كاظم حبيب
هل المرجعية الشيعية مسؤولة عن وجود وحل الحشد الشعبي وميليشياته المسلحة؟
في مقال سابق أشرت إلى أن تشكيل الحشد الشعبي ارتبط بقرار تم التنسيق فيه بين رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وبين المرجعية الشيعية للسيد على السيستاني. الطرف الأول أصدر قراراً بتشكيل هذا الحشد، في حين أن الطرف الثاني أصدر الفتوى التي ساهمت في التحشيد لهذا الحشد تحت باب شرعي إسلامي هو الجهاد الكفائي. ولديَّ تصور بأن هدف الأول اختلف في الجوهر عن هدف الثاني، وأن التقيا على تشكيل هذا الحشد. في عام 2016، أي في فترة حكم حيدر العبادي، كُرس وجود هذا الحشد بقانون باسم “هيئة الحشد الشعبي”، ووضع رسمياً تحت قيادة وإدارة القائد العام للقوات المسلحة العراقية. لقد انتسبت لهيئة الحشد الشعبي الجهات التالية:
أولاُ: كل الميليشيات الشيعية الطائفية المسلحة التي تشكلت منذ عام 2003 حتى 2021، سواء ما أطلق عليها بالولائية أو الولاء لمرجعية السيستاني أو ميليشيات جيش المهدي (ميليشيا سرايا السلام)؛
ثانياً: مجموعة من الميليشيات التي تضم أعضاء من السنة أو من الشبك أو من المسيحيين التي تأسست أثناء الحرب ضد داعش وهي تابعة لهيئة الحشد الشعبي وتأتمر بأوامر قيادته الشيعية؛
ثالثاً: العناصر التي تطوعت على وفق فتوى السيستاني بالجهاد الكفائي ممن لم يكونوا أعضاء في تلك الميليشيات وبدافع الدفاع عن الوطن؛
تشكلت قيادة هيئة الحشد الشعبي من قادة تلك الميليشيات الطائفية المسلحة الأكثر بروزاً وتأثيراً التي ترتبط بعلاقات معروفة بخمس جهات أساسية حسب أهمية ذلك الارتباط:
- علاقة عضوية متينة بفيلق القدس الإيراني وقائده قاسم سليماني قبل قتله، وبعده بالقائد الجديد لفيلق القدس ونائبه. وهي علاقة مشتركة مع الحرس الثوري الإيراني؛
- علاقة سياسية ومصالح بالأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية (البيت الشيعي) التي ترتبط هي الأخرى بعلاقات متينة مع القيادة الإيرانية وجهاز الأمن الإيراني (اطلاعات) والمرشد الإيراني و”ولي الفقيه!” خامنئي؛
- علاقة مكثفة تمر عبر الدولة العميقة وبخيوط (مرئية ومتسترة) مع مجلس النواب والحكومات العراقية المتعاقبة ومؤسساتها وهيئاتها المستقلة ومجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية وعموم القضاء في المحافظات؛
- علاقة مع المرجعيات الشيعية العديدة، منها بشكل خاص عبر وكلاء المرجع الشيعي الأعلى في العراق السيستاني، ومرجعيات أخرى كاليعقوبي، أو كما في حالة مرجعية مقتدى الصدر وسرايا السلام وسائرون التي تعود لشيخ الدين المتطرف كاظم الحسيني الحائري الملتزم بقاعدة ولاية الفقيه.
- علاقة عمل ومصالح متبادلة وتنسيق مع قوى الجريمة المنظمة لاسيما العاملة في المجالات التالية: المال، المخدرات والكحوليات، الجنس، شراء وبيع أعضاء من جسم الإنسان.
جميع الميليشيات الشيعية المتطرفة (الولائية وغير الولائية) التي تشكلت في الفترة بين 2003 حتى الوقت الحاضر شاركت دون استثناء بالأمور التالية:
** التبعية الفعلية الفكرية والدينية لولي الفقيه الإيراني والالتزام بما يقرره عبر وكلاءه في العراق. ويمكن هنا أن نشير إلى أن مجموعات من الميليشيات الصغيرة التي ترتبط بوكلاء السيد السيستاني، والتي لا يمكن استثناءها من الأفعال غير القانونية الأخرى التي تمارسها كل الميليشيات في البلاد، أي من الفساد المالي والإداري والابتزاز والاختطاف والاعتقال والتعذيب والقتل.
** كل المهمات العدوانية والدونية الأخرى الموجهة ضد شعب العراق وفي غير صالح البلاد التي وردت في مقالي المنشور يوم 30/05/2021.
** مارست ميليشيا جيش المهدي (سرايا السلام) على مدى سنوات كثيرة دوراً مماثلاً لبقية الميليشيات الولائية، رغم عدم إعلانها الولاء المباشر لخامنئي، ثم حاولت أن تلعب دوراً أخر في فترة الانتفاضة والتماهي مع الحركة المدنية بهدف احتوائها، ولما عجزت عن ذلك عادت لتضرب بقوة وخسة الحركة المدنية وقوى الانتفاضة التشرينية. وهي في المحصلة النهائية ضد التغيير المنشود، وهي الذراع الميليشياوي لجماعة مقتدى الصدر وسائرون.
** لا شك في أن هذه الميليشيات تختلف فيما بينها بعدد من المسائل المهمة:
- مدى تبعية وخضوع قادتها وكوادرها الأساسية للولي الفقه في إيران وإرادة وأهداف ومصالح إيران في العراق.
- عدد الأفراد المنتسبين إليها.
- حجم ونوع السلاح، بما فيها الصواريخ والطائرات المسيرة القاصفة الذي تمتلكه.
- حجم الأموال التي تحت تصرفها والامتيازات التي تتمتع بها، ومدى دعم إيران لها مالياً (معاشات مثلاً).
- مدى تغلغلها ونفوذها في أجهزة الدولة، لاسيما الوزارات والقوات المسلحة العراقية وأجهزة الأمن والاستخبارات والمخابرات عبر الدولة العميقة ومنشآتها.
- مدى هيمنتها على المناطق التي تتقاسمها في محافظات العراق المختلفة، عدا المحافظات الرسمية التابعة للإقليم.
- مدى استعدادها لاستخدام العنف والسلاح في مواجهة الانتفاضة التشرينية أو القوات الحكومية العراقية.
** رغم وجود تنسيق وتعاون بين هذه الميليشيات عبر قيادة الحشد الشعبي، إلا إنها تخوض منافسة، وأحياناً شديدة، فيما بينها بهدف الهيمنة على بقية الميليشيات وقيادتها لها والحصول على موقع مميز في علاقتها مع إيران وولي الفقيه الإيراني خامنئي. حيث بدأت هذه الميليشيات تُفرّخ المزيد من الميليشيات الفرعية بأسماء أخرى تابعة لها. ويمكن ألَّا تخلو هذه المنافسة من احتمال الاشتباك المسلح، لاسيما بين سرايا السلام وحزب الله (النجباء) أو فيلق بدر أو عصائب أهل الحق أو غيرها كثير. ولكنها تتلاحم فيما بينها في حالة حصول تهديد لها ومواجهتها لقوى الانتفاضة أو الحراك المدني الشعبي العام ضدها.
** في فترة الحرب ضد داعش توزعت قوى الحشد الشعبي بين مجموعتين، الأولى ساهمت في القتال ضد داعش وشاركت في تحرير المناطق المحتلة من تلك العصابات، والمجموعة الثانية التي استمر وجودها في مدن بغداد والوسط والجنوب لتمارس الأفعال المعروفة عنها، بما في ذلك الفساد المالي والتهديد والابتزاز والاعتداء والاختطاف والتعذيب والقتل. وبعد الانتهاء من قتال داعش الواسع النطاق عادت أغلب تلك الميليشيات الحشدية إلى ممارسة ذات المهمات غير النبيلة والمناهضة لمصالح الشعب الموكلة إليها والتي أوردتها في المقال السابق المشار إليه في بداية هذا المقال. علينا أن نتابع حجم الأموال العراقية الهائلة التي نُهبت بطرق شتى ووصلت إلى ثلاث جهات أساسية هي: الدولة الإيرانية وحزب الله بلبنان والدولة السورية. وهذه الحالة لم تتوقف حتى الآن رغم مصاعب العراق المالية.
ما العمل إزاء هذا الوضع؟
يعتبر النضال المستمر لقوى الشعب وفئات الاجتماعية لتغيير النظام السياسي الطائفي الفاسد هو المسألة المركزية التي تواجه وقوى الانتفاضة التشرينية، قوى الحراك المدني، بقواها وأحزابها وعناصرها، هي التي تواجه الشعب كله، وفي يقيني
يمارس يشكل وجود هيئة الحشد الشعبي بميلشياتها الولائية وغير الولائية، بما فيها ميلشيا سرايا السلام، ومكاتبها الاقتصادية والبنوك المرتبطة بها وفرق الاختطاف والاعتقال والتغييب والقتل التابعة لها والخاضعة كلها لقيادة الدولة العميقة، تسكيناً حاداً نازفاً دماً مستمراً في خاصرة العراق وشعبه. وهذه الهيئة وميليشياتها تلحق يومياً المزيد من الأضرار الفادحة بما تبقى من سمات الدولة وهيبتها وصلاحياتها وبالشعب العراقي وسمعة العراق الإقليمية والدولية. وليس أمام الشعب العراقي من أجل البدء بتغيير الأوضاع أن يعمل على تحقيق مهمتين أساسيتين إلى جانب المهمة المركزية، هما:
- النضال من أجل إقدام مرجعية السيد علي السيستاني على إصدار فتوى جديدة تنهي مفعول فتوى الجهاد الكفائي بسبب انتهاء مهمتها المركزية، وبالتالي حل كل الميليشيات وهيئة الحشد الشعبي أياً ولمن كان الولاء.
- النضال من أجل قيام الرئاسات الثلاث باتخاذ قرار حل كل الميليشيات وحشدها الشعبي، وحصر السلاح بيد الدولة وقواتها المسلحة.
ولي الثقة بقدرة القوات المسلحة العراقية، رغم ما فيها من جيوب خائسة، على مواجهة أي احتمال للمواجهة من قبل هذه القوات الخبيثة ليس لها أي رابط إنساني نبيل يربطها بالوطن والشعب.
أدرك جيداً بأن هاتين المهمتين ليستا من السهولة بمكان، ولكن بدونهما، أي بدون قطع الذراع الإيراني الفاعل في البلاد، لا يمكن تغيير الوضع لصالح الشعب ووحدة واستقلال وسيادة الوطن. إذ سيجد مثل هذا الموقف معارضة ليس من هيئة الحشد الشعبي وميليشياتها والأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية الحاكمة ذات العلاقة العضوية بهذه الحشد وميليشياته (البيت الشيعي السياسي) فحسب، بل ومن إيران و”ولي الفقيه”. ولكن مثل هذا القرار سيجد التأييد والدعم من الشعب العراقي بكافة قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه واتجاهاته المدنية والديمقراطية، وهو ما تحتاجه أي حكومة تمتلك عقلاً راجحاً، كما هو ما يحتاجه المرجعي الشيعي الأعلى السيد السيستاني. إن اتخاذ مثل هذا القرار يحتاج إلى جرأة استثنائية من مرجعية السيستاني، التي تعرضت وتتعرض باستمرار للإساءة الكبيرة المستمرة من وجود وأفعال هذه الميليشيات وحشدها الشعبي. كما ليس سهلاً على الرئاسات الثلاث، بغض النظر عن رأيي الشخصي بها وبطبيعتها السياسية ودورها ودور أشخاصها على امتداد الفترات المنصرمة، اتخاذ مثل هذا القرار، ولكنه ضروري وملح ويجد الدعم والتأييد من غالبية الشعب الذي يعاني الأمرين على أيدي الحشد وميليشياته وإيران.