هروب الصمت..
الروائي/عبد الجبار الحمدي .
غريبة الأحاين عندما تجبرك أن تمضع ما لا تشتيه وتقودك حيث الظلمة ظنا أنها إرادتك… يا لسخرية القدر!! يدفع به الى حيث يجعله لا يعلم الى أين يذهب؟ سحقت كبرياؤه تلك الحثالات التي امتهنت السياسة طاقية إخفاء، كانت لديه الوسيلة غير أن خط رجعة الى زمن الطمأنينة كان كفيلا بأن يعقد لجام لسانه، أذيع انه لاذ بالفرار حيث الصمت.. فالصمت قالت له نفسه: في الغالب يسبق العاصفة، عالم مخيف هو الصمت متى ما ركب وجه الحقيقة دون ان يدلي بها، وجه تربعت على قسماته قساوة الواقع والخوف من ذكرها، فعناوين سلطة استباحت فض بكارة السكوت بعد ان كان ينصت الى من تعرض الى سلبيات فساد رجالات دولة، بلع لسانه، صار كالحجر لا ينطق باي تعليق فالصفعات التي تدلت بها رقبة من كان معه كفيلة بأن تلزمه الصمت كالخرس الابدي، حتى أنه لم يهز رأسه بلا… تعبيرا عن رفضه للقمع وتكميم الافواه، إننا قالتها نفسه… نعيش زمن ( عش واقعك المرير واشرب الزمهرير ثم نم خوفا من ان تطالك يد السلطة تحت السربر)، تلك عبارة سمعها من صاحب له خرج من المعتقل بتهمة نقد للسلطة، كان نتيجتها بأن قَبِعَ وحيدا في ركن بعيد عنا، لا يخوض لسانه بأي عبارة إيجاب او سلب، لقد سحبوا لسانه فاستطال حتى لا يمكنه ان يديره في حَلقهِ لينتقد اي ظاهرة فساد باعت الوطن الذي كان هو أول من خرج يطالب بالحرية والحقوق له، رافضا التحزب والسلطة الماجنة التي قتلت وأرهبت الشعب… الشعب الذي قال مرة عنه.. إنه الضحية الكبرى التي يتلقى الصفعة تلو الصفعة نتيجة اختياره لمن يمثلون الاسلام السياسي… لم يتخيل انه سيكون مطارد فما ان خرج مبتعدا عن تلك الجلبة التي تصاعدت بعدها تحولت الى ضرب وركل كل من يقف في طريقهم، فالمسألة تعدت ان تكون مواطنا مثقفا واعيا، تعتقد انك تمتلك الحرية سلطة رابعة تحمي حقوقك كإنسان كما تدعي تلك المنظمة العالمية لحقوقه المسلوبة تلك للتعبير عن رأيه، حتى هي سيقت كالسبايا فلا سلطة رابعة بعد ان شوهوا صورتها بأنها سبية تباع وتشترى لمن يدفع اكثر، لا سلطة اليوم إلا للترهيب والتخويف والسحل الى السجون.. عناوين الصمت الحقيقي التي مهما صرخت، تعذبت، توجعت أو قتلت لا صوت لك مسموع.. إلا ضحكات ذيول همهم هز اوساطهم لحامل اللحمة… اللحمة الوطنية الواحدة ههههههههههههه…
اخرس لعنك الله… كيف تضحك الم ألزمك الصمت؟ لمَِ لحقت بي وترهاتك حيث ملاذِ؟ إني لن اضحي بنفسي من اجلك وأنا اراك تضحك دون سبب، لقد فررت… جلبتك معي حيث الملاذ الساكن الى الابد لإننا يا هذا نعيش في عالم فحيح الثعابين وحفيف الشجر، فلا ترهقني بأنك بت آمنا تريد الافصاح عما بداخلك، لا اريد لك ذلك ولا احبذه حتى في صلاتك التي لا تجهر بها واخفتها فما عادت تفي بالغرض عندما ترك الله للفاسيدن أن يعيثوا فسادا، حتى كبار القوم يامرهم بالفسوق والفجور لغاية لا يعلمها إلا هو… إننا يا هذا الفقراء الى الله والضحية، وإلا هل سمعت وعلى مدى تلك القرون منذ مجيء الرسول الاعظم وحتى قبله من الانبياء والاقوام التي بعثوا إليها ان الفقراء انتصروا؟ إنها أزمة بين مكونات مجتمع فاسد وصالح، أما الفاسد فكان يواري سوءة اخية بعد ان قتله، واما صالح فكان ميتا بعد ان نال ضربة اطاحت به و وسدته التراب.. هكذا هم فقراء الصمت قرابين يُضحى بهم بصمت دون ان تكون هناك اشارات او علامات تدل على انهم عانوا ما عانوا، يساقون الى المذبح بعد ان تدق النواقيس وتصدح المآذن بالتكبير… الله أكبر حي على الفلاح… يا له من فلاح دنيوي لا يستكن إلا بقرابين بشرية، كيف تريدني ان أصيغ لك بعد ما قلت عبارات الهروب؟ إني يا هذا ما لذت بالفرار إلا خوفا على ما تبقى من تلكم الشعرة، أتراها باتت الخيط الرفيع بين هروب الصمت والموت؟ واقعا لا أرى إلا فرقا بسيطا هو تماما مثلها، فالموت هو الصمت الابدي والمطبق اما الصمت الهارب فأعتقد انه يمكن ان يخرج عن دائرته ليفضي بما في جعبته على انه يكون متأكدا بأنه الخروج الاخير فبعد ذلك الصمت والعودة يأتي الفناء أولا تظن ذلك؟
واقعا كنت انصت له وهو يتحدث بإسهاب، لا ردة فعل لي سوى هز رأسي مثل تلك الدمية.. دمية الكلب التي ما ان تشعر بالاهتزاز حتى يتحرك رأسها لا اراديا.. هكذا كانت تتحرك مفاصلي لا اراديا وانا اوافق على كل ما سمعت، لا ابدي رأيا، فالرأي في تلك الاحاديث يجعلني طويل اللسان أخرس مثل صاحبنا المنزوي في ركنه… كما قال حنظلة لسيده عندما قسم الغنائم من السبايا لسيده… هذه لك في الفجر، هذه للصبوح، هذه للضحى، هذه قبل الغداء واخرى لما بعده، و واحدة في الغروب وثانية للمساء… ضحك سيده وقال له: من علمك القسمة يا حنظلة رد عليه: اللطمة التي دوت على رقبة صاحبي هههههههههههههههه، كانت لطمة واحدة كفيلة بأن تعيد لحنظلة حساباته في التقسيم ترى كم لطمة نالت من سادة السلطة حتى اعادوا لقسمة بينهم و وزعت مقدرات وثروات وطن… إننا في كل يوم بل في كل لحظة نتلقى اللطمة تلو اللطمة حتى تحشرجت المفردات بعد ان اثخن بالشلل العنق الشوكي، اصاب الخلل احبال الصوت التي نشروا اوساخ أفعالهم عليه فصرنا لا نخرج من افواهنا إلا قبيح افعالهم بعد ان تغتسل في بطون حبلت بالنفاق فصارت تتقن فن الحديث..
في تلك اللحظة هرولت معه كي ادخل تحت ظله الذي اراه آمنا بعض الشيء، لم يتبرم مني ولم يلقي بي خارجا، لكنه اشار لي بالصمت غير ان سؤال في بطن عقلي لا زال يتحرك كان لحظة ولادته حانت، مخاض صراخات طلق يشعر بها هو وانا يراني أريد الولادة… يا للغرابة رجل يلد؟!! هكذا ظننته يريد ان يقول لي، لكني اجبته لا تستغرب!!! فقد دخلنا زمن الرجال تَلِد إنه زمن الخبل في قلب المعايير والموازين… إنها ساعة حانت بها ان تكون كل المحرمات مستباحة حتى الله بات يستباح حقه بعد أن نالوا منه ومن كل الرسالات لقد طالت ايديهم والسنتهم بلوي الحقيقة وبهدوء في رسم مخطط وستراتيجية انهكت حتى الملائكة والشياطين من اللحاق بحقيقتها، بات البهتان عنوان رسالة سماوية.. اشار لي مرة أخرى بالصمت لكني لم استطيع بعد ان دخلت في محرابه ولابد من السؤال… لم يعجبه تحرك شفتي ولساني يضع افراخ المفردات وهي تنجب مثلي سؤالها العقيم أين الله من كل ذلك؟ لم ألحظه بل كان أثره الغبار المتطاير دليل على هروبه الى حيث لا أدري تاركا وراءه ورقة كتب عليها (وما ظلمناهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون).
القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي