التراث الصيني القديم والحضور العربي فيه/ج 2 من 2
مقتطفات من كتاب ” المستطرف الصيني” للراحل هادي العلوي
إعداد: علاء اللامي
كلمات متبادلة في العربية والصينية: أخذ العرب اسم الصين من “تشين” الفارسية، ويرى البعض أنها من اسم الأسرة الأولى التي وحدت الصين واسمها اسرة ” تشين”. وهذا الاسم قريب من اسم الصين في اللغة الصينية وهو ” تشوان غوا” وتعني حرفيا الدولة المركز. واستعمل العرب إلى جانب اسم ” الصين” اسم ” بلاد الخُطا” من خوتان وهو اسم إقليم في شمال الصين، وهو أيضا اسم الصين في اللغة الروسية. وكتبه ابن بطوطة بلاد “خُتن”.
وسمى الصينيون العربَ القدماء “تاشي”، وهي من تازي بالفارسية التي سمى بها الفرسُ العربَ القدماء وهي من طائي نسبة الى قبيلة طي العربية الكبيرة (أي أن كل عربي عندهم طائي لأن قبيلة طي كانت بحجم شعب).
وكلمة ” تياوتجيه” تعني العراق بحسب الباحث الكبير في “الصينيات” جوزيف نيدهام، وبعض الباحثين قالوا بل تعني سوريا. ولكن سوريا لها اسم آخر في الصينية هو تاتشين ثم تغير إلى “فولين”.
أما بغداد فاسمها في الصينية ” شيا بودا”. كما عرَّبَ العربُ اسم مدينة خانتشو وتلفظ أحيانا خانتسو، وصارت اسم علم ممن حملنه الشاعرة الخنساء.
أما بكين كان العرب يسمونها: خان بالُق، بضم اللام. واسمها الصيني اليوم بيجينغ وتعني حاضرة الشمال. ومن الكلمات المتبادلة بين اللغتين العربية والصينية أدرج هذه الأمثلة من المصدر سالف الذكر:
وادي = في اللغة الصينية بذات المعنى وتلفظ بمقطعين وا – دي
نبات الحلبة = خو لو با، بذات المعنى
زال = زو –لا، بذات المعنى وقد تكون من المصادفات
خلاص = خلا ، بمعنى انتهى
حذاء = تلفظ في لهجة كانتون خا –زي وفي لهجة بوتونخوا تعني طفل والمعنى الأول أرجح أن يكون من أصل عربي.
ولدى المسلمين الصينيين نجد كلمات عربية تربو على خمسين كلمة مما يمس أمور الدين والثقافة الإسلامية ومنها:
حرام = حا –لا – مو
محتسب = مو –ها – تا- سي –بو
مفتي = مو –فو – تي
أما في القاموس العربي المنطوق والمكتوب فنجد الكلمات الصينية التالية:
جندي = تلفظ في الصينية جون – دوي
يوان = المحل والمبنى وكلمة إيوان معربة عن الفارسية ولعل الفارسية أخذتها من الصينية.
مَي = اسم فتاة معروف عند العرب منذ العهد الجاهلي وتعني الجمال. وكانت حبيبة الشاعر النابغة الذبياني اسمها مي.
شاخة = تستعمل في اللهجة العراقية بمعنى الساقية التي تأخذ من الجدول دون الساقية الآخذة من النهر مباشرة.
تشوله / چولة = في اللهجة العراقية بمعنى البرية / في تنويمة الأطفال (عدوك عليل وساكن الچول)
تِمَّن= الرز، تلفظ باللهجة العراقية والخليجية بكسر التاء وتشديد الميم، ولتفظ في الصينية “تامي” وفي جزيرة هاينان الصينية تلفظ بلفظها العراقي “تِمَّن”.
تشالغي = الغناء وتلفظ بالصينية تشانغه.
دان، دانة = قنبلة
أوظة في عامية بلاد الشام = غرفة
تشينكو = صفائح الحديد أو الزنك في اللهجة العراقية، مؤلفة من تشين أي الصين وكو أي صحيفة فتكون الصحيفة الصينية.
كاغد = العملة الورقية والورق عموما باللهجة العراقية وكتب عنها ابن بطوطة كعملة ورقية الآتي (ذكر دارهم الكاغد التي بها يبيعون ويشترون: وأهل الصين لا يتبايعون بدينار ولا درهم. وجميع ما يتحصل ببلادهم من ذلك يسبكونه قطعا. وإنما يكون بيعهم وشراؤهم بقطع كاغد كل قطعة منها بقدر الكف مطبوعة بطابع السلطان. وتسمى الخمس والعشرون قطعة “بالشت” وهو بمعنى الدينار عندنا. وإذا مضى إنسان إلى السوق بدرهم فضة أو ينار يريد شراء شيء لم يؤخذ منه ولا يتلفت إليه حتى يصرفه بالبالشت ويشتري به ما أراد.
ومن الأسماء العربية التي وردت في سجلات أسرة تانغ الإمبراطورية ضمن معلومات تاريخية نجد:
مو خو مو = هبيرة بن المشمرج رئيس الوفد العربي إلى إمبراطور الصين الذي بعثه قائد الفتوح على جبهة الصين قتيبة بن مسلم الباهلي/ وردت تفاصيلها في تاريخ الطبري أحداث سنة 96 هـ 715م.
سي ديان تشي تشو سي دين إي مر = السيد الأجل شمس الدين عمر وهو عميد الأسرة العلوية في آسيا الوسطى؛ وقد قام بمآثر كبيرة حوَّل بها مقاطعة يون نان – تزيد مساحتها على مساحة بريطانيا – إلى مقاطعة مزدهرة وقد خصصنا له وقفة في فقرة سابقة/ ج4.
إي جي = يحتمل أن يكون الخليفة يزيد الناقص الذي ثار على ابن عمه الوليد بن يزيد وقتله.
خي يي تاشي = ذوو الملابس السوداء أي العباسيون لارتدائهم الملابس السوداء وكان اعداؤهم يسمونهم “المسوِّدة”.
موهان = الأمويون
ميدي = الخليفة العباسي المهدي
كالون = هارون الرشيد
تن جن؛ تحولت لاحقا الى جن تجو = الله عند المسلمين، وتعني الكلمة حرفيا “رئيس المسلمين”، إذ لا وجود لمرادف لكلمة الله في اللغة الصينية لعدم وجود ديانات سماوية في حضارتهم. وتحولت الكلمة إلى مرادف لكلمة المسلمين في اللغة الصينية المعاصرة فلو ترجمنا اسم “حز ب الــله” إلى الصينية لكان ” تشن تجودان = حزب رئيس المسلمين”!
المصدر: ص 22 إلى 25 وما بعدها المستطرف الصيني – هادي العلوي ط1 سنة 1994.
مقولات وحَكم وأمثال صينية:
ملاحظة للمؤلف “لغة التاويين جامحة، غير بسيطة، ولا منضبطة بقوانين المنطق. وينبغي فهمها كنمط بلاغي يجمع بين الرمز الفلسفي والبلاغة الأدبية”.
1-اللون الأصفر الذي يوصف به الصينيون ليس بسبب لون بشرتهم بل بسبب اللون الأصفر للأزياء الرسمية والرايات الإمبراطورية القديمة. وبهذا المعنى قال الشاعر العربي القديم كشاجم (ولد في الرملة بفلسطين وعاش في حلب في عهد الدولة الحمدانية وعاصر سيف الدولة ووالده عبد الله) قال يصف البطيخ:
وزائرٌ زارَ وقد تعطرا
أسرَّ شهداً وأذاعَ عنبرا
ملتحفاً للصينِ ثوباً أصفرا
2- شون تسه: شعر أم فلسفة؟
الماء والنار لهما أرواح لطيفة وليست لهما حياة.
الزروع والأشجار لها حياة وليس لها إدراك.
الطيور والحيوانات لها إدراك وليس لها إحساس بالعدل.
الإنسان يملك هذا أجمع، ومن هنا فهو سيد الكائنات.
3-الفيلسوف تشوانغ تسه، أرسل إليه ملك دولة “وَي” مبعوثين مع هدايا ليدعوه إلى بلاطه. فتضاحك الفيلسوف ثم قال لهم:
اغربوا عني. لا تدنسوني. أنا أفضل التمتع بإرادتي الحرة.
4- المحافظ (الأصولي السلفي) هو كمن يحاول ترهيم الوتد المربع على الثقب المدور). من التوهج العظيم
5- الحروب المستديمة تستنفد الشعب.
الانتصارات الدائمة تجعل السادة يسكرون بالفخر.
والمزيد من الفخر هو المزيد من استنزاف حيوية الشعب في حروب مزهوة. التوهج العظيم
6- الشجاع الحاد المزاج هو إما قاتل أو مقتول
أما الشجاع الحليم فهو الذي يصون الحياة دوما / التاو
7- سأل المريد تسو كونغ معلمه كونفشيوس: ماذا تقول عن الناس الذين يحبهم جميع أبناء قريتهم؟
فأجاب: هذا لن يكون
وماذا عن الناس الذين يكرههم جميع أبناء قريتهم؟
فأجاب: هذا لن يكون. إنهم لم يمتلكوا بعد سجايا الناس الذين يحبهم الأخيار ويبغضهم الأشرار.
ويضف العلوي قولا مشابها في المعني للفقيه العربي المسلم سفيان الثوري قال: إذا رأيت المرء محبوبا في أقرانه محمودا في جيرانه فاعلم أنه مداهن… يعني أن من يحبه جميع الناس فهو مساوم، وقال شاعر عربي قديم:
لا خير في عيش من يحيا وليس له
ذوو ضغائن لا تخفى وأحقاد.
8-الفضيلة يتلفها حب الشهرة
المعرفة تأتي إلى الوجود من وراء الخصومة/ تشوانغ تسه
9- أن تموت دون أن تهلك
يعني أن تكون أبدي الحضور.
*الخَيِّرُ بحق لا يعرف أنه خَيِّر
ومن هنا فهو خَيِّر
المعتوه يحاول أن يكون خيِّراً
وهو لذلك ليس خيِّراً / من كتاب التاو
10-إذا كانت مواهب الإنسان أكبر من ثقافته كان جلفا.
وإذا كانت ثقافته أكبر من مواهبه كان مكابرا.
وإذا تساوت ثقافته مع مواهبه فهو الإنسان الأكمل/ كونفشيوس
11- حكم وأمثال صينية غابرة
-الورقة الخضراء تحجب عنه جبل تاي شان.
(تضرب لمن تشغله توافه المور)
-لا تستطيع ولو أربعة خيول أن تطارد كلمة تخرج من الفم
-كل محب يرى حبيبته شي شي
(شي شي من رموز الجمال الأنثوي في الصين)
-عندما يتداعى الجدار يتدافع الناس لإسقاطه.
-تجرع النصيحة التي لا تعجبك كما تتجرع الدواء
-الأخلاق لا فعل لها عند ورود المصلحة
-يذبح الديك ليخيف القرد
(يضرب لمن يقتل الأبرياء ليخيف المجرمين)
-في الفم عسل وفي القلب سيف
(يضرب للمنافق ذي الوجهين/ بما يذكر بالمثل العراقي: بالوجه مراية وفي الظهر سلّاية)
-يحاول التقاط القمر من قعر البحر
(يضرب لمن يطلب المستحيل).
12-لتغذية القلب لا يوجد أفضل من تقليل الرغائب. منشيوس
مقولة منشيوس هذه تذكرنا بمقولة أحد أقطاب التصوف الإسلامي التي تعرف الإنسان الحر بأنه (مَن لا يملكُ شيئاً لا يملكه شيءٌ) ع.ل.
المصدر: من تضاعيف كتاب ” المستطرف الصيني” وخاصة من الفصل المعنون “مختارات” ص 220 وما بعدها.
*الصورة للراحل هادي العلوي بين مجموعة من طلابه الصينيين في معهد اللغات الأجنبية ببكين (يسمى الآن جامعة الدراسات الأجنبية) حيث أشرف على طلاب الدراسة العليا وساعد الأساتذة الصينيين في التأليف والبحوث، وكان من الأعمال التي ساهم في إنجازها “قواعد تطبيقية للغة العربية” بأجزائها الأربعة التي صارت فيما بعد مرجعا أساسيا لدارسي العربية في الصين.
*رابط لتحميل نسخة رقمية من كتاب ” المستطرف الصيني للراحل هادي العلوي”