطينية قواعد لإطلاق الصواريخ في الاتجاه الذي تريد؟
تأثير مزدوج
نعود إلى ضيف «الجزيرة» الخبير العسكري والاستراتيجي فايز الدويري، إذ يتولّى تقييم أداء «القبة الحديدية» موضّحًا: «لا أقول إنها فشلت، ولكنني أؤكد أن نجاحها لم يرق إلى المستوى المتوقع.» ويثني على المقاومة الفلسطينية التي تتوفر على مخزونات مهمة من الأسلحة، فضلا عن إرادة القتال والتصميم والعزم على مواجهة الضربة بالضربة والتصعيد بالتصعيد وتخطي العقبات، فهي تملك أكثر من 12 ألف صاروخ، حسب التقديرات المعلنة من طرف «مخابرات» العدو الصهيوني.
المقاومة الفلسطينية تحاول إرباك الطيران الإسرائيلي المقاتل، حتى وإن لم تُحدث خسائر في القواعد العسكرية الإسرائيلية، فهي تحدّ من حركة الطيران وإن كانت لا تمنعها. صحيح أن صواريخها لا ترقى الى الصواريخ الإسرائيلية أو الأمريكية أو الروسية التي تعمل بنظام الأقمار الصناعية، ولكنها ذات فعالية مزدوجة: التأثير المادي الملموس المتمثل في إصابة الهدف، ثم التأثير غير الملموس الذي يصيب المجتمع والمتعلق بالبعد النفسي والمعنوي؛ والتحليل دائما للخبير العسكري المذكور الذي يوضح أن مجرد إدراك الاتجاه النهائي أو النقطة النهائية للصاروخ الموجه من طرف المقاومة الفلسطينية، فإن ذلك يحدث إرباكا في الحسابات العسكرية الإسرائيلية!
نغمة نشاز!
خارج الأدوار الإعلامية المشرّفة التي تقوم بها مجموعة من القنوات العربية والأجنبية في فضح العدوان الصهيوني على الفلسطينيين، اختارت بعض وسائل الإعلام السعودية أن تعزف نغمة نشازًا، فصارت ناطقة باسم الكيان العبري، مُعبّرة عن أحواله، مجسّدة لأوهامه؛ مثلما تفعل قناة «الشرق» (سارقة اسم القناة المصرية المعارضة) التي تركّز في نشراتها الإخبارية على المواقف الإسرائيلية، متجاهلة المقاومة الفلسطينية من جهة وضحايا العدوان الصهيوني من جهة أخرى.
وكذلك الشأن بالنسبة لقناة «العربية» التي لم تكتف بتحيزها المفضوح لإسرائيل، بل تقوم كذلك بتلفيق تصريحات لقياديين من حركة المقاومة الفلسطينية. وكانت سلطات غزة قامت بإغلاق مكتب تلك القناة هناك عام 2014 بسبب قيامها بالتجسس وتصوير نقاط منصات الصواريخ الفلسطينية ونقلها إلى مخابرات الاحتلال الصهيوني.
وانضافت إليهما صحيفة «عكاظ» التي انبرى أحد كتابها «البارزين» في تبرير العدوان الصهيوني والتقليل من حجم وتأثير الصواريخ الفلسطينية.
وهكذا، تأكد للمُشاهد العربي حقيقة الإعلام العربي المُوجَّه الذي يتناغم مع المعزوفة الصهيونية الرديئة، في وقت تتضامن فيه شعوب العالم والشخصيات الشهيرة في عوالم الرياضة والفن والاقتصاد مع القضية العادلة للشعب الفلسطيني.