هدى النعيمي تنعش ذاكرة أبناء جيلها بإصدار «قمط»
الدوحة : ضمن إصدارات عام 2021، صدرت عن دار كتارا للنشر مجموعة قصصية جديدة للكاتبة والناقدة هدى النعيمي تحت عنوان: «قمط».
وتختلف المجموعة القصصية الجديدة لهدى النعيمي عن سابقاتها، «المكحلة» «أنثى» «أباطيل» لكونها تـدور حــول مجلات الأطفال المصـورة التــي أثـّرت في الأطفــال والناشــئة، خـلال ســبعينيات القــرن العشريــن حتــى مطلع الثمانينيات.
تــدور قصــص المجموعة وعددها 15 قصة حــول مجــلات الطفــل، وعــن أزمنة صدورهــا وتطورهــا، فهــي مكتوبــة بشــكل قصـصـي لتمثــل وتعــبر عــن «قصــة مجلة طفــل» في كل قصــة منهــا.
تشرح الكاتبة معنى «قمط» العنوان الذي اختارته لمجموعتها القصصية الجديدة بقولها: «القمــط» هــو مــا يلــف بــه الطفــل الرضيــع، ومــن هنــا تأخــذ المجموعــة عنوانهــا، فتلــك المجــلات كانــت تلتــف حــول مخيلاتنــا وتلف بهــا عقولنا الصغـيرة في ذلك الوقـت.
في هــذه المجموعــة، تتخيــل الكاتبــة نفســها صغـيـرة تتصفــح المجلــة التــي تصلهــا، ســواء مــن المكتبــة المجــاورة، أو مــن خــلال الزميــلات في المدرسة، نظراً لقلــة انتشــار المكتبــات في تلــك الحقبــة مــن الزمــن، ولأن الصغــيرة تقــرأ المجلــة بمخيلتهــا الخصبــة والبريئــة، يصعــب عليهــا تقبل أفــكار كبــيرة، وردت في بعــض تلــك الصفحات؛ لـذا تبقــى الأســئلة معلقــة في الذهن فتكـبر الصغــيرة وفي ذهنهــا ومخيلتهــا شــبكة متناقضــة مــن المعــارف والأحاســيس ضمــن حبكــة قصصيــة مختلفــة في كل قصــة، وقــد تعــود لتقــرأ تلــك المجــلات القديمــة، وهكــذا تعــود الصغـيـرة وهــي تعــرف الآن حقيقــة القــراءة؛ لتتصفــح مجلاتهــا القديمة لتراهــا بعيـون أخرى، ولتقــع في نفســها وقعاً مختلًفا. قبـــل كتابـــة أي قصـــة في هـــذه المجموعـــة، أجـــرت الكاتبـــة بحثاً حـــول كل مجلـــة تـــم تقديمهـــا، وأعـــادت قـــراءة الأعـــداد القديمـــة منهـــا (الأعـــداد الصـــادرة خلال الســتينيات والسـبعينيات إلى مطلع الثمانينيـات). وقـــرأت الكاتبـــة كل مـــا تمكنـــت مـــن الوصـــول إليـــه مـــن تلـــك الأعـــداد القديمـــة، وأغلبهـــا تـــم مـــن خلال تحميله مـــن بعض المواقـــع الإلكترونيـــة المهتمـــة بهـــذا الشـــأن؛ نظرا لفقـدان الأصـول الورقيـــة.
كـــما عـثــرت الكاتبـــة عـــلى أعـــداد قديمـــة مـــن بعـــض المجـــلات لـــدى الأصدقـــاء، مثـــل أعـــداد «العـــربي الصغــيـر» قبـــل أن تتحـــول مـــن ملحـــق لمجلـــة «العـــربي» إلى مجلة مســتقلة. واسـتغرق البحـث في عـــالم المجــلات المصـــورة القديمـــة عـــدة شـــهور، وتفرغاً طويـــلًا، حيـــث كان هـــذا المـــشروع مـــن ضمن اهتمامـــات الكاتبـــة منـــذ زمـن، لكن ضيـــق الوقـــت وعـــدم التفـــرغ، يجعـلان مـــن التأجيـــل ســـمة للمشـــاريع الأدبيـــة والثقافيـــة التـــي نرغـــب في إكمالهـــا وتقديمها.
تشرح المؤلفة شغف أبناء جيلها بقراءة المجلات بقولها: في تلــك الأيام، وقبــل حقبــة «الموبايلات» والانتشــار الكثيــف للتلفزيون، كان للمجلات عــلى أنواعهــا تأثـيـر كبــير في قرائهــا، وكانــت واســعة الانتشــار في الوطــن العــربي، وكان للطفــل نصيــب مــن تلــك المجــلات، خاصــة في مـصـر والعــراق اللذين اهتما بمجلات الأطفــال، وأصدرا عــددا مــن السلاســل المتنوعــة، منهــا مــا هــو مأخــوذ عــن إصــدارات أجنبيــة، ومنهــا مــا هــو صناعــة عربيــة خالصــة، بدءاً مــن تأليــف القصــص، وليــس انتهــاء بالرســوم الكرتونيــة التــي تمثــل تلــك الشــخصيات، وهــو مــا يســمى اليــوم بفــن «الكوميكــس». وتستطرد الكاتبة النعيمي: بالبحــث في تاريــخ هــذا الفــن في العــالم العــربي، ســنجد أســماء عــدة، وهبـت نفســها لهــذا النــوع مــن الفنــون وأبدعــت فيــه، لكنهــا لم تجد حقهــا مــن التأريــخ أو التكريــم الإنســاني، عــلى الرغــم مــن أن انتشــار المجــلات عنــد أجيــال كثــيرة عــلى امتــداد القــرن العشريــن أدى إلى انتشــار شــخصيات بعينهــا، بعضهــا خــرج مــن بــين صفحــات الــتراث العــربي مثــل ،«الســندباد» ورحلاتــه الســبع التــي كتبهــا كامــل الكيــلاني عــام 1928 وبعضهــا تــمت صناعتــه حديثــا مثــل «ســمير» في مصــر، الــذي ابتكرت شــخصيته مــن خمســينيات القــرن المــاضي، ولا تــزال مجلــة «ســمير» تصــدر حتــى اليوم.
واستعرضت الكاتبة النعيمي أهم المجلات تأثيراً في جيلها، مشيرة إلى أن مجلة العــربي الكويتيــة منــذ صدورهــا في خمســينيات القــرن المــاضي قامت باصدار ملحــق صغـيـر الحجــم باســم «العــربي الصغـيـر» يحمــل معلومــات عامــة، وبعضهــا متخصصــة، كــما يحمــل قصصاً متنوعــة للأطفــال، دون أن يتوجــه إلى مرحلــة سنية بعينها ؛ ثم تحــول «العــربي الصغـيـر» إلى مجلــة منفصلــة في عــام 1986 لتكون لها خصوصيــة واســتقلالية واعتباريــة مجلــة للطفــل العــربي. وأشارت إلى صدور مجلــة «ماجد» عــام 1979 في الإمــارات العربية المتحدة، تزامناً مع عام الطفــل الــذي احتفلــت بــه هيئــة الأمــم المتحــدة، وانتــشرت «ماجــد» في الخليج ، ولا تزال تصدر مــع تغـيـر في شخصيات لم تكن موجودة في البدايــة، وهــو شــأن الكثـيـر مــن المجــلات التــي تغــيرت مــع تغـيـر فنــاني «الكوميكــس» ودخــول أجيــال شــابة ذات اهتمامــات مختلفــة إلى الطاقــم الفنــي للمجلــة.
وقالت إن مجــلات الطفــل مثــل «لولــو الصغـيـرة» و«ســمير» و«المزمــار» و«ســامر» وغيرهــا، كانــت تصــل إلى مكتبات قطر وهنــاك جيــل مــن الرجــال والنســاء قــرأ تلــك المجــلات، وتأثــر بهــا؛ فكانــت مفتــاح القــراءة وبوابــة المكتبــات التــي نهلنــا منهــا بعــد ذلــك. وبقيــت تلــك المجــلات المصــورة التــي تحمــل فــن التأليــف وفــن الكاريكاتيـر وفـن الإخــراج الفنــي للطفــل – مهــما تــم اســتبعاد أثرهــا – تشــكل جــزءا، مــن الذاكــرة لــدى العديــد منا، خصوصــا لــدى مــن شكلت القــراءة والكتابــة الأدبيــة بعــد ذلــك جــزءا من كيانــه الثقــافي، أو ممن بقيت شخصيات مثل، ميكي وبطوط عالقة بذهنــه، مــن خــلال صــور مجــلات قديمــة تصَّفحهــا وســعد بهــا ذات يــوم قديــم.
وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه المجموعة القصصية تأتي ضمن مجموعة متميزة من المؤلفات التي أصدرتها دار كتارا للنشر في شتى المجالات، أبرزها كتاب: «الفن التشكيلي في دولة قطر ستون عاماً من الابداع» للفنان حسن عبد الرحمن الملا، كتاب: «بيارق على مرافئ الإبداع» لكلثم جبر، كتاب: «الأديب الشاعر حمد النعيمي» لعلي فياض، كتاب: «رحلة حول قطر» للرحالة الفرنسي بيير دانيال، وكتاب: «ركائز الحداثة وما بعدها» إعداد إدارة البحوث في كتارا، إلى جانب مؤلفات أخرى تحت النشر في شتى المعارف والعلوم.